نستطيع أن نقول: إن النبى- صلى الله عليه وسلم- كما جبر خاطر الإنسان جبر كذلك خاطر الزمان، والدليل على ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم- ما شوهد فى شهر صائماً أكثر من صيامه فى شعبان، وما صام شهراً كاملاً إلا رمضان،
وقد بين لنا العلة فى قوله.. هذا شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، فرجب شهر الله الحرام، ورمضان علم الشهور، وبينهما شعبان، وكان النبى- صلى الله عليه وسلم- يصوم فيه أكثر مما يصوم فى غيره لينبه الناس إليه، والتنبيه إلى الزمان إنما هو تنبيه إلى عمر الإنسان الذى يجب أن يستثمره فى طاعة الله- عز وجل، والصيام عبادة من أهم العبادات، كأن الناس حين يرونه- صلى الله عليه وسلم- صائماً يقفون عند اليوم الذى صامه، أهو يوم الاثنين، أهو يوم الخميس، أهو يوم عرفة، أهو يوم فى شعبان، إنه ليس مجرد يوم، إنه أيام فى شعبان، فإن قلت ما قلت فى فضل شعبان وأنه ترفع فيه الأعمال إلى الله،
وأنه وأنه وهكذا لم تبلغ مبلغ الحكمة فى قول النبى - صلى الله عليه وسلم- هذا شهر يغفل الناس عنه، فإنه ما ينبغى لنا أن نغفل عن شعبان ولا عن غيره من الشهور، ونحن فى الحقيقة غافلون، ألا ترى إلى قول بعضنا سبحان الله، رمضان على الأبواب، قد مرّ عام، لا إله إلا الله، فلان (الطفل) أو فلانة سوف يحصل على الابتدائية هذا العام، صار رجلاً، صارت فتاة كبيرة، تبارك الله، كأننا أمسينا ثم أصبحنا فوجدناه ووجدناها هكذا، ويسأل بعضنا عن أبناء بعض: كيف حال فلان، ذلك الكتكوت فيقال: تخرج منذ عامين! ماذا تقول؟
الولد هذا الذى كان بالأمس يلعب مع الأطفال، وأبوه يصرخ فيه ويقول له: هذه ذقنى إن نفعت، تخرج؟ فيقال: نعم، كان ذلك الذى تقول من خمسة عشر عاماً.. صحيح، سبحان الله، مر الزمن سريعاً يا أخى، ومرور الزمن بين السرعة والبطء له دلالته عند العلماء من أهل اللغة الذين اختلفوا فى تصغير أيام الأسبوع والشهور، فبعضهم منع هذا التصغير، لأنها مدة معينة ثابتة، لا تتغير فكيف تصغر!
وبعضهم أجاز تصغيرها وعلتهم فى هذه الإجازة النظر إلى ما يحدث فيها من مسرات يعنى إذا قلت فى السبت: السبيت، فمعناه أنه مر عليك بسرعة، لأنك كنت فيه فى سعادة، وأيام السعادة قصيرة وإن طالت، وقد قال الناس من قديم: أيام السعادة تمر مسرعة، أما أيام الشقاء فهى تمر كأنها أعوام، فهل بقى هذا المعنى قائماً!
أم تغيرت المعانى والدلالات فصارت الأيام تنطوى سريعاً رغماً عنا برغم ما فيها من متاعب وأوجاع، وهموم ثقيلة، لأننا نلهث وراءها وهى تجرى من أجل أن تحقق شيئاً ذا قيمة، فإذا حققنا شيئاً توهمناه ذا قيمة بدا لنا ساعة الوصول إليه أنه لم يعد ذا قيمة، فالذى كان يحلم بأن يحصل على مبلغ ألف جنيه لما وصل إليه صار الألف شيئاً بلا معنى، فيظل يلهث ليحصل على عشرة، فإن وصل إليها وقبضها قيل له: اشتر بها لبا وتسلّ به.
صارت الأرقام الكبيرة لا تحقق غاية من سكن، ولا استثمار، ومن أجل ذلك تعاقب الليل والنهار على عمل متواصل بلا فواصل، وصرنا نفر من رقم إلى رقم، ومن ثم زعم كثير من الناس أنه لابد من صفقة رابحة كبيرة إما عن طريق الفساد والسرقة والرشوة والمخدرات، وإما عن وهم توظيف الأموال، لأنهم يريدون أن يخرجوا من القاع إلى السطح، ولو كان هناك توازن مضبوط مدروس للاقتصاد، وتوجيه سلوكيات الناس والخطاب الدينى يشمل ذلك المنهج الذى فيه إعمال العقل والإعداد للمستقبل،
وعمل حساب الجوائح وقل منْ تراه يتناول ذلك ويعرضه، لو حدث ذلك لازداد إحساسنا بالزمن، فإن الذى تخرج منذ عامين كان علينا أن نوفر له فرصة عمل وهو رضيع فإذا شب عن الطوق وجدها، ومثله تلك الفتاة التى شبت فجأة، ولم تفكر أمها فى شراء فوطة لها عبر تلك السنين كأنها ولدتها اليوم عروساً هكذا ولا تدرى ماذ تفعل؟