x

رامي جلال كيف تزيل الكفاءات فى نصف ساعة؟ رامي جلال السبت 07-02-2015 21:11


النظرة إلى الكفاءات فى بلادنا تشبه نظرة ربة المنزل إلى البقع على الملابس، لابد من إزالتها لجعل الصورة أكثر بياضاً. واللون الأبيض شىء محبب إذا كان وصفاً للقلب كدليل على النقاء، أما إذا أصاب العقل فهو دليل على السطحية والسذاجة. وغياب الكفاءات فى الدولة يساوى عقلاً أكثر بياضاً، وحياة أكثر سعادة، لأن المجانين فى نعيم وأهل الجهل ينعمون بجهلهم.. والواقع أن الكفاءة ليست «بقعة» على الثوب بل هى «رقعة» فيه تدعمه وتحميه من مزيد من التمزقات، حتى وإن بدا شكلها غريباً لذهنية اعتادت على البياض الناصع والاقتناع بأن كل شىء تمام.

نَقْتنى فى متحفنا الآن نظامين، نظام سابق ونظام أسبق، لأن كليهما ظن أن هناك نظام تشغيل لهذا الشعب. وعلينا أن نتفهم ببساطة شديدة أن نظام مبارك بقى ثلاثين عاماً بينما بقى نظام الإخوان عاماً واحداً، لأن الأول أكثر كفاءة بكثير، أما الفساد فهذا موضوع آخر، فكثير من القيادات الفاسدة كانت فى الحقيقة كفاءات عالية، وهذا هو سر البقاء فترة، أما الفساد فهو سر الفناء فجأة.

لا أحد ينكر أن ندرة الكفاءات أمر واقع، وحالة «التجريف» التى يتحدث عنها كل فلاسفة النخبة موضوع حقيقى (على غير عادة أحاديث النخبة) ولكن جزءاً آخر من المشكلة هو كيفية البحث عن الكفاءات، لأنها موجودة رغم ندرتها. وبالتالى فمؤسسة الرئاسة بحاجة إلى «كشاف» يبتعد عن فكرة التقارير الأمنية، فتلك التقارير لا تكشف الكفاءات بل تكشف العورات. كشاف الرئاسة سينير الطريق للوطن كله، ولكن الأزمة فيمن يكتشف الكشاف!

العنصر الخطير فى المشكلة كان من المفترض أن يكون من عناصر الحل وهو الإعلام. دعنا من الإعلام العام المملوك للدولة لأنه منعدم الكفاءة وبالتالى منعدم التأثير. وكذلك لن نتطرق إلى الإعلام الجديد (الإنترنت وشبكات التواصل) لأنه كفء ولكن منعدم الموضوعية وبالتالى فله تأثير سلبى كبير.

أما الإعلام الخاص فهو محدود الكفاءة، وشقه التقليدى (الصحافة، التليفزيون، الإذاعة) عادة ما يخلط الإعلام بالإعلان ويحدد أولوياته على هذا الأساس، وبالتالى فإن كنا بصدد الحديث عن كفاءة شخص ما فهذا ببساطة لن يبيع، وعليه فلابد من الحديث عن عورات هذا الشخص حتى وإن رسم ذلك صورة ذهنية سيئة له دون وجه حق، والأزمة هنا أن صانع القرار يتأثر بذلك. وحدث هذا مع كثيرين، منهم مثلاً اللواء طارق المهدى (وهو ليس صديقى بالمناسبة، لكنه كفاءة مهمة فى كل المناصب التى تولاها).

تعرضت الإسكندرية لموجة من الطقس السيئ نتج عنها غرق بعض الشوارع، فسارعت كل الوسائل بعرض الأمر وتصويره كفضيحة، بينما لم يتطرق أحد إلى ثلاثة أيام قضاها المحافظ ومجموعة عمل فى الشارع ليل نهار لحل المشكلة التى هى بالأساس أزمة تراكمية وليست طفرة مفاجئة على الإسكندرية. كل ما سبق قد يُصنف فى خانة اللاموضوعية، وهذا أصبح طبيعياً، ولكن الأمر انتقل إلى خانة «التدليس» حين قامت واحدة من كبرى الفضائيات المصرية الخاصة بإرسال مراسليها ومصوريها لتصوير مجهودات المحافظ ثم اكتشف مسؤول بالقناة، بعد تصوير المادة وتسجيلها وتجهيزها للعرض، أن مثل تلك الأمور لا تبيع، فلماذا أركز على كفاءة مسؤول ليس بينى وبينه مصلحة، دعنا نشوهه يا عزيزى! هذه الفضائية مثلاً كانت يوماً ما «حلم» جميل فأضحت «كابوس» ثقيل.. الكفاءة نائمة أعز الله من أيقظها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية