x

الدكتور محمد سليم العوا لـ«الطبعة الأولى» (2-4) مصر فى خطر عظيم إذا سقط السودان فى قبضة الاستعمار

الخميس 03-09-2009 23:00 |

قال الدكتور محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، إن مصر فى خطر عظيم، إذا تمكن الاستعمار العالمى من السودان، باعتبار السودان العمق الاستراتيجى لمصر، حيث بحيرة فيكتوريا ومنابع النيل، والذى يجب أن يحميه أى حاكم مصرى، مؤكداً أن التقصير فى حمايتها يوازى التقصير فى حماية مصر من إسرائيل.

وأكد العوا خلال الجزء الثانى من حواره لبرنامج «الطبعة الأولى»، الذى أذيع مساء أمس وتنشره «المصرى اليوم» بالاتفاق مع قناة دريم، أن إسقاط الرئيس السودانى عمر البشير فى قبضة المحكمة الجنائية الدولية، سوف يؤدى إلى انبطاح العشرات من الحكام العرب، مشيراً إلى أنه يرفض محاكمتهم أو مساءلتهم عما يرتكبونه تجاه شعوبهم، باعتباره شأناً داخلياً بين الحكام وشعوبهم يرتبط بما سماه «الأمن القومى العربى»، حتى ولو وصل الأمر إلى الاعتقال فلا نقبل أن تأتى أمريكا أو بريطانيا لتحريرنا.

وكشف العوا عن أن العراق هى التى بادرت بحربها على إيران، لمنع إقامة دولة إسلامية فى هذه المنطقة من العالم، فى هذا التوقيت، لافتاً إلى أن الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين شكل خلال هذه الحرب لجنة ترأسها الشيخ محمد الغزالى، وكانت تضمه والشيخ يوسف القرضاوى وغيرهما من علماء السعودية واليمن وباكستان، وتمكنا من خلالها من الاطلاع على بعض المكاتبات والمراسلات العلنية والسرية التى أكدت صحة كلامه، وإلى نص الحوار:

■ المسلمانى: تحدثنا فى الحلقة السابقة عن كتابك «فى النظام السياسى للدولة الإسلامية»، بالنسبة للتطبيقات المعاصرة التى أصبحت خريطة أشبه بـ«مولد» غاب عنه صاحبه، كالإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والجهاد وما بعد الجهاد مثل القاعدة وما تشعب عنها، والنظام السياسى الإسلامى فى إيران والسودان، وحزب الله فى لبنان وحركة حماس فى غزة، خريطة لم تعد من جاكرتا للدار البيضاء وإنما من يمين جاكرتا إلى يسار الدار البيضاء، كيف تفك لنا ألغاز هذه الخريطة يا دكتور؟

ـ العوا: أنت فى حاجة إلى سنوات لكى تفك ألغاز سؤال بمثل هذا العمق والشمول، لكن يبقى وجود معالم ظاهرة للخلط، الذى سميته «المولد» وهو ما نسميه اتساع التيارات الفكرية الإسلامية، وهو ليس «مولد» غاب عنه صاحبه وإنما «مولد» إيجابى وليس سلبياً، فأنت ابتدأت من الأقدم وهم الإخوان المسلمين وانتهيت بالأحدث من تنظيم القاعدة وحزب الله وما إلى غير ذلك.

والواقع أن كل مجموعة ذكرت اسمها خلال سؤالك لها مشروع مختلف، لا يوجد اثنان منهما لهما المشروع نفسه، الشعار واحد وهو الشعار الإسلامى وتطبيق الدولة والشريعة الإسلامية والانتماء إلى النموذج الإسلامى النبوى المحمدى والراشدى، لكن المشروع الذى يمارسه ويقوم به ويسعى إلى تطبيقه كل هؤلاء مختلف فى تفاصيل كثيرة عن المشروعات التى يسعى إليها الآخرون.

لو بدأنا بمشروع الإخوان المسلمين باعتبارهم الأقدم فى كل ما ذكرت، فإن مشروعهم بدأ فى 1928 وتبلور فى الثلاثينيات، عندما قال حسن البنا رحمة الله عليه «الفرد المسلم فالأسرة المسلمة فالجماعة المسلمة فالدولة المسلمة فالأمة المسلمة فالعالم المسلم كله»، وهذه المراحل الست التى بدأ بها هذا المشروع وهى مراحل جيدة جداً، لكن تطبيق هذا المشروع حتى الآن ينجح فى عدد من الأفراد «مئات الآلاف.. عشرات الآلاف.. ملايين»، لكنه لم يخط الدرجة الثانية فى سلم مشروعه السياسى الإسلامى، وعدم النجاح فى الخطوة الثانية أدى إلى تأخير الخطوة الثالثة والرابعة وبالتالى تأخير كل الخطوات.

وهذه هى أقدم وأوسع جماعة إسلامية وأكثرها انتشاراً وهى الجماعة الإسلامية الوحيدة، التى لديها أتباع فى كل أنحاء العالم، وكل الناس يؤمنون بفكرها، لأن الفكر الذى عبر به حسن البنا فكر إسلامى حقيقى جمع كل الأوعية الإسلامية فى إناء واحد، حسن البنا عندما وصف حركته وصفها بأنها «دعوة سلفية وحقيقة صوفية وشركة تجارية ومؤسسة تربوية وناد رياضى وجمعية تشريعية وتوجه جهادى»، إذاً تجمع كل صنوف الحركة الإسلامية فى بوتقة واحدة وإناء واحد، فكل واحد سوف يجد فى الإخوان المسلمين جزءاً من نفسه.

لكن «الإخوان» على حقيقتها كما رسم خريطتها البنا، بالمناسبة توجد عبارة مهمة للبنا قالها فى خطاب المؤتمر الخامس للإخوان المسلمين، قال فيما معناه «إن كلامك هذا مرسومة خطواته، معروفة مراحله، محددة سنواته، فمن أراد أن يمشى فى هذا الطريق فهو منا، ومن أراد أن يساندنا ويدعو لنا ويقف إلى جوارنا فهو حبيبنا ولكنه ليس من هذا الفريق»، فعندما رسم خطة العمل رسمها محددة جداً، حيث قال من يريدون الجهاد فى سبيل الله فلهم دراسات ومحاضرات وعظات وكتب ورسائل، لكن المنتمين إلى الجماعة فلهم تربية خاصة بهم، وهذه التربية الخاصة لاتزال قائمة فى الأفراد حتى الآن، طبعاً مع وجود بعض التغيرات، فكتب التربية الإخوانية لحسن البنا تم تبديلها بكتب الإخوان المعاصرين ولها وعليها، ولا يوجد أحد معصوم.

لاشك من وجهة نظرى أن كتب حسن البنا أفضل بكثير من الكتب المعاصرة التى تدرس حالياً فى مناهج الإخوان، ففكرة السلسلة التى تبدأ بالفرد وتنتهى بالعالم المسلم لم تتحقق حتى الآن، ولم تخط خطوتها الثانية، وإن خطت فى نطاق ضيق جداً ومحدود جداً، لكن هذا يغطى عليه أنها جماعة ضخمة جداً وكبيرة جداً ومنتشرة جداً وجميع الحكومات «واقفة» لها بالمرصاد و«خايفة» منها جداً، مع أنه لا يوجد بها أشياء كثيرة تخوف، ويمكن أنها لا تخيف أحداً نهائياً، فالحكومة لها منطق مختلف تماماً عن المنطق الذى نعمل به، كما يقول البشرى، بالقراءة والكتابة.

أما عن النظم السياسية الإسلامية التى ظهرت مؤخراً فى إيران والسودان، فالنظام السياسى فى إيران له خصوصية، لأنه نظام قائم على المذهب الشيعى الجعفرى، وعلى نظرية طورها آية الله الخمينى، وبالمناسبة يعتقد الكثيرون أن الخمينى ابتكر سياسة الفقيه، وأنا قرأت فى بعض الكتب التى تدرس فى الجامعات المصرية أن «الخمينى» هو الذى ابتكر ولاية الفقيه، ولكن الفقيه نظرية قديمة جداً فى الفكر الشيعى، ويوجد عالم ظهر قبل الخمينى بخمسة قرون اسمه الملا أحمد النراقى، كتب ولاية الفقيه فى الشؤون الخاصة، بمعنى أطفال أيتام ليس لهم وريث، تحول أموالهم إلى الفقيه العادل لحفظها، مثلما نفعل فى مصر وتحول أموال الأيتام إلى المجلس الحسبى، وكذلك امرأة ليس لها ولى يزوجها وتقدم لخطبتها عريس، فيتولى الولى الفقيه تزويجها، سموها الولاية الخاصة على أموال الأيتام وأحوال الأرامل والأيم «النساء غير المتزوجات».

الخمينى طور هذه الورقة وقال «يا فقهاء المذهب الشيعى، أنتم اهتممتم بالولاية على أموال الأيتام والقصر والنساء والأرامل وتركتم ولاية الأمة، اهتممتم بالأشياء البسيطة، التى لو ضاعت لضاع شخص، وتركتم الشىء الذى لو ضاع لأضاع أمة الإسلام بأكملها، لذلك قال الخمينى عبارة خطيرة جداً فى كتابه «الحكومة الإسلامية» هل كتب على الإسلام أن يخسر منذ الغيبة الصغرى، أى غيبة الإمام الثانى عشر، كل شىء؟، إن الاعتقاد بهذا الرأى أسوأ من الذهاب بأن الإسلام وجه رسالة للعلماء معناها أنتم تقولون لا يوجد دولة ولا سياسة ولا حاكم يتولى الأمور لا يوجد أحد يقوم بهذا فى الإسلام حتى ظهور الإمام الغائب، وبالتالى يبقى الإسلام نسخاً، لذلك طور نظرية ولاية الفقيه من الولاية الخاصة إلى ولاية العامة.

■ المسلمانى: نريد التوقف عند نقطة مثيرة ذكرتها فى حديثك، وهى تطور فكر الإمام الخمينى، فالكثيرون يأخذون عليه أنه مثل أفلاطون، قال فى الجزء الأول من حياته خلاف ما قاله فى الجزء الثانى منها، فالبعض يأخذ عليه سب الصحابة، فماذا ترى فى هذا الأمر، إذا أردت الاستمرار فى الحديث عن الخمينى؟

ـ العوا: لا يوجد حرج فى الإجابة عن السؤال فأنا أحمد الله حمداً لا ينتهى بأننى لا أعرف معنى الحرج، وأحرج إذا ضايقتك أو سببت لك مشكلة، أما غير ذلك فلا حرج والحمد لله، ولكن فى السياسة أو الفكر أو الدين أو الثقافة فأنا لا أجد أى حرج فى إبداء الرأى، فكان الإمام الشافعى يقول «ما ناظرت أحداً إلا إذا أردت إظهار الحق على لسانه».

■ المسلمانى: سؤال الخمينى له شقان أحدهما فقهى أو دينى خاص فيما يتعلق بموقفه تجاه أهل السنة والخلفاء الراشدين والسيدة عائشة وبعض الفتاوى الخاصة بالزواج، والرأى الثانى سياسى لأنه عندما بدأ حكمه رغم أنه جاء بالفكرة والثورة والدولة حارب العروبة؟

ـ العوا: توجد مرحلتان فى حياة آية الله الخمينى، لابد من التمييز بينهما، مرحلة كونه مدرساً فى الحوزة العلمية سواء بين قومه أو فى النجف، والتى كان يدرس فيها المذهب الشيعى كما تركه الأسلاف من غير تجديد أو تفكير وبغير النظرة الانتقادية التى تمتع بها فى المرحلة الثانية، وفى المرحلة الأولى نجد كتب الفتاوى وكتباً مختلفة تضمنت ما ذكرته من سب الصحابة عن العلماء السابقين وانتقادات لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وكذلك أشياء لا يقبلها المسلم العادى، وهى أمور كانت منتشرة بين علماء الشيعة القدماء وعند عوام الشيعة ميراثا وتقليداً، لكن هذه الأمور عند علماء الشيعة الجدد لا يمكن أن تكون موجودة، وبالتالى عندما كان يدرس الخمينى المنهج الشيعى كان يقول نقلاً عن علماء الشيعة القدماء، وليس نقلاً على لسانه، وأغلب التقول عن المذهب الشيعى الذى يتضمن سب للصحابة وأم المؤمنين، نصوص باطلة ليس لها أساس، مكذوبة موضوعة لا تصح نسبتها إلى جعفر الصادق أو محمد الباقى أو إلى أئمة أهل البيت، لأن جعفر الصادق حفيد الصحابى الجليل أبوبكر الصديق «مش ممكن يشتم جده».

