x

«محمد ناجى»: تاريخ الأمم يعرف بكتابها وليس بأسماء الوزراء

الخميس 03-12-2009 15:38 | كتب: خلف علي حسن |
تصوير : طارق وجيه

فى طريقى للوصول إلى بيت المبدع «محمد ناجى» بحى مدينة نصر قفزت إلى ذاكرتى وجوه كتابنا العظام الذين رحلوا واحدا تلو الآخر بمرض السرطان اللعين فى وقت تقاعست فيه أجهزة الدولة عن علاجهم، واستعدت كلام كاتبنا المبدع الراحل «يوسف أبورية» عن كفاحه مع المرض حين قابلته فى بهو المركز القومى للبحوث، وضاع هو الآخر نتيجة تنازع وزارة المالية واتحاد الكتاب تبرعات حاكم الشارقة لعلاجه.
فيما يرقد المبدع «محمد ناجى» فريسة كبده المريض، يحشد الأدباء التوقيعات لترقيق قلب رئيس مجلس الوزراء حتى يصدر قرارا بعلاجه فى الخارج لإجراء جراحة زرع كبد.
يعد «محمد ناجى» واحدا من أهم المبدعين فى المشهد الروائى المصرى والعربى.. شارك فى حربى الاستنزاف وأكتوبر، وأغنى المكتبة العربية بالعديد من الأعمال المتميزة مثل رواياته «مقامات عربية» و«الأفندى» و«العايقة بنت الزين» وغيرهما، علاوة على مقالاته الأدبية والاجتماعية والسياسية.. وكان لنا معه هذا الحوار.
■ تناثرت أخبار عن صدور قرار بعلاجك؟
ليس هذا قراراً صريحاً إنما هو خطاب من وزارة الصحة إلى وزارة الثقافة لحالة لا تخصنى ولا تشملنى بالعلاج، كما أنه يحدد أماكن ليست هى المطلوبة وفى رأيى هذا إعلان برفض العلاج وتنصل وزارة الصحة من علاجى وهو بمثابة إخطار يعرض احتمالات علاج حالة غير حالتى المبينة فى التقارير الطبية، ويبين لى أننى لن أستفيد منه على أى وجه.
■ لكن ماذا فعل مجلس الوزراء فى نداء المثقفين لعلاجك؟
لم أتلق استجابة إلى الآن، وتحركات زملائى من المثقفين والصحفيين لم تصل إلى شىء. قد تكون هناك استجابة بالسلب أو الإيجاب فى الطريق لكنها لم تتضح بعد، لكن ليس هناك رد من أى جهة معنية لعلاجى، والمطلوب هو عملية زرع كبد فى الخارج على نفقة الدولة، عموماً يظل على عاتق اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين بحكم انتمائى إليهما مسؤولية مخاطبة أجهزة الدولة لاستصدار قرار بعلاجى وأحمّلهما مسؤوليتى فهى فى عنقهما.
■ بماذا تفسر هذا التقاعس الحكومى؟
أعتقد أن هناك حالة فصام واضح بين المثقف الحقيقى والدولة، فدولتنا لا تعرف فقط إلا من يمشون فى ركاب السياسة المطلوبة، أما من يقف فى الجانب الآخر من الكتاب والعلماء فلا تعرفهم إلا مصادفة، فمعظم شخصياتنا الكبيرة صدرت لنا من الخارج، وتعاملنا معها للتباهى والفرجة فقط، مثل «زويل» فهو مصرى النشأة لكنه ذو نسق مختلف، إذ احتضنته دولة أجنبية وشملته بالرعاية، كذلك نجيب محفوظ الذى تعاملنا معه باعتباره «عروة فى الجاكتة» لم يُحتف به إلى الآن كما يجب، وبشكل عام فإن دوائر الثقافة لدينا مغلقة، وعلى الدولة الاهتمام بالعقول وليس بالحناجر، لأن المثقف هو عقل الأمة سواء اختلف مع سياستها أو اتفق، يجب احترام اجتهاده.
■ هل يمكن تفسير التجاهل بأن كتاباتك فى اتجاه معاكس لسياسة الدولة، وما تقديرك لو كنت ممن يسمونهم مثقفى السلطة؟
من المعروف أن البيروقراطية تدق فى أوصال مجتمعنا، فمبدعنا يوسف أبورية ضاع نتيجة نزاع بين وزارة المالية واتحاد الكتاب على أموال حاكم الشارقة التى تبرع بها لعلاج الأدباء المصريين، وأى كاتب ليس ثروة تضاف إلى رصيد حزب سياسى أو تخصم من هذا أو ذاك، بل هو ثروة قومية تضاف إلى حضارة البلد، وهناك شىء غير مفهوم فى تعامل الدولة مع مثقفيها، وعلى القيادة السياسية احترام المثقفين خصوصاً إذا تعلق الأمر بحياة أحدهم،
كما أود الإشارة إلى مفكرينا عبدالوهاب المسيرى، ومحمد السيد سعيد، وخليل كلفت، الذين هبّت دول مثل السعودية وإيطاليا لعلاجهم وأصدر البرلمان الإيطالى قرارا صريحا بعلاج كلفت، وهذا شىء مشرف للكاتب المصرى لكنه مخجل للدولة فى الوقت نفسه، ومن المؤسف أننا غير معروفين داخل بلادنا بسبب البرجلة الثقافية التى تجتاحنا، وعموما تاريخ الأمم يعرف بكتابها وليس بأسماء الوزراء أو غيرهم، وموت أى كاتب فى ظل تجاهل الدولة «لطخة عار» على صدر البيروقراطية المصرية.
■ ثمة علاقة واضحة فى روايتك «الأفندى» بين اختفاء الطبقة المتوسطة وصعود أشخاص من القاع إلى عالم رجال الأعمال؟
روايتى «الأفندى» ترصد الطريق المفتوح للصعود فى حقب السبعينيات والثمانينيات، حين يفرغ الفرد من الإحساس بالانتماء للوطن وبالآخرين، ويصبح البنكنوت أعلى من البشر، وبطل الرواية هو «حبيب الله الأفندى» لسان حال عصره، وهو قاس وأنانى لا يرى إلا نفسه، ومفسد فى معظم الأحيان، دفعه فقره إلى العمل مرشداً سياحياً بالرغم من دراسته الفيزياء، ليقدم الخدمات التافهة والمنحطة للسياح مقابل الكثير من المال الذى لا توفره الأعمال الأخرى المحترمة، ويلتقى «الأفندى» فى حياته أنماطاً متباينة من البشر، كتّاباً وصحفيين وسينمائيين ومذيعين، ويكتشف أن كل هؤلاء لا يختلفون عنه، فهم يتصرفون مثله رغم مكانتهم الاجتماعية المرموقة.
■ وهل فعلا صاحبت اختفاء هذه الطبقة انهيارات داخل المجتمعين المصرى والعربى؟
 عندما تجرى أحداث سياسية ما، تقوم الدولة بتحجيم الطبقة المتوسطة، وتحولها من عقول إلى حناجر تسوق أفكارها، وترفع شعاراتها، وعندما يحدث ذلك، يتضاءل دور هذه الطبقة لتنتج كوارث فى المجتمع، والعلاقة بين اختفاء هذه الطبقة والانهيارات العربية تحكمها جدلية ما، فتلك الطبقة فى مرتبة وسطى، من الممكن أن تحتضنها الطبقة الأعلى بشرط أن تترك حرة، لكن حين تقدم مبادئ وتصورات السلطة تحتضنها الطبقة الأدنى، وفى الوقت الراهن لا تهتم السلطات العربية بالمثقف إلا فى تسويق شعاراتها الآنية، وعندما تنقلب تكتيكاتها من شعار إلى آخر تريد أن تأخذ المثقف معها، لتقلبه إلى الوجه الآخر، كذلك الفئات الدنيا محاصرة بسبب ظروفها المعيشية الصعبة، وغير قادرة على احتضان الطبقة الوسطى، وبالتالى يحدث الصدام بين السلطة والطبقة المتوسطة.
■ هل اصطدمت هذه الطبقة بالسلطة فى الوقت الراهن؟
تعبير الطبقة الوسطى فضفاض، فالدراسات الاقتصادية تحددها حسب دخل الفرد، وثمة شرائح نشطة فى تلك الطبقة منهم الكتاب والعلماء وأعضاء النقابات من قانونيين وأطباء وغيرهم، وهذه الشرائح المميزة داخل تلك الطبقة مهملة، وبالتالى لا تشكل العقل المطلوب لهذا الصدام، بل دعنى أغامر وأقول إن أغلب مهن الضمير ينخر بداخلها السوس، لا تستطيع الآن معرفة حياة أكاديمية ناضجة مثل التى شاعت فى مصر منذ عقود طويلة، كذلك تحول معظم المحامين إلى سماسرة وغيرهم، لكن هناك فئة قليلة تقاوم لصالح الوطن.
■ يفهم من أعمالك أن مساحة الهامش فى الشارع المصرى تزداد لدرجة أن كل ما حولنا يصير هامشاً؟
 تحول معظم المهن المحترمة إلى هامش، فالكتاب أصبحوا فيه، والأكاديميون عليهم سد رمق حياتهم بالدروس الخصوصية، والأطباء بالعمل فى المستشفيات الاستثمارية وإهمال دورهم فى علاج مرضى الوطن، وعندما تجد موظفًا مرموقًا فى جهاز الدولة يعمل سائق تاكسى لسد رمق حياة أسرته، تيقن بغلبة تلك المساحة فى المجتمع.
■ لهذا تكتظ عوالمك الروائية ببشر عاديين ومهمشين وقتلة ومغنين وأساطير عالم يرصد دراما التحولات العاصفة التى ضربت مصر فى الربع الأخير من القرن المنصرم..
 لأن هذه التحولات، هى التى تجدد احتمالات المستقبل، والتحولات التى تتم فى الواقع سريعة، وهناك تغيرات كبيرة طرأت على سلوك وأوضاع الأفراد فى المجتمع، ونمط تفكيرهم، أنا أرصد التحولات المعرفية، وأرصدها فى الذائقة الجمالية، والبنى الاجتماعية، علاوة على أننى شاهدت هذه التحولات منذ شعارات الموت فى عام ١٩٥٢ فشاركت فى تمثيلها وأناشيدها على خشبة مسرح المدرسة، ثم مشاركتى فى الحركة الطلابية فى الجامعة وحرب الاستنزاف وأكتوبر المجيد، ثم الانفتاح وعواصفه وسافرت مع من سافروا لشراء شقة لأسرتى وللتطلع لحياة كريمة، وشاهدت التصورات الفردية والأنانية، وانسحاق القيم الجماعية أمام البنكنوت، وإذا لم أكتب عن كل ذلك فماذا أكتب؟
■ هل ذلك هو ما دفع شخصياتك للتصادم وتنتهى بمصائر مأساوية فى معظم رواياتك؟
 فى روايتى «لحن الصباح» تجد العلاقة متوترة، دون سبب، بين خطاط يمارس فناً جميلاً لكنه دون موقف، وانتهى به الأمر، أن ارتعشت يداه، فبحث عن صنعة أخرى، وما بين مقاتل ممتلئ بالحيوية، خرج من الجيش بعد أن شارك فى انتصار، وينتظر تقدير الناس له على ذلك،
فإذا به يفاجأ بأن عليه أن يتجرع كأس المرارة لآخره، هناك عداء بين الاثنين رغم وقوعهما معا تحت وطأة الظلم الاجتماعى، فكان لابد أن تنتهى الرواية فى لحظة الصدام، فقتل أحدهما الآخر دون قصد، أما فانوس فى نفس الرواية فهو صاحب أفق غنائى يصاحبنى غناؤه وأنا أتجول فى شوارع القاهرة وهو محمل بأشياء كثيرة، مثل الإحباط، والغربة والرغبة فى التجاوز والإحساس بالمستقبل، والتعثر فى الماضى.
■ يظهر فى رواياتك ولع بالتاريخ الشعبى وصناعة الأساطير، فهل نحن فعلا نسير بتاريخ وهمى ونصدقه مثلما قلت؟
 تاريخنا كتب وفق تحركات مزاجية ومواقف مذهبية وأهواء السلطان، فهو تاريخ رسمى فقط، ابتعد عن مواجع السواد الأعظم من الشعب وتاريخهم الاجتماعى، وفى اللحظات الراهنة تقتطع السلطات من التاريخ مشاهد توافق رؤاها وتؤيد أفكارها السياسية، الأمر الذى جعل التاريخ خاضعًا يكتب تحت مظلة سياسية، وإذا وظف كاتب التاريخ فى اتجاه سياسى معين تاركاً باقى الاتجاهات الأخرى سيكون تزييفًا، وعلى العقل أن يمتطى السياسة وليس العكس، ولابد من إعادة النظر وفحص تاريخنا مرة أخرى، لأن هناك جوانب اجتماعية كثيرة مهملة.
■ أخيراً ماذا عن روايتك «ليلة سفر» والجديد لديك؟
 انتهيت من روايتى «ليلة سفر» وهى جاهزة للطبع، ولدى رواية «الفتاة العاملة» أكتب فيها لكننى توقفت حاليًا بسبب ظروفى المرضية.
 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية