يتاح لجمهور السينما فى مصر، الآن، مشاهدة ثلاثة من الأفلام المرشحة لأوسكار أحسن فيلم فى الجوائز التى تعلن يوم 22 فبراير، وهى: الفيلم الأمريكى البريطانى «لعبة المحاكاة»، إخراج مورتين تيلدوم المرشح لـ8 أوسكار، والفيلم الأمريكى «قناص أمريكى» إخراج كلينت إيستوود المرشح لـ 6 أوسكار، والفيلم البريطانى «نظرية كل شىء» إخراج جيمس مارش المرشح لـ5 أوسكار.
يجمع بين الأفلام الثلاثة أنها عن ثلاثة كتب، وقد رشحت السيناريوهات لأوسكار أحسن سيناريو عن أصل أدبى وأن الكتب الثلاثة عن شخصيات حقيقية، وأن الممثلين الثلاثة الذين قاموا بأداء هذه الشخصيات مرشحون لجائزة أحسن ممثل فى دور رئيسى، ولكن فيلما واحدا فقط منها مرشح لأوسكار أحسن إخراج (لعبة المحاكاة)، وهذه مفارقات الترشيحات التى تعتمد على تصويت أعضاء الأكاديمية التى تنظم مسابقة الأوسكار، أو بالأحرى مفارقات الانتخابات بصفة عامة. فكيف يكون الفيلم من أحسن الأفلام ويرشح لــ6 جوائز و5 جوائز ومخرجه ليس من أحسن المخرجين.
«لعبة المحاكاة» و«نظرية كل شىء» يمثلان أعلى مستويات السينما الأوروبية التقليدية، حيث يعتبر تيلدوم من كبار مخرجى النرويج، ومارش من كبار مخرجى بريطانيا، وكذلك يمثل «قناص أمريكى» أعلى مستويات السينما الأمريكية التقليدية، ومخرجه كلينت إيستوود (85) سنة هو شيخ فنانى هوليوود من دون منازع، فليس هناك تجديد فى الشكل، ولكن الأفلام الثلاثة تحقق متعة تلقى الفن، والتى تشمل نشوة الروح والتأمل العقلى معاً.
«لعبة المحاكاة» عن حياة عالم الرياضيات البريطانى آلان تورينج، الذى فك شفرة النازى أثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، ووضع أسس ما يعرف اليوم بالكمبيوتر، وما هو إلا محاكاة للعقل الإنسانى، ومات منتحراً عام 1954 وهو فى الأربعين من عمره. و«نظرية كل شىء» عن حياة عالم الفيزياء البريطانى ستيفن هوكنج، الذى جلس على كرسى الأستاذية بعد نيوتن وأينشتاين، رغم معاناته من أمراض أفقدته كل الحواس ماعدا العقل، ولايزال حياً حتى اليوم.
أما «قناص أمريكى»، كما هو واضح من العنوان، فهو عن حياة قناص فى الجيش الأمريكى اشترك فى حرب العراق أربع مرات منذ عام 2003 وعرف عنه قتل المئات أثناء هذه الحرب، وعندما ذهب إلى المصحة النفسية التى يعالج فيها الجنود العائدون من الحرب سأله الطبيب: لماذا اشتركت أربع مرات فى الحرب؟ كان رده من أجل إنقاذ الجنود الأمريكيين، فقال له الطبيب: هنا أيضاً فى المصحة من يحتاجون إلى الإنقاذ. وبعد أن ينتهى الفيلم يكتب على الشاشة أن ذلك القناص قتل عام 2013 عندما أطلق عليه الرصاص أحد الجنود الذين يعالجون فى المصحة، ثم نرى لقطات تسجيلية من جنازة القناص المقتول.
ويثير هذا الفيلم الكثير من المناقشات السياسية حول الحرب الأمريكية فى العراق وموقف المخرج منها، خاصة أنه كان ضد هذه الحرب عند بدايتها رغم أنه ينتمى إلى الحزب الجمهورى الذى كان يحكم أمريكا أثناءها، ووافق على دخولها، ولكن هذه المناقشات من خارج الفيلم فلسنا أمام فيلم سياسى يناقش أسباب حرب أمريكا فى العراق ونتائجها، فمن الممكن أن يكون هذا القناص فى حرب فيتنام أيضا أو أى حرب وإنما الفيلم من الأفلام الوطنية التى تعبر عن إيمان فرد بأن وطنه أحسن الأوطان، وعليه أن يضحى من أجله ولو بحياته وأن يفعل أى شىء لتحقيق مصالحه.
إنه فيلم أمريكى خالص من حيث تعبيره عن ثقافة مجتمع يبيح شراء السلاح لأى فرد كما لو كان يشترى حلوى، والمثل الأعلى فيه هو «الكاوبوى»، ويتعلم العديد من أطفاله قنص الحيوانات فى الصغر، تماماً مثل ذلك القناص فى صباه والذى نراه يعلم طفله الصيد كما علمه والده. ويعبر إيستوود عن هذه الثقافة ببرود كامل وكأنها واقع غير قابل للتغيير وهو فى حياته من أشد المدافعين عن حق شراء السلاح لأى فرد وعدم تقييد هذا الحق، ولكن هذا الموقف بدوره من خارج الفيلم. وما يدل عليه من داخل الفيلم الاكتفاء بمعلومات مكتوبة عن مصرع القناص بيد أحد زملائه المرضى، وعدم تجسيد هذا المشهد.
ولو كان شكسبير حياً لكان هذا هو محور الدراما، وأعتقد أن «قناص أمريكى» سوف يكتسح انتخابات الأوسكار كما تصدرت إيراداته كل الأفلام المرشحة.