وأريد الحديث عن هذا السب لأن هذا يؤلمنى كثيراً كما يؤلم الكثير من المسلمين أن يُسب أى صحابى، فالمسلم ليس سباباً أو شتاماً، فكون أن يسب أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم يعد نقيصة كبرى لمن يقع فيها، لكن ينبغى أن نقول الحق ولو كان على أنفسنا، الذين بدأوا سب الصحابة كانوا السنة وليس الشيعة فى عهد معاوية بن سفيان، سب على وأولاده على المنابر بعدما تولى معاوية الخلافة لما تنازل له الحسن بن على عن الخلافة، واستمر هذا السب إلى أن جاء الخليفة الراشد السادس للمسلمين عمر بن عبدالعزيز، وأوقف هذا السب، لكن إخواننا الشيعة لم يتوقفوا عن سب الصحابة، وهذا أمر لا يقره علماؤهم الكبار أصلاً.

فى هذه المرحلة تكلم الخمينى عن صنمى قريش فى كتاب «الفتاوى»، وذكر كلاماً كثيراً نقله عمن سبقه دون تدقيق أو تمحيص، ولكن بانتقال الخمينى النجف، بعد اضطهاده من قبل الشاه، بدأ يكتشف أن الفقه الشيعى لا يتوقف عند الشؤون الخاصة، وترك شؤون الأمة إلى الحاكم، فهو خارج إلى النجف مظلوم ومضطهد وكذلك أهله من قبله، فأثر هذا الاضطهاد فيه، الأمر الذى جعله يفكر تفكيراً سياسياً سليماً، وفى هذه المرحلة لا تجد للخمينى كلمة فيها ازدراء للصحابة أو انتقاص لهم أو طعن على أحد منهم، فهذا غير موجود بعدما أصبح الخمينى زعيماً سياسياً، وأثر الخمينى الزعيم السياسى، فى الخمينى الفقيه، وفيما كان يدرسه من قبل مناهج أئمة الشيعة القدماء.

الخمينى السياسى مختلف تماماً عن الخمينى الفقيه، ولو أن الخمينى السياسى طال به الزمن لكتب، فيما أظن، ما يخالف هذه الكتب، ولأعلن نقدها وتبرأ منها، لكننى أنظر للخمينى من يوم ما نجحت ثورته وتحولت فكرته إلى دولة، فأول منشور أصدره الخمينى أمر خلاله المسلمين الشيعة بالحج مع أئمة الحرمين الشريفين، وكان الشيعة يبقون فى المسجد ويتركونه أثناء قيام الصلاة، لأن إمام الحرمين الشريفين لم يعينه الإمام الغائب، فالشيعة لا يوجد لديهم صلاة جماعة، فكل واحد منهم كان يصلى فرادى، فالخمينى هو الذى أعاد صلاة الجماعة.

■ المسلمانى: الجمعة التى يخطب فيها الرئيس أحمدى نجاد؟

ـ العوا: لا، نجاد ليس من أهل الدين، فهو رجل مهندس يعمل بالسياسة، ولكن الجمعة يخطب فيها رجال الدين خامئنى أو رافسنجانى، لكن نجاد يخطب خطباً سياسية.

كان عوام الشيعة يعتقدون أن السيدة فاطمة رضى الله عنها، مدفونة مع الرسول صلى الله عيه وسلم فى القبر نفسه، فأعلن الخمينى بطلان هذا الاعتقاد وأنها مدفونة فى البقيع، وهذه مسألة أخرى قلبت التفكير عند عوام الشيعة، لذلك الخمينى السياسى كان رجلاً مختلفاً كل الاختلاف عن الخمينى المدرس، الذى يؤخذ عليه ما يؤخذ وينسب إليه ما ينسب من ازدراء الصحابة وسبهم، وهو أمر صحيح، موجود فى كتبه، وكان فى وقتها الخمينى الذى يدرس المنهج، الذى كتبه علماء الشيعة القدماء من قبله.

لكن الخمينى السياسى له وضع مختلف من بعد توليه ولاية الفقيه، غير ذلك لا يصح أن نأخذ عليه ما قاله فى مرحلة أخرى، وكما قلت إن أفلاطون له رأيان والغزالى، رحمة الله عليه، له رأيان والإمام الشافعى له مذهبان مختلفان أحدهما قديم فى العراق والجديد فى مصر، فالخمينى له مذهبان، مذهب قبل أن يدرك البعد السياسى للدين، وآخر بعد إدراكه للبعد السياسى للدين، وأصبح آية الله الخمينى المعروف، ويجب أن نعامله بالأخير لا بالأول، الناس يعاملون بآخر أعمالهم لا بالأول.

