بيننا دواعشٌ حتى الثمالى وإن لم يلحقوا بأبي بكر البغدادي في دولة الخلافة.
(2)
أحد «المتابعين» على حسابي الشخصي على فيسبوك، يبدو قاب قوسين أو أدنى من داعش، يستخدم تعبيراتهم ويردد الجمل الذائعة في أناشيدهم و«يحسبهم على خير غير أن الإعلام يشوه صورتهم».
وفي مسيرة إيمانه المتصاعدة بداعش.. يلفتني إشارته إلى حبه إلى أحد أفلام الكارتون ذائعة الصيت!
لم أستسغ في البداية أن تقترن هيئته الغاضبة ولحيته الشعثاء ولغته الملتهبة المنتمية للقرون الهجرية الأولى، بحبه لأحد أفلام الآنيميشن.
لكن على الفور لابد أن تقتحم ذاكرتك تغريدات أحد مقاتلي داعش، وهو يبدي حزنه لوفاة الممثل الأمريكي روبين ويليامز بطل فيلمه المفضل «جومانجي»!
الداعشي المسمى (عبدالله) والذي كان يغرد تحت اسم (mujahid4life)، كان أيضا من عشاق فيلم الأسد الملك (the lion king).
عبدالله كان يفاضل بين الأفلام، سيما أفلام الكارتون، من خلال حسابه المخصص لنشر أخبار «الجهاد»..وكان يتبادل الردود مع متابعيه، كأنه ناقد سينمائي وليس فتى مقاتلا في جيش البغدادي الرهيب.
لحد كتابته إحدى التغريدات التي تعبر عن اندهاشه من متابعة الناس لحديثه عن الأفلام وتفضيلاته بينها أكثر من التفاتها لأخبار القتال!
(3)
سأقول لك فيم يشبهني عبدالله، ولكن لإيضاح الفكرة أكثر سنتطرق إلى قصة الفتى البريطاني ذي الأصول البنغالية «افتخار» الذي كانت قصة التحاقه بداعش موضوع الغلاف للعدد الأخير من مجلة نيوزيوك.
افتخار وفقا لنيوزويك، نشأ كأي طفل بريطاني بعد هجرة والديه إلى الأراضي الإنجليزية عام 1981، عشق هاري بوتر وتابع أجزاءه المتتالية، وكان شغوفا بسلسلة أفلام «مملكة الخواتم».
وعند لحظة بعينها فطن افتخار إلى أن هاري بوتر يحكي عن أطفال ومراهقين بريطانيين، يحاربون على أرض بريطانية، وحوشا وسحرة لا ينتمون إلى ثقافة افتخار ولا مرجعيته على الإطلاق..لقد كان الأمر بريطانيا غربيا قحا.
عند هذه النقطة النفسية، سيعتبر محررو نيوزويك أن افتحار قرر أن يهجر عالمه المفضل لأنه اكتشف أنه لا يمت له بصلة، فحاول البحث عن عالم ينتمي إليه..فكان السحر والمغامرة والقوة مع أولئك الذين يرتدون الملابس السوداء الفاتنتة في دولة أبي بكر البغدادي.
(4)
حين أشاهد الأفلام الوثائقية التي تبثها داعش، أتذكر على الفور أفلام جحيم الروس وبدر البوسنة، التي تعرض لها جيلي في التسعينيات.
أفلام داعش التي تستخدم تقنيات متقدمة جدا وتنتج صورة سينمائية رائعة الجودة، ليست إلا تنويعا وتطويرا لأفلام جحيم الروس التي تحكي عن «المجاهدين» الشيشان.
العين التي أخرجت أفلام داعش، لم تفعل أكثر من مجرد تطوير طريقة إخراج أفلام التسعينيات، وكأن العقول والأرواح المسؤولة في داعش، محتجزة في هذه الحقبة وتتجاوب مع الوضع الحالي من باب الحنين مع الماضي ومن باب تطوير محتوى أول فيلم جهادي.
الأمر يشبه أن تشاهد والدك وهو صغير بينما يلتقط صورة لك بكاميرا عتيقة، وكل ما تفعله في الألفية الجديدة أن تشتري كاميرا فائقة الجودة كي تصور ابنك صورة بنفس الطريقة التي صورك بها والدك دون أدنى تغيير أو تطوير!
إنهم بإمكانياتهم الآن، يعيدون إخراج فيلمهم الجهادي المفضل، على نحو ما بصورة أو بأخرى!
هم في نوبة حنين أفهمها جيدا.. فكل فيلم ليس بصورة ما «جحيم الروس» أو «بدر البوسنة» هو فيلم لا يعول عليه.
إنهم يخرجون فيلمهم المفضل ومعشوقهم الأول عشرات المرات.. وسيستمرون.
(5)
تعرض جيلي (مواليد الثمانينيات) لعدد مهول من الأفلام الخيالية، وسار الأمر بالتوازي مع التطور التكنولوجي لتقنيات التصوير، وانفتحت الأبواب أمامنا تماما مع بزوغ نجم شبكة المعلومات، ومع نشوء قنوات الأفلام الأجنبية التي غزت المنطقة بينما كنا في المرحلة الثانوية.
لقد تعرضنا لجرعة خيالية هائلة.. ربما ساهمت في جنوح البعض إلى الخيال واتخاذه موطنا أصيلا، لدرجة رفض الواقع تماما.
وكل منا كان يبحث عن عالمه المتخيل بطريقته الخاصة.
لذلك فإن الفارق بين مقاتلي القاعدة الذين كانوا ملء السمع والبصر قبل 15 عاما، أنهم كانوا أشخاصا محبطين دون سند خيالي ومخزون معرفي مثلما الذي تحصل عليه جيلي.
لذلك كان مقاتلو القاعدة مشغولون بالتأصيل الفقهي لعملياتهم العسكرية، في حين يتفرغ جيلي من مقاتلي داعش للتغريد على تويتر وتبادل المعلومات حول أفلامهم المفضلة جنبا إلى جنب مع حواديت القتل والرجم والسبي!
(6)
أقول إن داعش التي ينتمي إليها رقم ضخم من الشباب العشريني، هم النسبة المئوية القابلة لممارسة العنف من مجمل جيلي، غير أن عنفهم على نحو ما، تحقيق لأحلام مدفونة وسط ركام الأفلام الخيالية وأفلام الكارتون.