بعد المجزرة.. ومع تسلل أول شعاع شمس -على استحياء- فوق ما تبقى من مشهد بدأ بضحكات وانتهى بمأساة. تتبعت «المصرى اليوم» فى محيط استاد الدفاع الجوى «30 يونيو»، أثر ما تبقى من الشهداء الذين سقطوا، وأثر زملائهم المصابين والناجين.
كانت الفوضى تعم المكان، ورائحة الدم والموت تملأ أركانه، أحذية دون أصحابها، نظارة طبية، أوراق شخصية عليها أبيات من الشعر، واستمارات عضوية لرابطة المشجعين، كتبوا عليها أسماءهم بحروف مرتبكة، بقايا حيواتهم وأحلامهم متناثرة فى الطريق الذى يقودك لممر الموت الذى لفظ فيه الشهداء أنفاسهم الأخيرة.
عدد من التذاكر وأعلام بيضاء ممزقة على الأسلاك الشائكة امتزجت باللون الأحمر، كراسات دراسية، جمعتها «المصرى اليوم» وبعض الأوراق المتناثرة على الأسفلت أمام بوابة الاستاد، كتبوا فيها تفاصيل تخصهم وحدهم، معظمها دون أسماء ليبقى الضحية والناجى من المذبحة مجهولًا، تفاصيل من الممكن أن تخبرنا أشياء عن شباب فى عمر الزهور ـ أعمارهم تتراوح بين 17 و25 عاما ـ وعن أحلامهم المسروقة.
«طول ما أنا عايش فيه أمل، حب وعشق من غير ملل/عارف إنى فى زمن عجيب / لكن دايمًا موجود حبيب».. رسالة الأمل، كان آخر ما كتبه «الزملكاوى.. طائر الليل الحزين» كما جاء توقيعه فى نهاية كراسه التى لم يتبق منها سوى بضع ورقات، حملت أبيات شعر من تأليفه، لم تحمل الورقات المتبقية اسم صاحبها، ولكنها حملت الكثير من مشاعره وإحساسه عن الحب والفراق أيضًا، وكتبت يده: «فراق وعذاب وحنين.. مرار وحزن أليم.. ما نعرف فين رايحين».
فى ورقة أخرى تركتها روح مختلفة، خطت بحبر أزرق، مواعيد تنظيم يومه وهو فى الأغلب يوم المباراة الذى أشار له «بالمشوار»: من 8 إلى 9 ونصف، صلاة، ومن 9 إلى 10 أذكار وقرآن وفطار، ومن 10 الى 10.50 حفظ كلمات الكورس، ومن 10.50 إلى 11.20 التجهيز للمشوار (فى إشارة للمباراة).
كراسة مختلفة يبدو مالكها شخصا يحب الرياضة أكثر من الدراسة، ضمت الكراسة جدولين فقط، الجدول الأول للدروس إنجليزى وأحياء وكيمياء، والجدول الآخر كان مفصلا أكثر حيث يحتوى على تمرينات «الجيم»، وتفاصيل تمارين كل العضلات وأجزاء الجسد منها: تمرين البنش: 4 بار فرنساوى،4 برست مسطح 4، برست مائل، 4 رفرفه مائل، 4 أوفر.
الدفتر الأخير كان الأكبر والأكثر تفصيلًا، ويؤكد عشق صاحبه «رامى» للسينما، كُل صفحاته تُظهر غرام كاتبها بالسينما، يبدأ الدفتر ببعض صور النجوم المصريين ونبذة عن كل منهم ورأيه الشخصى فيهم، ربما كان حلمه أن يصبح ناقدًا أو كاتبًا ولكن من الواضح أن هناك شخصا آخر لم تعجبه الفكرة.
فى صفحات أخرى، يحاول المشجع الفنان أن يؤرخ لتاريخ السينما فى مصر فكتب: «أما فى مصر بدأت السينما فى أواخر العقد الثانى من القرن العشرين وبالتحديد عام 1927 بفيلم ليلى أول فيلم مصرى صامت، كان من بطولة أحمد علام أول فتى سينمائى وعزيزة أمير أول فتاة سينمائية وكان من إخراج الفنان استيفان روستى، الذى اصبح فيما بعد مؤسس كوميديا الشر فى مصر، وسأقدم لكم بانوراما شاملة فى عدة أجزاء.. أرجو أن تنال إعجابكم والله الموفق».
وكتب رامى أيضًا سيرة حياة بعض الفنانين المصريين بطريقته فنجده يكتب عن أحمد زكى قائلًا: «الامبراطور الأسمر أحمد زكى هو أول من كسر قاعدة (الجان) أى الفتى الأول بقوة إرادته وروعة تمثيله، فى عام 80 بدأ زكى بفيلم الباطنية فى دور سفروت وكان هذا الفيلم شهادة ميلاد لنجم اسمه احمد زكى». وعن لبلبة كتب: «لبلبة اكتشفها الراحل أنور وجدى وشاركت وهى طفلة فى أفلام ليلى مراد وإسماعيل يس وقدمت أغانى للأطفال والاستعراض، إنها بحق لؤلؤة السينما العربية».