■ المسلمانى: من الدين للسياسة الخمينى وحرب العراق؟

ـ العوا: قلت فى أحد أسئلتك السابقة عن محاربة الخمينى للمد العربى فى العراق، وأنا أعارض تماماً هذه الجملة، فالعراق هو من بدأ حربه ضد الخمينى، وهذا أمر لا شك فيه، لأنه عندما بدأت الحرب الإيرانية، شكلنا فريقاً عربياً سميناه «الفريق العربى للتوفيق والمصالحة».

وكان يضم الدكتور راشد المبارك من السعودية، والدكتور زوار الزيدى من باكستان، والأستاذ قاسم الوزير من يمن الشيعة من الجماعة اليمنية الزيدية، ثم عينا بعد 6 أشهر من تشكيل فريق رئيساً لنا، وهو العلامة شيخنا محمد الغزالى، الفريق ذهب إلى إيران عدة مرات، وإلى العراق مرتين، ولكنى لم أذهب معهم، وهذا الفريق انتهى بلا جدال بعد إطلاعه على آلاف الصحف والوثائق والبرقيات والمكاتبات العلنية والسرية بين الجهات المختلفة، إلا أن الحرب بدأها العراقيون لا الإيرانيون، ولم يكن فى وسع الإيرانيين وقتها إلا أن يصدوا العدوان عن أراضيهم، ولو أنا كنت فى مكانهم لفعلت ذلك.

والعدوان على إيران فى هذا الوقت، لعدم الرغبة فى إقامة دولة إسلامية فى هذه المنطقة من العالم وفى مثل هذا التوقيت، حتى ولو كان إسلاماً شيعياً، وعندما أخفقت محاولات إزالة الدولة الشيعية الإسلامية على مر السنين، بدأت فكرة السنة والشيعة، وتلاحظ وقتها أثناء استمرار الحرب، كان لا يردد أحد موضوع السنة والشيعة، فى (91و92و93و94) هل سمعت عن قضية السنة والشيعة؟، وإنما بدأت تثار بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتبين عدم وجود فائدة من إزالة هذه الدولة.

■ المسلمانى: السنة والشيعة والملف الأخطر؟

ـ العوا: قبل الحرب الإيرانية ـ العراقية وبعد انتهائها لم نكن نسمع فيها فكرة سنة وشيعة، رغم استمرارها 8 سنوات، سمعنا فيها العراق وإيران، وأن البلاد العربية تدعم العراق، مقابل الشيعة التى تدعم إيران، وهناك بلاد أقامت طرقاً خاصة لنقل الذخائر والسلاح بصورة ما إلى العراق، وبلاد أخرى أعطت المليارات لإيران لكى تمول حربها ضد العراق، ولم نسمع فتنة سنية شيعية قط فى هذه المرحلة.

وعندما انتهت الحرب ولم يسقط النظام الإسلامى ـ الإيرانى، انتهت الحرب ونشأ حزب الله كقوة مقاومة فى لبنان، وانتهت الحرب وبدأت إيران تمد يد المعونة للمقاومة الفلسطينية بفصائلها جميعاً ضد العدو الصهيونى، انتهت الحرب وحدثت أثناءها مسألة السفارة الأمريكية، ومسألة الطائرات التى قدمت من أكبر بلد عربى وأكثرها عراقة ونزلت فى إيران لتحرير الرهائن، فأحرقها الله منذ هبوطها إلى الأرض هى ومن فيها من سيارات وعتاد وجنود، لما حدث هذا كله، وتبين أن إزالة هذه الخريطة من الشرق الأوسط أمر غير ممكن، لذلك لجأ عدو الأمة إلى سلاح الفتنة بين السنة والشيعة، ونحن نقف أمامه بكل ما نستطيع من قوة، لأنه سلاح غاية فى الفتك.

ولجأوا إلى هذا السلاح حتى يقال إن تدمير الدولة الإسلامية الإيرانية لم يأت إلا بانصراف السنة عنها، رغم أن دور السنة يتوقف على تقديم الدعم لها باللسان أو القلب، ولا يستطيعون أن يقدموا لها شيئاً، ويحاولون إسقاط الدعم المالى والعسكرى والسياسى الإيرانى عن المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، والطريقة هى ضرب العلاقة السنية والشيعية فى العالم الإسلامى، موقف دول الخليج معروف، وموقف مصر الصبح بيكون طالع لفوق وبالليل يقوم نازل، أمس وزير خارجية إيران قال جملة لطيفة جداً «لا نستطيع أن نصف العلاقة المصرية ـ الإيرانية بأنها غير مرضية، فهو لم يقل إنها مرضية، كما لم يقل إنها حارة وقوية.

وعموماً فالجمهورية الإسلامية فى إيران ماشية فى سكة زى السكة الحديد، من يمشى فى طريقها يركب معها ومن لا يمشى معها تتركه واقفاً على المحطة، ومن يدهس أمره على الله، هما شغالين بمنهج لم يتغير من أيام الخمينى، وأظن أنهم لن يعملوا على تغييره، إلا إذا سقطت الثورة الإسلامية.

عندما تنتقل مباشرة من النظام الإسلامى الإيرانى إلى الثورة الإسلامية فى السودان، تجد أنها قامت بثورة عسكرية قامت بمقولة تطبيق الإسلام، وفى النهاية تعرضت ومازالت تتعرض لضغوط هائلة من العالم كله، إخواننا السودانيون بمن فيهم البشير نفسه يرجعون سبب الضغط عليهم إلى استمرارهم فى تطبيق الثورة الإسلامية فى السودان، طبعاً الصراع السخيف الذى وقع بين حسن الترابى وبين المؤتمر الوطنى الحاكم برئاسة الرئيس البشير، هذا الصراع مؤسف كذلك بالنسبة للصراع بين فتح وحماس، مثل الصراع الواقع بين الدول العربية وبعضها البعض، وهذا كله نتيجة التخلف.

هذا الصراع يحدث عندما لا ينشغل الناس بقضية عامة مهمة، يجيشون لها القلوب والعقول والسلاح والمال.

■ المسلمانى: ماذا عن المشهد الأخير فى دارفور؟ هل ذهبت إلى دارفور أكثر من مرة؟

ـ العوا: الحمد لله ذهبت أكثر من مرة، لكن الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين كان أول وفد يزور دارفور بعد الصراع مباشرة فى سبتمبر 2004، رغم أننا تأسسنا فى يوليو 2004، زرنا معسكرات اللاجئين.

■ المسلمانى: من كان برفقتك؟

ـ العوا: الشيخ يوسف القرضاوى كان رئيس الوفد والشيخ فيصل المولوى والشيخ على ومن السودان الشيخ عصام البشير، وكان وقتها وزير الأوقاف السودانى، وهو عضو بالاتحاد، زرنا السودان ودارفور، وجلسنا فى الخرطوم مع جميع القيادات السودانية الدارفورية وغير الدارفورية، وزرنا اللاجئين والمهاجرين والجنجويد والميليشيات ضد الحكومة، لم نترك أحداً لم نره وأعددنا تقريراً مطولاً نشر فى عدد من وسائل الإعلام، وانتهى الأمر إلى تلخيص موقف الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين فى 3 نقاط، هى وجود دماء أهدرت فى دارفور ولا يجوز أن تهدر وعلى الحكومة أن تدفع الديات، وكل تأخير فى دفع الدية نحن لا نؤيده، لأن القوات التى تحارب الحكومة فى دارفور ليست قوات انفصالية وإنما قوات تمول استعمارياً، وهذه القوات لا يجوز تمويلها أو دعمها ويجب عليها أن تنضم إلى أهل السودان فى مواجهة الغرب والاستعمار وليس إلى جانب حكومة السودان، وأن مسائل التنمية والتهميش، يجب التعامل معها فى السودان بشكل واحد، فى هذا الوقت كان السودان قد بدأ يشم رائحة البترول.

لكن طرأ حدث جديد وهو إحالة البشير إلى المحاكمة الجنائية الدولية، ونحن وقفنا ومازلنا نقف ضد هذا الإجراء بقوة، لأن الأساس القانونى غير صحيح، فالسودان ليس عضواً فى الاتفاقية، وقرار مجلس الأمن مقصور على إجراء التحقيقات لكنه لا يستطيع إجبار دولة على الخضوع لاختصاص قضائى لم تكن عضوة فيه، وهذه قاعدة يعلمها طلاب الحقوق والعلوم السياسية منذ السنة الأولى لدراستهم.

الأمر الثانى والأخطر من وجهة نظرى ومن وجهة نظر الاتحاد أن يكون هذا«تكئة»، بعد البشير فسيكون فيه حكام عرب ومسلمون، كما وقع صدام فانبطح الكثير من الحكام العرب، وسلموا بما كانوا لا يسلمون به وقدموا القرابين على المذبح الأمريكى والبريطانى والفرنسى، وسوف ينبطح العشرات من الحكام إذا سقط البشير فى قبضة المحكمة الجنائية الدولية، ونحن مع كل خلافاتنا مع حكامنا، فنحن لا نقبل أن يحاكمهم أو يحاسبهم بدلاً منا ولا يسألهم عما يفعلونه مع شعوبهم، فهذا شأن داخلى بيننا وبين حكامنا نختلف معهم نقول عليهم وحشين نضربهم يضربونا يعتقلونا، حتى إذا دخلنا السجن لا نقبل أن تأتى أمريكا أو بريطانيا لتحريرنا.

هذه المسألة متعلقة بما يسمى الأمن القومى للأمة العربية، وهنا الأمن ينتهك إذا حوكم حاكم عربى فى أى دولة أجنبية، لأننا لم نرتكب جرائم حرب أو جرائم إنسانية، ولسنا طرفاً فى معاهدات حتى يحاكمنا أحد.

■ المسلمانى: هو مين عايز إيه من هناك يا دكتور؟

ـ العوا: الغرب، الذى تتزعمه أمريكا يريد الاستيلاء على الموارد الطبيعية فى دارفور والتى تعد مواد استراتيجية، دارفور فيها أنقى يورانيوم فى العالم، أرض لم تستثمر قط، ملايين الأطنان من اليورانيوم، دارفور هى مربع البترول رقم 12 فى أفريقيا، الذى لم يستخرج منه برميل واحد، دارفور فيها جبال اسمها جبال «الصودا» وبحيرة النحاس وجبال اسمها الحديد، وجبل اسمه المرة وهذا الجبل يجلب مناخ البحر الأبيض المتوسط فى قلب الصحراء السودانية، وكأنك فى الإسكندرية أو بيروت ونباتات البحر الأبيض المتوسط من البرتقال والخوخ والمشمش، دارفور قصة غريبة، دارفور ملايين الأبقار والإبل وملايين الأفدنة الصالحة للزراعة، دارفور لوحدها نصف مساحة مصر.

■ المسلمانى: حضرتك متفائل من الوضع فى دارفوار؟

ـ العوا: أنا قلق شديد القلق، أنا أخشى أن يستطيع الاستكبار العالمى، كما كان يقول الخمينى، أن يسيطر على الوضع فى السودان، لكن حال السيطرة على السودان فقل على مصر السلام، والطريق الوحيد الذى يربط مصر بأفريقيا، هو درب الأربعين الذى يبدأ من دارفور وينتهى فى أسيوط، إذا استطاع الاستعمار أن يقطع هذا الطريق، أصبحت مصر خارج أفريقيا، وتصبح مثل شبه الجزيرة يحيطها البحران المتوسط والأحمر والنيل يمشى بداخلها، يستطيع المستعمر إذا تحكم فى السودان أن يقطع النيل فى أى وقت، طبعاً إيقاف نهر النيل ليس أمراً سهلاً، ويطلع وزير الرى يقول لك تصريحات محمد سليم العوا ده كلام فارغ إلى آخره، وأنا موافق إنه يطلع كلام فارغ، إن شاء الله، إذا تمكن الاستعمار العالمى من السودان فمصر فى خطر عظيم.

لأن العمق الاستراتيجى لمصر هو السودان، بحيرة فيكتوريا ومنابع النيل، العمق الاستراتيجى لمصر، والذى يجب أن يحميه أى حاكم مصرى، ولذا يجب أن يضع عين الجيش المصرى عليه أن يراقبه أى رجل أمن مصرى، ومن يقصر فى هذا مثلما من يقصر فى رقبة إسرائيل، من لا يراقب إسرائيل ويدافع عنها ولا يحضر جيشه لإسرائيل، يكون مقصراً فى حق الوطن، وكذلك من يقصر فى مراقبة منابع النيل ولا يحضر جيشه لحمايتها يكون مقصراً فى حق الوطن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية