سنوات عمره الأربع لم تمنعه من إدراك الموعد اليومى لمكالمة والده التى ينتظرها معاذ بشغف، لكن الجمعة الماضية لم يستيقظ فيها الطفل على صوت أبيه يحدثه عن اشتياقه له، وإنما أيقظته أصوات صراخ أمه وجدته فور علمهما باستشهاد الرائد هشام السيد عبدالعال بين الضباط والجنود الذين اغتالهم الهجوم المسلح فى سيناء قبل دقائق من انتصاف ليل الخميس الماضى.
عينا معاذ تفتحتا يوم الجمعة على مشهد جده يحتضن تابوتًا خشبيا يحوى بداخله جسد الأب الشاب.. لم يستوعب معاذ الموقف إلا بعدما رأى أمه تفتح الصندوق وتكشف الغطاء عن وجه أبيه هشام محمد السيد عبدالعال أحد شهداء تفجيرات العريش الإرهابية.
داخل منزله بمدينة «فاقوس» بمحافظة الشرقية جلس محمد السيد العميد السابق بالقوات المسلحة، ووالد الشهيد هشام الذى استشهد مساء الخميس الماضى يتحدث للمعزين عن بطولات ابنه الراحل، لم يتبق للأب من ابنه سوى حفيدين أحدهما رضيع، وذكرى حكايات عن بطولة الابن وإخلاصه فى عمله طوال خدمته فى القوات المسلحة: «هشام مارتحش ولا يوم طول الأربع سنين اللى فاتت وشغله كان كل حياته»..هكذا تحدث والد الشهيد عن حياة الرائد هشام وقال: «ابنى طول عمره متفوق من أول يوم ليه فى الكلية، وكان دايما رؤسائه فى الشغل يرون فيه مستقبل باهر، ابنى وصل إلى رتبة رائد ولم يتجاوز 33 عاما، لكن الإرهاب انتزعه منى بين يوم وليلة».
حرص الشهيد على إخفاء مكان خدمته عن والديه طوال عام كامل قضاه فى العريش، ظن فيه والداه أنه يخدم فى الإسماعيلية، مما جعل الأب يحيا حالة إنكار شديدة عند إبلاغه بوفاة ابنه. قال العميد محمد والد الشهيد: «كان مخبى عليا أنا وأمه علشان منقلقش عليه، بس مراته وإخواته كانوا عارفين مكان خدمته، وكان فى إجازة قبل استشهاده بليلة واحدة، وليلة الحادث جاله تليفون يستدعيه للحضور إلى عمله». لحظات يتوقف فيها والد الشهيد عن الحديث، ثم يكمل وسط دموع لا تنقطع: «مكنتش أعرف إنه نازل إجازة علشان يودعنى، يا ريتنى كنت قعدت معاه أطول فترة ممكنة علشان أشبع منه، أنا مش قادر أبص فى وش أحفادى دول ذنبهم إيه بس يتيتموا فى سن صغيرة».
استشهد الرائد هشام قابضا على سلاحه حسب روايات زملائه، ترك معاذ الذى لا يكف طوال الوقت السؤال عنه، وحمزة رضيع لم يستكمل شهره الثالث، وزوجة أصابتها صدمة الفراق، وأم استقبلت نعشه بالزغاريد وغنت له «عريس الليلة يا هشام»، واحتضنت علم مصر الذى تلحف به بعد استشهاده.