لو كنت مكان أجهزة الدولة المعنية بالمواجهة مع الإخوان، لأمرت فورًا بوقف كل الحملات الرسمية الإعلامية والسياسية ضد الجماعة، والاكتفاء بنشر تسجيل فيديو، أرجو أن يكون قد تم، لمرافعة الرئيس المعزول محمد مرسي عن نفسه أمام محكمة الجنايات في قضية «التخابر».
تحدث مرسي طويلًا لأول مرة منذ سقوط حكمه، محاولًا الدفاع عن نفسه وتأكيد ما يسميها «شرعيته»، لكنه من حيث لا يدري قدم كل أسباب الإدانة، ومنح معارضيه شهادة مشروعية وطنية وسياسية وأخلاقية لقرار الإطاحة به.
قال الرجل الذى تصر جماعته على أنه لا يزال «رئيسًا شرعيًا»، إنه كوّن لجنة تقصى حقائق بعد توليه السلطة، لتحديد قتلة المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير، وإنها سلمت له تقريرها فى ديسمبر 2012، وسلمه هو بدوره إلى النائب العام طلعت عبدالله، الذى كان قد عينه قبلها بشهرين.
ما لم يذكره مرسي فى مرافعته هو أنه اتفق مع «النائب الخاص» على إخفاء التقرير تمامًا، وحظر إذاعته على الرأى العام، ولم يباشر النائب العام الإخواني إجراءات التحقيق طوال 6 أشهر منذ تسلمه التقرير وحتى إسقاط حكم الجماعة، ولايزال هذا التقرير طي الكتمان حتى الآن، رغم تسريب أجزاء محدودة منه.
واليوم، بعد أن زالت سلطته، خرج علينا الرئيس المعزول ليزعم أن التقرير «تضمن شهادات مديرى بعض الفنادق بميدان التحرير الذين قالوا بأن هناك أشخاصًا استأجروا الغرف العلوية التى تطل على الميدان، وكانوا يحملون الأسلحة وتبين أنهم ينتمون إلى جهات سيادية يرأسها قائد الانقلاب (فى إشارة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى)، وأن هؤلاء الأفراد مسؤولون عن قنص المتظاهرين».
ببساطة يقول محمد مرسى إنه سمح لرجل يعتقد أنه مسؤول عن قتل المتظاهرين بقيادة الجيش المصري وتولي وزارة الدفاع.
لماذا لم يحاسب السيسي ومن معه إذا كان ما يقوله صحيحًا؟
يجيب المعزول من داخل قفصه: «لم أتسرع في إلقاء القبض عليه وقتها، عشان أحافظ على المؤسسة العسكرية من التجريح، وحتى لا يقال إن رئيسها مجرم، وانتظرت نتيجة التحقيقات حتى تبقى المؤسسة مصانة، ولذلك هم خافوا ومازالوا خائفين من ذلك، والأسماء موجودة والكارنيهات موجودة».
تذكروا هذا جيدًا: «الحفاظ على الجيش».
في موضع آخر من المرافعة تحدث مرسى عن ملابسات عزله، وقال إن قائد الحرس الجمهورى، اللواء محمد زكى، أجبره على الخروج من مقر إقامته بدار الحرس الجمهوري فى 5 يوليو، وحينما رفض (مرسي) هذا الإجراء قاله له اللواء زكي: «إنت عاوزني أحارب الجيش؟».
ماذا كان رد مرسي على سؤال قائد قوات الحرس الجمهوري؟
الإجابة حسب مرسي نفسه: «أيوه.. تحارب الجيش لحماية الرئيس.. والحرس الجمهوري مهمته حماية الرئيس تحت أي ظرف».
وعن ملابسات القضية نفسها، قال المعزول: «القضية فيها أن رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان المسلمين قاموا بالتآمر والتخابر مع حركة حماس.. وهذا شرف عظيم».
لم يقل مثلًا إنها كانت اتصالات طبيعية بحكم موقعه كرئيس الجمهورية مع أحد الأطراف الفاعلة فى المنطقة، أو إن مصر تدعم حق الشعب الفلسطينى فى المقاومة من خلال حماس وبقية الفصائل، بل أفصح عن اعتقاده أن التخابر والتآمر مع طرف أجنبى «شرف عظيم».
اعترافات مرسي تزامنت مع تصريحات أخرى قالها قبل أيام وزير عدله أحمد مكي، وذكر فيها أنه «طالب بفض الاعتصام ضد مرسي في التحرير بالقوة، لكن وزيري الداخلية والدفاع رفضا أكثر من مرة»، وذكر أيضًا أنه طلب من مرسي «ترك النائب العام السابق عبدالمجيد محمود في منصبه، لأنه كان يأخذ تعليماته من الحكومة، وفي الوقت الحالي نحن الحكومة».
وهي تصريحات كاشفة عن الطريقة التى كان نظام الإخوان يعمل بها أثناء وجودهم فى السلطة، وأن كل ما يرددونه عن ضرورة استقلال القضاء وإدانة الجرائم ضد المتظاهرين السلميين ليست أكثر من عبارات يفرضها وجودهم الآن فى موقع «الاستضعاف».
دائمًا ما يرد الإخوان على مظاهر فشلهم فى إدارة البلاد بالقول إن مرسي لم يحكم أصلًا ولم يكن رئيسًا، فى إشارة إلى عدم تعاون أجهزة الدولة معه، لكن مرسي اليوم أعلن بوضوح أي نوع من الرؤساء هو.
لدينا رئيس معزول يعترف بصفاقة يُحسد عليها أنه ترك من يراه متهمًا بقتل المواطنين فى وزارة الدفاع حتى «يحافظ على الجيش»، لكنه أراد لهذا الجيش نفسه أن ينقسم و«يحارب» بعضه بعضًا عندما تهددت سلطته بخروج الشعب ضده، تمامًا كما يليق بزعيم عصابة لا رئيس دولة أقسم على حماية استقلال الوطن وسلامة أراضيه.