x

أيمن الجندي تاكسى أيمن الجندي الأربعاء 21-01-2015 21:32


أشياء عجيبة تحدث. فمثلما يزعم علماء التطور أن الأسماك غادرت البحر فجأة كى (تلقّط) رزقها على البر، فقد خرجت من المجهول سيارات قديمة إلى شوارع طنطا! سيارات هدفها التقاط الزبائن، معظمها سيارات لادا قديمة وأحياناً أثرية من طراز 124 وأحياناً (القردة). و(القردة)- كما يذكر المخضرمون- كان طرازاً عجيباً أنتجته شركة النصر، سعره فى زمن الستينيات السعيد ثمانون جنيهاً لا أكثر، وسمَّاه الظرفاء بهذا الاسم لأنها أثبتت أنها قردة فعلاً. وكيف لا تكون وهى لم تكتفِ بالسير شأن باقى السيارات العادية، وإنما أثبتت قدرتها على صعود السلالم!

السيارات التى ظهرت فى طنطا فجأة كانت ذات ألوان محايدة يستحيل أن تتذكرها، ويبدو أن هذا هو المطلوب كونها مخالفة للقوانين المتبعة فى أنظمة المرور. وحتى من يقودها كانوا رجالاً غامضين لهم شبه واحد، وكأنما أنتجهم خط إنتاج بالجملة! كلهم قصيرو الشعر، لهم ملامح محايدة، وصامتون بفظاعة، ذلك أنهم يؤمنون بالفعل وليس الكلام.

والفعل أن يلتقطوا الزبائن رغم أنها ليست فى الأصل سيارات أجرة. أما لماذا يفضلهم الزبائن على التاكسيات، فربما لأنهم لا يقولون «لا» أبداً مهما كان المكان الذى تقصده مزدحماً أو غير ممهد. هم باختصار مستعدون للذهاب إلى جهنم طالما سيدفع الزبون.

البعض الآخر يفضلهم لأنهم صامتون وغامضون. والبعض يقول لنفسه إنه من الأفضل أن تفتح أبواب الرزق المسدودة بدلاً من أن يخرجوا على الناس حاملين السيف، تطبيقاً لمقولة سيدنا أبى ذر الغفارى رضى الله عنه: «عجبت لمن لا يجد القوت فى بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه!!».

والبعض الآخر يعرف أنه سيوفر معهم جنيهاً أو جنيهين، وهذا سبب كافٍ لكى يعشقه. صحيح أن الأمر أحياناً يريب خصوصاً حين يستحلفك إذا أوقفه المرور أن تزعم أنه صديقك! وربما أعطاك اسمه على سبيل الاحتياط، وامتحنك فيه إذا ارتاب فى شرود ذهنك.

لكن الحياة لا تصفو بسهولة. ومثلما لكل مخلوق فى الطبيعة عدوه الطبيعى، فإن سائقى التاكسيات يمقتونهم بجنون، ويعتبرونهم سبب كل المصائب فى الدنيا. ولقد كان هذا يدهشنى باعتبار أن الدنيا فسيحة والزبائن كثيرون والرزق يتسع للجميع. وكنت أحاول فى صبر أن أفهم سر كراهيتهم العارمة، وأجادلهم أن أعداد الزبائن فوق قدرتهم على الاستيعاب، ولذلك لا ضير عليهم لو شاركوهم الأكل من نفس الطبق! لكن سائق التاكسى كاد يضربنى. وأخبرنى أن المحليات فى طنطا ترفض الترخيص لسيارات تاكسى جديدة، ما يجعل ثمن رخصة التاكسى يتجاوز المائة وخمسين ألف جنيه. فتصور أن تأتى سيارة متهالكة لا يزيد سعرها على عشرة آلاف جنيه، وتلتقط الزبائن أمام عينيه دون حياء، والأهم دون دفع ضرائب! إنه بحاجة أن يكون قديساً ليسلم صدره من الضغينة وزمن القديسين قد ولى.

عن نفسى أركب هذه السيارات وأسعد بركوبها! حتى لو كانت السيارة تئن من أثقالها كامرأة حامل! حتى لو كانت أبواب السيارة بلا تنجيد وبلا مرايا، وبلا (أُكر) أساساً. أنا أصلاً أحن إلى العهد الاشتراكى الذى أذاب الفروق بين الطبقات، بمعنى أنه جعل الجميع على حافة التسول.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية