إثر تدمير القوات الجوية صباح 5 يونيو 1967 زال شعور الإسرائيليين بالخوف المرعب من القوات المسلحة العربية، وارتأوا أن السلام قادم. فهل بالفعل كان قادماً؟
لقد ارتأت الحكومة الإسرائيلية أن ثمة وضعاً جديداً فى الشرق الأوسط تقع فيه منطقة الشرق الأوسط تحت سيطرة إسرائيل، والتى يشير إليها اليهود بإرتزإزرائيل، ويسميها العرب فلسطين. وفى 27 يونيو 1967 ضمت حكومة إسرائيل القدس الشرقية العربية التى كانت تحت السيطرة الأردنية منذ عام 1948.
وهكذا تم توحيد المدينة المقدسة باعتبارها «العاصمة الدائمة لدولة إسرائيل». وبعد ذلك أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلى ليفى إشكول تصريحاً رسمياً للإعلام جاء فيه «إن يدنا ممدودة للسلام لكل مَنْ هو مستعد للسلام». وجاء رد العالم العربى كله رفضاً تاماً لقرار الحكومة الإسرائيلية ولتصريح إشكول. وعندئذ تحولت الحمية الإسرائيلية للسلام إلى وعى بأن السلام بعيد للغاية. وأسوأ من ذلك وعيهم بأن ثمة حرباً أخرى قادمة خاصة عندما أعلنت قمة الخرطوم فى أول سبتمبر من عام 1967 تمسك العرب بلاآت ثلاث: لا سلام مع إسرائيل. لا اعتراف بإسرائيل. لا مفاوضات مع إسرائيل. وبعد ذلك بدأت حرب الاستنزاف من قِبل فدائيين فلسطينيين، ومعها تحرر الفلسطينيون من وَهم الأيديولوجيا القومية الناصرية، وأصبحوا على وعى بالقومية الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، لدرجة أن أعضاء الحزب الشيوعى بقيادة جورج حبش وأعضاء الحزب القومى العربى قد أصبحوا على وعى بضرورة إعادة النظر فى شعار القومية العربية. وفى هذه اللحظة تولى ياسر عرفات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
وفى مقابل هذا الوعى الفلسطينى أصبح لدى إسرائيل الوعى بضرورة التمسك بالأراضى التى احتلتها، وفى مقابل هذا الوعى وذاك أصدر مجلس الأمن القرار رقم 242 فى 22 نوفمبر 1967 الذى ينص على عدم الاعتراف باكتساب الأرض بالحرب، وعلى انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضى التى احتلتها فى المعركة الأخيرة. وطالب فى الوقت نفسه بإنهاء كل التصريحات المنطوية على العداء مع احترام وإقرار سيادة كل دولة فى المنطقة ووحدتها الإقليمية، واستقلالها السياسى، وحقها فى العيش بسلام داخل حدود معترف بها وآمنة دون تهديدات أو أعمال عنف. أما إسرائيل فقد ارتأت أنه فى إطار امتناع الدول العربية عن وقف حالة الحرب وعقد اتفاقية سلام معها فإن النتيجة الحتمية لقرار 242 هى السماح لإسرائيل بالبقاء فى الأراضى المحتلة. والرأى عند موردخاى بار- أون أن هذا التصلب الذى أبدته إسرائيل هو نتيجة حتمية للعناد العربى وغياب الضغط الدولى.
والمفارقة هنا أن موشى ديان الذى كان وزيراً للدفاع فى حينها كان ضد ذلك التصلب الإسرائيلى. وسبب ذلك مردود إلى أنه قد نشأ فى مزرعة لفلاحين عرب وبدو، ولهذا كان يجيد اللغة العربية التى أفضت به إلى فهم تفكير العرب ومن ثم إلى التعاطف مع أزمتهم. فماذا قال؟
«أنتظر مكالمة هاتفية من الملك حسين لمناقشة وسائل السلام إلا أن الهاتف لم يرن». وبعد ذلك عاد وهم السلام مرة أخرى مع احتمال حرب قادمة مقدمتها زوارق مصرية تحمل قذائف سوفييتية أغرقت إيلات، وفى المقابل دمرت إسرائيل معامل البترول بالسويس، ومن ثم أخليت المدينة وأصبحت منطقة حربية تمهيداً لشن حرب استنزاف يعقبها استئناف الحرب بالرغم من نصيحة السوفييت لعبد الناصر بأن يفعل ما يتناقض مع رؤيته. فماذا كانت رؤيته؟