x

4فبراير2011: محمد سلماوي يكتب: حمى الله مبارك! ( رأي)

الخميس 05-02-2015 17:11 | كتب: محمد سلماوي |
محمد حسني مبارك محمد حسني مبارك تصوير : آخرون

هذه دعوة من القلب إلى الله فى هذه الأيام الأليمة والمجيدة بأن يحمى الرئيس مبارك من أنصاره: حمى الله الرئيس من هؤلاء الأنصار الذين خشوا أن يكون لخطابه الأخير الذى وعد فيه بالإصلاحات تأثير إيجابى على الشباب المرابطين فى ميدان التحرير منذ يوم ٢٥ يناير فأرسلوا البلطجية بعد ساعات قليلة ليعتدوا عليهم بالأسلحة البيضاء وزجاجات المولوتوف وليضربوهم بالكرابيج من على ظهور الخيل، قائلين لهم وللناس جميعاً إن الحزب الوطنى الحاكم ببلطجيته الذين عرفناهم فى كل انتخابات وفى جميع المظاهرات السابقة مازال كما هو بأسلوبه القديم رغم أى أحاديث عن الإصلاح، وهكذا لم تمض ٢٤ ساعة على الخطاب وكانت البلاد تشهد مذبحة وحشية أصيب فيها - حسب تقديرات وزارة الصحة - أكثر من ٨٠٠ شاب، وتلك هى أكبر خسارة بشرية فى يوم واحد منذ بداية الأحداث بما فى ذلك الأيام التى كانت مدرعات الشرطة فيها هى التى تعتدى على المتظاهرين بالرصاص الحى والمطاطى وبالقنابل المسيلة للدموع وبخراطيم المياه التى لم يتم استخدامها منذ تحطيم خط بارليف عام ١٩٧٣.

حمى الله الرئيس مبارك من أنصاره الذين أشاروا عليه بهذه الوزارة الهزيلة التى رفضها بعض من كانوا فى الوزارة السابقة التى - رغم الكفاءة المشهودة لرئيسها ولعدد من وزرائها الذين يحصون على أصابع اليد الواحدة - جاءت بأكثر من نصفها من الوزارة المقالة التى فقدت ثقة الجماهير. حمى الله الرئيس مبارك من أعوانه الذين نصحوا بألا يأتى حديثاه إلى الشعب إلا فى الساعات الأخيرة من الليل، وحماه من ذلك العبقرى الذى صاغ هذين الخطابين اللذين استجاب فيهما الرئيس - بشكل قد نختلف حوله - إلى الكثير من مطالب الجماهير بأسلوب عمد خلاله فى الخطاب الأول إلى تغليب صيغة التهديد والوعيد، وفى الخطاب الثانى رداً على مطلب الرحيل إلى التذكير بخدمات الرئيس للشعب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.

لقد كان مضمون هذين الخطابين يقول إن الرئيس أقال الوزارة المسؤولة عن السياسات التى أوصلتنا لما نحن فيه، وعزل وزير الداخلية الذى لم يكن يتغير من وزارة إلى أخرى، وإخراج رجال الأعمال من الوزارة الجديدة، والاعتراف بالعوار الدستورى الحالى، حيث كلف رئيس البرلمان بإعادة النظر فى مادتين من مواده الخلافية، وشدد على المجلس النيابى بضرورة تنفيذ الأحكام القضائية التى تصدرها محكمة النقض حول صحة الانتخابات الأخيرة، والتزم بمحاسبة المتسببين فيما حدث، وبعدم الترشح للرئاسة فى سبتمبر المقبل، لكن الأسلوب الذى كُتب به كل من الخطابين استطاع بعبقرية لم أكن أتصورها ممكنة أن يغطى على ما كان يمكن أن يبدو وكأنه انقلاب كامل على السياسات السابقة بأن غلب عليه أسلوب التهديد والوعيد فبدت الاستجابة لمطالب الشعب وكأنها تحدٍ لمطالبه.

إن الرسالة التى يحملها أى خطاب جماهيرى لا تكون فقط فيما يحويه من قرارات وإنما فيما يثيره فى الجماهير من مشاعر، وذلك لا يأتى من فحوى الخطاب بقدر ما يأتى من أسلوب الحديث ونوعية مفرداته، والرؤساء عادة ما يُملون على من يكتب خطاباتهم الموضوعات التى يودون إثارتها فيها، محددين مثلاً القرارات التى سيعلنونها والإجراءات التى سيتخذونها، ويكون على كاتب الخطاب أن يصوغها بالأسلوب المناسب من خلال اختياره الكلمات وما توحى به، وحين يكون الحديث موجهاً لجموع من الشباب فى ظرف وطنى مشحون بالعواطف، يكون من الواجب أن يأتى التواصل معهم على نفس الموجة العاطفية حتى يمس قلوبهم، وليس بصيغة قائد الكتيبة لعساكره.

حمى الله الرئيس مبارك من الإعلام الحكومى الذى مازال ماضياً فى طريق استفزاز الجماهير سواء تلك التى فى ميدان التحرير أو الجالسة فى بيوتها، رافضاً التعامل مع المتغيرات على أرض الواقع ومستخدماً كل الوسائل البالية التى سئمها الناس من منع وإغلاق والتشويش على قنوات الإعلام الأخرى وتصوير انتفاضة الشباب على أنها مؤامرة خارجية أحجتها مجموعة مأجورة من المندسين الأجانب «!!».

حين يتم كل هذا فى نفس الوقت تكون الرسالة التى أرسلها أعوان الرئيس للجماهير رداً على مطالبها مؤداها أنه لا تغيير ولا إصلاح، والأمور ستظل على ما هى عليه رغم أى وعود رئاسية ترد فى خطابات الرئيس الليلية.

لقد مضى الليل وبزغ الفجر، وعما قليل سيشرق صباح يوم جديد فى تاريخ مصر لن يكون فيه مكان لخفافيش الظلام التى تحترق فى ضوء الشمس الساطعة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية