x

محمد صبحي: مشروعات الصحراء تحتاج مال قارون وصبر أيوب وعُمْر نوح (حوار)

الخميس 29-01-2015 19:10 | كتب: أحمد أبو هميلة |
محمد صبحي يتحدث للمصري اليوم محمد صبحي يتحدث للمصري اليوم تصوير : أحمد طرانة

«سنبل».. اسم لن تنساه الدراما المصرية بعد أن صنع منه الفنان المسرحى الكبير رمزا للكفاح والإنسان العصامى فى رحلته إلى المليون، ثم مشواره الثانى نحو المدينة الثقافية الفاضلة، وعند الكيلو 52 على طريق مصر- إسكندرية الصحراوى، قررنا أن يكون حوارنا مع أحد رواد المسرح لتصبح المدينة محطة مهمة فى تاريخه يرصد من خلالها الاستعدادات لمهرجان المسرح للجميع الثانى الذى سيبدأ بعد شهر رمضان المقبل، ثم حديثه عن مسرحيته الجديدة «خيبتنا»، التى تنتقد خيبة العقل العربى أسير احتكار السلطة والكاره للوحدة، وصولًا إلى استشراف المستقبل، حيث توقعت أن هناك متطرفين، سيظهرون ليهدموا المنطقة العربية والإسلامية بأسرها ويقسموا البلاد، مؤكداً أن المسرح ليس فى أزمة بل إنه مات. وإلى نص الحوار:

■ نحن الآن فى مدينة سنبل.. ماذا تمثل لك؟

ـ رمز لاقتحام الصحراء، حيث بدأت القصة بعد مسلسل «سنبل بعد المليون»، وكان هدف هذا الفلاح البسيط حل المشكلة السكانية، فوجد أن اقتحام الصحراء هو الحل، وعندما أذيع المسلسل قررت الدولة إلغاء 17 موافقة كانت معطلة، وبعد 7 سنوات، وفى عام 1994، دعانى مجموعة من الشباب لأرى 7 قرى رائعة أنشأوها على الطريق الصحراوى، وقالوا لى إنهم اقتنعوا بالفكرة وكلهم سنبل، وبعد أن كنت قررت شراء أرض فى المهندسين لأبنى عليها مسرح أوبرا، جئت إلى هذا المكان ووضعت فيه كل ما ادخرته على مدار 45 عاما، لأجعل منه صرحاً ثقافياً، فأقمت مسرحاً مكشوفاً، ومتحفاً يوثق الفن منذ عام 1805، ومجموعة من البلاتوهات، وهذا المشروع أثبت أننا نستطيع تحدى الصحراء، فأصبح الطريق الصحراوى طريقاً ثقافياً وعمرانياً.

■ وماذا اكتشف «سنبل مصر» عندما خاض تجربة اقتحام الصحراء على أرض الواقع؟

ـ اكتشفت أن مشروعات الصحراء تحتاج إلى مال قارون وصبر أيوب وعمر نوح، بخلاف القوانين المعطلة، والأصوات التى بمجرد أن ترى مكانا مضيئا تحاربه وتتهم الحكومة ببيع مصر، ونحن نشغل 6% من مساحة مصر ويوجد 94% فارغة، ولو كنت مسئولا فى الدولة سأقول إن من يبنى مسرحا أو يزرع سيحصل على الأرض مجانا، فلابد من تشجيع الاستثمار، وأبديت دهشتى للرئيس عبد الفتاح السيسى عندما قابلته بعد نجاحه من أن يبنى الناس على الأرض الزراعية وعندما يذهبون إلى الصحراء يجدون البناء ممنوعا.

■ اقتحمت مؤخراً مجال تطوير العشوائيات، إلى أين وصل المشروع؟

ـ أنا مهموم منذ زمن بقضية العشوائيات، لخطورتها الشديدة، فهى تمثل حزاما ناسفا حول العاصمة، وأنشأت مؤسسة معاً لتطوير العشوائيات بعد الثورة فى مارس 2011، وسخرت لها كل مجهوداتى، وسافرت للخارج لجمع التبرعات، وتعرضنا لشد وجذب مع كل رئيس وزراء يأتى حول الأرض حتى حصلنا عليها وبدأنا العمل فى نوفمبر 2013، والدولة قدمت الأرض وستقدم البنية الأساسية، ونحن علينا البناء، وحتى الآن أنشأنا 1100 وحدة من أصل 5100، فالمدينة ستضم سكان 6 مناطق عشوائية غير آمنة، وهى متكاملة ونموذجية، فيها مستشفى 180 سريرا و4 غرف عمليات، وفيها حضانة ومدرسة ابتدائى وإعدادى وثانوى، وسوق تجارية، وندرس مهن هؤلاء الناس لنعمل لهم محالهم، وسوق حرف لكى نعمل للحرفيين الورش الخاصة بهم، بالإضافة إلى مسرح 600 كرسى، و3 قاعات سينما، ونادٍ ثقافى، ونادٍ رياضى على أعلى مستوى، بحيث من ينتقل إليها لا يتساءل أين رزقى، وشعارنا «نحن نبنى البشر قبل تسليم الحجر»، ففى أثناء ما نبنى هذه المدينة نركز على سكان الست عشوائيات، ونوفر لهم تنمية بشرية سلوكية وأخلاقية، ومحو أمية، خاصة الأمية الدينية، لأننا اكتشفنا أن هذه المناطق فيها مفاهيم دينية مغلوطة لابد من تصحهها.

