المشهد الأول
فى عام 2009 استيقظت الولايات المتحدة الأمريكية على كابوس، فموقع ويكيليكس على الانترنت بدأ نشر الآف الوثائق السرية التى تخص الدبلوماسية الأمريكية، استمر الموقع فى نشر الآف الوثائق الفاضحة لعدد كبير من الدول والشخصيات العالمية، وذاع صيت جوليان أسانج مؤسس الموقع الذى فاز فى نفس العام بجائزة منظمة العفو الدولية لفضحه عمليات اغتيال خارج نطاق القضاء فى كينيا ، كما منح جائزة سام آدمز، التى تُمنح سنويًا من قِبل مجموعة من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية المتقاعدين المدافعين عن النزاهة والكاشفين للفساد،واختير فى سبتمبر 2010 ليكون فى قائمة أكثر 50 شخصية مؤثرة حول العالم حيث كان ترتيبه رقم 23.
جوليان أسانج، مختبأ الآن منذ اكثر من عامين فى سفارة الاكوادور بلندن كلاجىء سياسى ، بعد ان تم تدبير مكيدة للايقاع به فى السويد، وهو يخاف من أن تسلمه السويد لأمريكا حيث يواجه عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام لنشره وثائق سرية أميركية.
جوليان أسانج تعتبره بعض الحكومات مجرما وحكومة بلاده رفضت مساندته، ولكن ملايين يعتبرونه صاحب رسالة كتبها على مدونته: "إن المنظمات الأكثر سرية أو جورا هي تلك التي تقلق التسريبات قيادتها وصناع قرارها، وبما أن الأنظمة الجائرة تغري بطبيعتها الخصوم، وبما أن لديها اليد العليا في أمور كثيرة، فإن التسريبات تتركها مكشوفة أمام أولئك الباحثين عن أشكال للحكم تتميز بالانفتاح"
كان لديه حلم ..لم يصل إليه ...لم ينتصر فى حربه على الأنظمة الظالمة التى نجحت فى اصطياده.
المشهد الثانى
يونيو 2013 ، بداية محنة جديدة لأمريكا، إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية سرب وثائق سرية من الوكالة، منها برنامج بريسم الذى أرسله إلى جريدة الجارديان والواشنطن بوست، كشفت الوثائق أن المخابرات الأمريكية كانت تتجسس على الجميع بما فيهم حلفاؤها من أمثال: المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة البرازيل ديلما روسيف ورئيس المكسيك السابق فيليبي كالديرون والرئيس الفرنسى أولاند وغيرهم، وأخطر ما سربه سنودن هو الميزانية المفصلة لجميع وكالات الاستخبارات الأميركية والمسماة "الميزانية السوداء".
سنودن أوقع أمريكا فى مأزق مع اصدقائها وفضح سرها أمام أعدائها، أعتذر اوباما للأصدقاء، ولكنه أكد أن تسريبات إدوارد سنودن تسببت في "اضرار غير ضرورية" لقدرات واشنطن الاستخباراتية .
سندون يعيش الآن كلاجئ سياسى فى روسيا يعانى نتيجة اختيارة بعد أن أصبحت حياته مهددة، لم يندم على فعلته بل دافع عنها: "انا مستعد للتضحية بكل ما أملك لأن هذا التجسس يشكل تهديداً حقيقياً للديمقراطية التي ننادي فيها ببلادنا" صحيح أن سنودن حصل على جائزة سام آدامز سنة 2013 ورُشحه نائبان فى البرلمان الأوربى لنيل جائزة نوبل للسلام العام الماضى كأشادة بمساهمته في حماية حقوق الإنسان الكونية وبينها الحق في الحياة الخاصة وحرية التعبير، ولكن مازال مطارد من حكومة بلاده.
المشهد الثالث
فى المشهدين السابقين نجد تسريب وثائق حكومية لأهم دول العالم وأجهزتها المختلفة وعلى رأسها أمريكا، ليس هناك خصومة شخصية بين الجانبين، ولكن محاولة من المسربين فضح جرائم الدول والأجهزة.
اما هنا فالمشهد مصرى بامتياز، فالأمورتسير عكسية، برنامج يحاول أن يفضح نشطاء لا حول لهم ولا قوة .
برنامج عبدالرحيم على الصندوق الأسود الذى استمر من يوليو 213 وحتى أغسطس 2014على قناة القاهرة والناس، حاول المذيع أن يرتدى ثوب المحارب الوطنى الذى يفضح نشطاء ثورة 25 يناير الذين بتهم بالعمالة من أمثال: وائل غنيم، وأسماء محفوظ، ومصطفي النجار، وعبدالرحمن يوسف.
«عبدالرحيم على» بتسريباته دخل فى خصومه مع شخصيات بعينها وهو فى وضع الأقوى، فهو يمتلك منصة يقول فيها مايريد وتسجيلات تم تمريرها له من جهة لها حيثية تسانده .
المكالمات الصوتية التي اذاعها البرنامج وقتذاك قوبلت بهجوم أصحاب من وردت اصواتهم فيها، كما انتقدها بعض السياسيين والاعلاميين البرنامج لانتهاكه خصوصية الأفراد، ولكنها على الجانب الآخر وجدت مشجعين ومتابعين ، ولكن الجميع لم يعتبر عبدالرحيم على صاحب رسالة .
توقف برنامج الصندوق الأسود ، ولكن لم تتوقف التسريبات وكأنها أصبحت سنة متبعة ، ولكن هذه المرة جاءت التسريبات لتحرج النظام الحاكم والمحسوبين عليه. فى البداية قيل إنه صراع أجهزة وأجنحة داخل الدولة، ومع تكرارها لم يعد أحد يعرف من المسؤول وما الهدف منها، مع بقاء تأثيرها محدودا.
النتيجة:
هناك دائما جهات وأشخاص من مصلحتها أن تسرب معلومات تحرج أطرافا وأجهزة ودولا، التسريبات تحدث صدمة بسبب المفاجأة التى تسبب ارتباكا وخجلا مؤقتا، ولكن: هل التسريبات تغير الواقع ؟
هل تغيرت آليات وأهداف عمل المؤسسات الأمريكية بعد تسريبات ويكيليكس؟، هل قطعت أوروبا علاقتها بأمريكا بعد تسريبات سنودن؟ هل تأثر النشطاء بتسريبات عبدالرحيم على ؟ هل تغيرت وضعية السيسى فى الداخل او الخارج بعد التسريبات الأخيرة؟
التسريبات لا تغيرواقع، ولكنها تخلق توقعا لرد فعل معين، على سبيل المثال الموازنة الجديدة التي قدمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الكونجرس، اقترح فيها تخصيص 14 مليار دولار لتقوية دفاعات الولايات المتحدة بمجال حماية الفضاء الرقمي من الهجمات الإلكترونية بعد أن تعرض حساب القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي في تويتر للقرصنة.
أنا لا أطالب بتقليد الولايات المتحدة فالظروف مختلفة، ولكن أطالب أن يخرج متحدث باسم رئاسة الجمهورية يصارحنا بحقيقة تلك التسريبات، وهل تمكنت أجهزة الدولة من الوصول للفاعل ؟ وماهى الاحتياطيات التى اتخذت لتجنب مثل هذه التسريبات مستقبلا ؟ كنت انتظر تصرف مماثل لما أقدم عليه الرئيس بعد حادث العريش الإرهابى حين اختار الفريق أسامة عسكر لمحاربة الإرهاب وتنمية سيناء وتخصيص ميزانية لذلك..
ملاحظة واحدة :
لا تنطق او تكتب إلا ما لا تخجل من أن يطلع عليه الناس ..."مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ".
مى عزام
[email protected]
.