(1)
أتذكر الصورة التى انتشرت عقب نهاية حكم الإخوان المسلمين لمراهق مطلق شعره ومرتدٍ بنطاله القصير و«تى شيرت» أحمر اللون، يقف وحده فوق كوبرى السادس من أكتوبر، فاتحًا صدره لمواجهة الآلاف من مؤيدى الإخوان؟ هل أشدت بشجاعته وجسارته فى الحق يومها؟ هل وجهت سبابك لمؤيدى الإخوان الذين انطلقوا بالآلاف للنيل من هذا الطفل؟ دعنى أعرفك عليه، إنه محمود محمد عبدالعزيز، الذى يناديه أصدقاؤه بالاسم الذى أحبه واختاره لنفسه «ياسين».
ياسين ابن الثمانية عشر عامًا، الذى تفتح وعيه على حلم بوطن أفضل، فاختار الحرية طريقًا؛ وكانت النتيجة حبسه احتياطيًا لفترات طويلة فوتت عليه فرصة أداء امتحاناته! لن يتمكن من إنهاء دراسته الثانوية، ياسين القابع الآن فى السجون، حكم عليه بالسجن خمسة عشر عامًا، لأنه شارك فى مظاهرة لمطالبة أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور بمنع المحاكمات العسكرية للمدنيين دستوريًا، كما حكم عليه بالسجن عامين لتظاهره مطالبًا بالإفراج عن سجناء الرأى!
(2)
محمود محمد، طالب بالمرحلة الثانوية، 18 عاما، تفتح وعيه على وطن خشى أن يتغير شكله وهويته، فتظاهر مع الآلاف ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين، ثم تحولت الآلاف إلى ملايين أطاحت بالجماعة من رأس السلطة؛ حينها كان محمود قد تعلم ألا يصمت أمام الظلم، وكان فخورًا بأن يصبح جسده إعلانًا متحركا لقضايا المظلومين.
25 يناير الماضى، يخرج محمود من منزله مرتديًا «تيشيرت» مكتوبا عليه «وطن بلا تعذيب»، وهى حملة نظمها عدد من الحقوقيين لوقف التعذيب فى السجون؛ استوقفه ضابط فى كمين المرج، لم يعجبه الشعار، فكانت النتيجة، بقاءه فى السجن عاما فى الحبس الاحتياطى، ذاق خلاله صنوفا مختلفة من التعذيب، والكهرباء التى طالت أماكن حساسة فى جسده، وعامين دراسيين فقدهما لعدم حضور الامتحانات، تضاءل حلمه بعد هذه التجربة؛ فبعد أن كان يحلم بأن يحيا حرًا بوطن حر، قال لأهله حلمه الجديد أثناء زيارتهم له: «خرجونى من هنا أنا هموت! أنا اتبهدلت وشفت الموت بعينى، عشان أعترف إنى إرهابى ومعايا متفجرات، أنا مش عايز أعيش فى البلد دى خلاص!! مش عايز أعيش أصلا!!».
(3)
ذهب بسيارته ليوصل صديقته لأقرب نقطة تستطيع منها ركوب وسيلة نقل لمنزلها بشبرا الخيمة. توقف بسيارته، لتتوقف بجانبها سيارة شرطة، يترجل منها أمين وفرد شرطة، يطلبان من الفتاة مرافقتها لمنزلها للاطمئنان على أن أهلها يعرفون أنها كانت بصحبة ذلك الشاب! بعد قليل، يتلقى الشاب رسالة تليفونية من صديقته بأن رجلى الشرطة يحاولان اغتصابها! يتوجه لأقرب ضابط شرطة يجده، ويصطحبه ليبحثا عن الفتاة، حتى يجداها مع رجلى الشرطة وهما يقومان باغتصابها؛ يلقى ضابط الشرطة القبض عليهما متلبسين، ويتم اصطحابهما للنيابة، التى تقرر إخلاء سبيلهما بعد إثبات الطب الشرعى الواقعة!
يظل خيرة شباب هذا البلد فى السجون سنوات على سبيل الحبس الاحتياطى، فإذا أعلنت المحكمة براءة أى منهم، يكون قد عوقب بالفعل بالحبس الاحتياطى والتعذيب على جريمة الإعلان عن رأيه! بينما من يفترض به حماية بناتنا فيقوم باغتصابهن، يقضى لياليه بين أهله فى منزله الدافئ!
فمن الطبيعى أن يقوم رجل الأمن باغتصاب المواطنين، وأن يقضى خيرة شباب هذا الوطن أيامهم فى الزنازين والسجون تحت التعذيب!.
ومن الطبيعى أيضًا أن يتوقف كل ذلك بانفجار يطيح بالجميع! ويبنى وطنًا عادلًا عماده الديمقراطية. يومها، لا تسألوا عن الرحمة فى قلوب شباب حاولوا أن يكونوا عادلين مع قاتليهم، فاعتقلوا وعذبوا مرة أخرى.