يتحرك بعض حكامنا العرب وساستنا ومفكرينا بمنطق «الزيطة والزمبليطة فى الصالون» كلما دعا الغرب إلى حشد ما لإحدى المناسبات المؤلمة أو المبهجة، وهذه المناسبات تكون معنا فيما ندر، وضدنا فى الغالب الأعم، وقد تأذيت كثيرًا من الهجوم على مقر الصحيفة الفرنسية «شارلى إبدو»، الذى راح ضحيته 12 من العاملين بها، من ضمنهم أربعة من الرسامين المهمين، وذلك لأن الفكر المضاد لا يعالج هكذا، وقد صادف أن فى اليوم نفسه الذى حدثت فيه الحادثة، كانت جماعة «بوكو حرام» بنيجيريا قد أودت بحياة 2000 نفس بريئة وتركت جثامينهم فى العراء تتوسل الدفن، ثم هجوم آخر باليمن الشقيق على مجموعة من الجنود البسطاء، ولم يكلف هذا العالم المتمدين نفسه إدانة هذين الحادثين بقدر ما هب وثار لما حدث بفرنسا، فرنسا الحرة التى احتلت الجزائر بمجرد أن طالبها حاكم الجزائر بدفع الديون التى عليها، وتركت الجزائر بعد حرب ضارية خلّفت حوالى مليون شهيد جزائرى، وقد قيل إنها عندما أجرت تجربتها الذرية الأولى فى صحراء الجزائر أخرجت بعض المعتقلين الجزائريين ووضعتهم بالقرب من مدى التفجير لتختبر عليهم الآثار الجانبية للقنبلة المدمرة!
هذا هو الغرب الذى يتعامل معنا بنفس المنطق من قبل، حتى الحروب الصليبية التى اتكأ عليها لاستغلال ثرواتنا، وجرائمهم ضدنا تملأ السجلات والكتب؛ مثلاً فى عام 1492 بعد سقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين فى إسبانيا، أقامت إيزابيلا المنتصرة فور دخولها غرناطة محاكم تفتيش قامت بطرد أكثر من ثلاثة ملايين مسلم من الذين لم يغادروا الأندلس بعد سقوطها، وهذا الطرد تم بعد تعذيبهم بكل أنواع التعذيب الوحشى.
أرأيتم كم التعالى والازدراء الموجه إلى العرب والدين الإسلامى الذى عاش الإسبان فى كنفه لأكثر من ثمانية قرون!
ناهيك طبعاً عما حدث ويحدث حتى الآن من الغرب الديمقراطى، الذى استقبل كل من خرج من البلاد العربية، محتجا ضد نظمها، سواء كان على صواب أو خطأ، وربّى قطيعا كبيرا منهم فى حضانته ثم تركهم يعودون إلى بلادهم ليحققوا أهدافه، فإذا ما تحولوا إليه ملأ الدنيا صراخا بالإسلاموفوبيا، الإرهاب صنيعتهم ونحن ضحاياه فى كل العصور، وتابعوا وقائع الذبح التى يقوم بها داعش فى «يوتيوب»، ستجد الناحر الملثم غالبا أجنبيا وليس عربيا!
يا سادة، أفهم أن نستنكر الحادث الإرهابى وندينه، لكن بعد توجيه اللوم إلى الصحيفة التى أعادت نشر الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول عام 2006، ثم خصصت عدداً تسخر فيه من الشريعة الإسلامية عام 2011، ثم تعيد نشر الرسوم المسيئة مرة أخرى، وبعد الحادث تنشر أيضا ما يسىء إلى رسولنا وتصل الطبعة إلى 8 ملايين نسخة.. كيف نقف فى صفوفها ونقول «نحن شارلى»؟ ولنتذكر أنه لو مشجع كرة أهلاوى أو زملكاوى مزق فانلة النادى المنافس لقامت القيامة، فكيف نصطف وخلفنا ترتفع شعارات تهيننا وتسىء لديننا؟