■ وهل أعلنتم عن المناطق العشوائية التى سينتقل سكانها إلى المدينة؟

ـ لم ولن نعلن عنها، لأن العشوائية التى فيها 1000 عشة، بمجرد أن تقول إنك ستنقلهم إلى شقق جديدة، سيصبحون 2000، ويحتالون للحصول عليها ليس عن احتياج ولكن للمتاجرة فيها، ونحن نتصل بهم عن طريق مؤسسات أخرى، تقدم لهم خدمات لحين ما نعرف من الأسر التى تستحق أن تنتقل.

■ لقبك فضيلة شيخ الأزهر مؤخراً بـ «أبو الفقراء».. فهل أنت سعيد به؟

ـ مبتسماً.. الحمد لله أنه لم يقل أبو الأغنياء، فهى تسمية رقيقة والحقيقة هى وسام على صدرى أن أكون أبوالفقراء، ربنا يجعلنى قدر هذا المقام وأتحمل مسؤوليته.

■ نعود إلى «سنبل».. هل ننتظر مولودا مسرحيا جديدا؟

ـ نعم، أنا موجود هذه الأيام لإجراء بروفات والتحضير لمهرجان المسرح للجميع الثانى، الذى سيبدأ بعد شهر رمضان المقبل، فالمهرجان الأول قدمت فيه مسرحيات لعبة الست وكارمن وسكة السلامة، وهذا المهرجان سأقدم فيه 6 مسرحيات على مدار سنتين، منها مسرحية «خيبتنا»، و«غزل البنات» من تراث نجيب الريحانى، و«سمع هس» من تراث سعد الدين وهبة.

■ وهل للوجوه الجديدة مكان؟

ـ بالتأكيد، لدينا مسرحية «نجوم الظهر»، وهى مسرحية جديدة وكل من يشتركون فيها مواهب من أسوان للإسكندرية، حيث دخل الامتحان أكثر من 2000 متقدم، نجح منهم 72 عازفين وممثلين وراقصين ومطربين.

■ وما فكرة مسرح هذا الموسم؟

ـ فى المهرجان الأول كانت المسرحيات الثلاثة تدور حول فكرة واحدة هى الحرية، فلعبة الست كانت تناقش هل السعادة فى المال، أم فى السلطة، أم فى الحب؟ فكانت الإجابة فى النهاية ما قيمة أن تملك كل ذلك ولست حراً، وكانت الحرية هى الجوهر، بالنسبة لكارمن، فهل هى مطلقة تخلق ديكتاتوراً، أم وجود الديكتاتور هو الذى يدفع الناس إلى أن يصلوا إلى الحرية المطلقة التى قد تؤدى إلى الفوضى؟.. أما فى سكة السلامة فكنا نناقش حدود الحرية، وهل تقف عند حدود حريات الآخرين أم تتعداها؟.

وفى مهرجان المسرح للجميع الثانى، تناقش المسرحيات العقل العربى فى مختلف المجالات، فى التعليم، فى العلاقات الإنسانية، فى مفاهيم ديننا، وهل مشكلتنا تكمن فى عقلنا أم فى قيمنا؟ فبالقطع جيناتنا فيها قيم سلوكية عظيمة من قديم الزمن، ولكننا فى السنوات الأخيرة أصبح لدينا انحلال أخلاقى كبير، وصل للذروة بعد ثورة 25 يناير ليظهر أسوأ ما فينا.

■ وماذا عن «خيبتنا»؟

ـ المسرحية من تأليفى وإخراجى، وقد كنت فى إشكالية، لأننى انتهيت من كتابة هذه المسرحية فى 2007، وكنت سأقدمها فى مارس 2011، فجاءت الثورة وتوقف المسرح، وأهمية المسرحية أنها استشرفت المستقبل، فالفصل الأول يتحدث عن المشاكل والمظالم الموجودة فى عصر مبارك، والثانى يتوقع أن هناك متطرفين دينيين، ولكن لم يكن الإخوان فى تفكيرى، إنما متطرفون مثل داعش وغيره سيظهرون ليهدموا المنطقة العربية الإسلامية كلها ويقسموا البلاد، وهذا كان مشروع برنارد لويس عام 1983، الذى قدمت بناء عليه مسلسل فارس بلا جواد، وكان هذا المشروع الصهيونى يتكلم عن تقسيم المنطقة العربية عن طريق المتطرفين دينيًا، وفى الفصل الثانى توقعت أن يصل المتطرفون إلى الحكم، لتتحول البلاد إلى جحيم، وهذه هى القيمة التى تستمد منها المسرحية أهميتها.

■ وأين الخيبة الحقيقية فى رأيك؟

ـ فى عقلنا، فرغم أن المصرى عبقرى بطبعه، وعندما يجد مناخا مناسبا تظهر عبقريته، إلا أن العقل العربى يستمتع بأمد السلطة ولا يحب التجمع أو الوحدة، هذه هى خيبتنا، فالأندلس مثلاً استولى عليها العرب وظلت دولة قوية لمدة 800 عام، ولكنها سقطت فى 8 شهور فقط، وأنا أتخيل فى المسرحية لو هذا العقل العربى انتقل إلى أمريكا، فى شكل فيروس يحمل الجين العربى، ومن يشمه يتحول جهازه العصبى وخلايا الذهن إلى نفس صفات هذا الجين، وعندما شمه الأمريكيون، تفككت الولايات المتحدة إلى 52 دولة وإمارة وملكية وجمهورية، وخرج الرئيس فى خطاب رسمى يقول: «مفيش حاجة اسمها الرئيس يحكم فترة وفترتين، الرئيس طول ما هو عايش يحكم».

■ هل تتفق مع ما يتردد حول أن المسرح الآن فى أزمة؟

ـ إذا قلنا إن المسرح فى أزمة فنحن مخطئون، فقد تخطينا هذه المرحلة بكثير، هذا الكلام كان منذ 15 عاما، واليوم هو ليس فى أزمة أو متوعكاً بل مات، ومن الحماقة أن تبحث عن دواء لشخص ميت، عليك أن تستحضر روحاً أخرى، ونحن نحتاج روحاً جديدة للفن عموما.

■ وما السبيل لعودة الروح إليه؟

ـ لابد من وجود رؤية متكاملة، وأن تكون المسارح مائدة متعددة الوجبات، فمسرح يقدم الكوميديا، وآخر يقدم المسرح العالمى، وآخر الواقعية المصرية، حتى نشجع الجمهور على ارتياد المسارح، بالإضافة إلى حسن اختيار مكان المسرح، فالشيئان اللذان تم إنشاؤهما فى مصر منذ 50 عاما فى أماكن مثالية هما المسارح والسجون، ولكن المسارح اليوم أصبحت وسط الزحام.

■ ألا تخش من تأثير أزمة المسرح الحالية على نجاح أعمالك الجديدة؟

ـ نحن نقدم مسرحياتنا ضمن مشروع المسرح للجميع، وهو يقوم على تقديم عدد من المسرحيات بأجر رمزى، وفى موسم المسرح للجميع الأول كانت أقل تذكرة بـ 10 جنيهات وأغلى تذكرة بـ 100 جنيه، ورغم أن تكلفة الدعاية زادت، وحركة الارتياد قلت لأن الناس انصرفت منذ 4 عن المسرح، إلا أننى أراهن على جمهورى الذى ينتظرنى حتى يحضر مسرحياتى.

■ وما تقييمك لواقع السينما المصرية؟

ـ للأسف كثير من الفن ساهم فى هدم عقول الشباب وسمم وجدانهم ودفعهم بعيدا عن الانتماء، بتقديم صور سلبية بحجة أنه يقدم الواقع، ولكنه يزيد الواقع سوءا، حيث يظهر البلطجى فى الفيلم بصورة البطل الشعبى، ويقدم شخصا يتعاطى المخدرات وهو سعيد وكأنه يشرح على الشاشة درسا فى كيفية التعاطى، ويقول لك «أنا أعكس الواقع»، إن السينما فى العالم كله تقدم سلبيات، ولكن بهدف كشف المساوئ للقضاء عليها، فلماذا لا يأتى بشخص مدمن ويظهر بشاعة ما أصبح فيه حتى يجعل المشاهد يكره ذلك؟.. فالفن يقدم القبح لكى يكشف بشاعته ويجعلك تكرهه، لا لكى يحبب الناس فيه، ولماذا أقدم المرأة العاهرة وأتجاهل الفاضلة.

■ انتقدت كثيراً صورة المرأة فى الدراما، هل لا تزال هذه الصورة مسيطرة؟

ـ للأسف مازالت الدراما تقدم المرأة بصورة مهينة، لدرجة أن سمعتنا فى الخارج أصبحت مؤلمة، ليست هذه هى المرأة المصرية التى ربت طه حسين والعقاد وكثيرا من عظماء مصر مع أنها أمية لا تقرأ ولا تكتب لكنها تمتلك الثقافة الإنسانية، فالفنانة فاتن حمامة مثلاً رحمها الله تركت سيرة عظيمة، وقدمت فى أفلامها نماذج مشرفة للمرأة، ومرة واحدة قدمت دور فتاة ليل، ولا يمكن أن تقول عنها فتاة ليل، فقد قدمت الشخصية بمنتهى الحياء وبإشارات بسيطة لكى تعالج المشكلة وليس لكى تتاجر بها، وجميع الشخصيات النسائية التى قدمتها كانت ترفع من قدر المرأة المصرية.

■ البعض يحتج بأن ذلك من حرية الإبداع؟

ـ لا يصح أن يكتب أحد رواية كلها قلة أدب ويطعمها بجزء سياسى بسيط، ثم يدعى أنه يتعرض للحرب ويتحجج بحرية الإبداع لأنه يقدم عملا سياسيا، مع أن الإسفاف هو المسيطر على العمل، نحن ندافع عن حرية الإبداع ولكننا غير مستعدين أن ندافع عن قلة الأدب.

■ ولكن هذه الأفلام تحقق إيرادات؟

ـ المخدرات أيضاً تحقق إيرادات، والدعارة بتجيب فلوس كتيرة جداً.. ويجب ألا نتعامل مع الثقافة على أنها مصنع، هى مصنع للعقول، يقدم خدمة مجانية، فالأمم ترتقى بالقيمة المضافة للمواطن، عندما يكون لديك 90 مليونا منهم 60 قيمة سالبة، أغلبيتهم يشتكون من المرض والفقر والجهل، فهذه مشكلة كبيرة.

■ وما دوركم كفنانين ومثقفين فى مواجهة ذلك؟

ـ نحن نقدم فنا يبنى العقول ويسمو بالوجدان، ونطرح أعمالنا فى مواجهة الأعمال المسفة، وعلى الجمهور أيضا دور كبير، فعندما يذهب إلى الشباك ماذا سيختار، فالمشاهد يشترك فى جريمة الممثل الذى يقدم إسفافا، لأنه يربحه ملايين، فأنا أفضل مقاطعة الفن السيئ على مقاطعة البضائع الإسرائيلية.

■ لك تجربة فى تقديم الفن الهادف من خلال مسلسل ونيس، هل لمست له استجابة فعلية لدى المشاهدين؟

ـ مسلسل ونيس يثبت أنه لا يوجد خلاف بين أن تقدم قيمة وأن تضحك الجمهور، على عكس ما يقوله بعض الخبثاء هذه الأيام من أن الفن الهادف لا يجد من يشاهده، فمسلسل ونيس كان كوميدياً، ومع ذلك يؤثر فى المشاهد سلوكياً، وكلما أقابل شابا فى الثلاثين يقول لى أنا تربيت على يديك، حتى أبناء الجاليات فى الدول الأجنبية التى أسافر إليها، يقولون لى نحن جيل مسلسل ونيس ونجعل أولادنا الصغار يشاهدون المسلسل ليتعلموا منه، وهذا أمر يسعدنى للغاية، وعلى الفن أن يعكس الصورة المضيئة فى المجتمع، فالمسلسلات التركية مثلاً كانت دعاية ذكية حتى زادت السياحة 10 أضعاف، بينما الكاميرا عندنا تركز على العشوائيات وتصور القمامة، ومصر فيها جوانب مضيئة كثيرة تحتاج فقط من يظهرها.

■ وهذه هى الأسباب وراء ابتعادك عن السينما؟

ـ أنا اعتزلت السينما منذ 1988، وكان اعتزالًا مؤقتًا، لأننا كنا قد وصلنا فى وقتها لأفلام المقاولات، التى تستغل اسم الفنان كنجم لتقدم أفلاما هابطة، فحرصت ألا أدخل فى هذا الطريق، وكان أمامى إما أن أبيع نفسى أو أبيع السينما، ففضلت أن أحتفظ بنفسى، والرسائل التى أريد أن أوصلها للناس ألجأ بها إلى المسرح والتليفزيون.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية