الأنظمة ليست وحدها من أعلنت الحداد على وفاة الملك عبدالله.. الشعوب كانت قبلها.. اتشحت بالسواد، وأعلنت الحداد، وطلبت تنكيس الأعلام.. يمكنك أن تلاحظ ذلك على مواقع التواصل الاجتماعى.. يمكنك أن تتابع أكبر نسبة دخول على تويتر.. يمكنك أن تقرأ ما كتبوه في دفتر العزاء.. فما معنى هذا؟.. معناه أن الشعوب لا تنسى.. معناه أنها تفرز ولا تساق مثل القطعان خلف الإعلام الرسمى!
لم تحزن الشعوب، لأن الفضائيات كانت تبث القرآن فقط.. لم تحزن لأن الإعلام أظهر حالة الحداد.. لم تحزن لأن الأنظمة نكست الأعلام، وتفاوتت أيام الحداد من ثلاثة أيام إلى أربعين يوماً.. لا.. حزنت الشعوب لأن خادم الحرمين كانت له وقفة تاريخية.. لأنه ساند أمته وعروبته وإسلامه.. لأنه ساند مصر العظيمة في المحنة.. وقال قولته الشهيرة: «من يعتدى على مصر، يعتدى على المملكة نفسها»!
حزن الشعوب أكبر قيمة من حزن الأنظمة.. السبب أنها لا تحزن لمصلحة.. لا تحزن لأنها استفادت بشكل مباشر من هنا أو هناك.. لا تحزن لأنها ترتبط بعلاقات أو حتى عطايا.. الشعوب تحزن على من يساندها في الشدة.. وهذا يختلف عن الأنظمة الرسمية.. فالحزن قد يكون لعلاقة مصلحة أو حتى مجاملة.. ما حدث في وفاة الملك عبدالله يؤكد أنه حاز أكبر جائزة.. وهى تقدير الشعوب والأنظمة أيضاً!
فلم يكن مستغرباً أن تجد شيئاً واحداً في معظم الفضائيات تقريباً.. وهو الحداد والقرآن.. فالمصاب مصاب العرب.. خاصة في هذا التوقيت بالذات.. المصاب في كل بيت.. ليس مصاب السعوديين وحدهم، ولا الأسرة المالكة وحدها.. إنما هو مصاب عربى مصرى في آن واحد.. التوقيت نفسه يشعرك بالحزن.. ويشعرك بمرارة الفقد.. وإن كان هناك تقاليد لاختيار الملك الجديد وتقاليد لسياسات المملكة!
اكتبوا في دفتر العزاء أننا فقدنا حكيم العرب.. اكتبوا أن وفاته خسارة كبيرة.. اكتبوا أن وفاة «أبومتعب» ربما «تتعب» من بعده.. اكتبوا أن المصاب جلل، وأنه في كل بيت عربى.. لا أعبر عن مسألة شخصية.. فليس لى علاقة بأحد هنا ولا هناك.. إنما كان الرجل سنداً لمصر، وكان داعماً في وقت تخلى فيه كثيرون عنها لتركيعها.. هكذا أحسست بالحزن حين صدر بيان الديوان الملكى، مع تباشير يوم الجمعة!
ربما أعبر أيضاً عن نبض الناس.. فقد احتل هاشتاج «وفاة خادم الحرمين» صدارة التصنيف اليومى لـ«تويتر».. وهى مكانة أرقى مما عبرت عنه وسائل الإعلام الرسمى أو المملوك لرجال أعمال، استفادوا بشكل أو بآخر من علاقاتهم بالمملكة.. هذه هي الحكاية.. وهذه هي القيمة.. في كل صفحة دفتر عزاء.. في كل موقع دفتر عزاء.. ربما حدث ذلك أيضاً من قبيل الإحساس بالخطر، وليس التقدير فقط!
زمان كانت الأنظمة تشتبك مع بعضها.. تفرح أو تغضب، ولا قيمة لفرح الشعوب أو غضبها.. الآن تغيرنا.. لا يعنى أن ترضى الأنظمة أن نرضى.. ولا يعنى أن تغضب أن نغضب.. في وفاة خادم الحرمين حزنت الأنظمة وحزنت الشعوب أيضاً.. ويكفى أن تعرف أن الكنيسة المصرية نعت الملك عبدالله.. في سابقة لم تحدث من قبل!