نشرت المصري اليوم أواخر سبتمبر 2014 حوارًا سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، أجراه مفيد فوزي، حيث تطرق الحوار لمشوارها الفني، وجانبمن آرائها السياسية، كان هذا نصه:
لا أدرى لماذا أربط فى ذهنى بين فيروز وفاتن حمامة وكلتاهما (أيقونات) من الزمن الجميل. أغنيات فيروز باقية فى الوجدان كعطر لا يذهب أبداً، وأفلام فاتن باقية فى العيون والأفئدة نستعيدها بمتعة. فيروز وفاتن - متعهما الله بالصحة - نافورتان للفرح فى بستان الفن، فاتن وفيروز (زعيمتان)، لكل منهما جماهيرية وشعبية فاقت حدودهما الجغرافية، يكفى أن تشدو فيروز فتأخذك إلى عالم البهجة، ويكفى أن ترى فاتن حمامة فى واحد من أفلامها فتشعر بالونس والدفء. أنا حاورت فيروز فاكتشفت أنها قليلة الكلام، وفنها يتحدث أكثر.
وحاورت فاتن واكتشفت أنها لا تثرثر بل (تتظاهر) بفنها أكثر وتحتج. فاتن وفيروز تصنعان بفنهما (الأغنية والفيلم) عقدا من الفل تطوقان به رقابنا وكأننا فى مهرجان جمال يقاوم التصحر فى المشاعر.
■ كانت هذه الخواطر تموج فى رأسى وأنا فى سيارة فاتن حمامة التى تنقلنى إلى خارج القاهرة الصاخبة فى حى التجمع الهادئ، تماماً مثلما تفعل فيروز حين تنقلنى سيارتها إلى بيتها فى حى أنطلياس خارج بيروت المجنونة.. فى جبل لبنان. كنا قد اتفقنا على (الحوار) فاتن وأنا صباح أحد أيام الأسبوع الهادئة (السبت) لم أكن محتاجاً لديباجة من الأسئلة أشهرها فى وجه (تونة) كما يناديها أقرب صديقاتها، كنت ذاهبا لأطمئن عليها بعد اعتكاف مرض فتقول بنبرات صوتها الذى تحفظه ذاكرة المصريين «كبرنا بقى وانت كمان كبرت»: فقلت لها «لناظم الغزالى أغنية تقول عيرتنى بالشيب وهو وقار» فتضحك فاتن حمامة وتقول «أهو شيب وخلاص».
■ حين جاءت فاتن حمامة إلى الصالون الأبيض «لونها المفضل» الذى كنت أنتظرها فيه دخلت وهى تضحك، فتصورت أنها تضحك من خوفى من كلبها الذى استقبلنى بنباح، واشترطت عدم دخولى الفيلا حتى حبسه، ولكنها كشفت سر ضحكاتها، كانت ترى صدفة أحد أفلامها القديمة (بابا أمين) وجمعها مشهد واحد بالراحلة مارى منيب، وتذكرت أنها أعادته 7 مرات (ما أقدرش أمنع نفسى من الضحك مع مارى منيب، تخيل جديتها بتموتنى من الضحك)، سألتها: هل أنت معتادة رؤية أفلامك؟ قالت: (لا أبحث عنها متعمدة ولكنى أشوفها حسب الظروف، ولما أكمل فيلم للآخر أنسى أحداثه وأفكر فى الملابسات اللى أحاطت به وكلها مختزنة).
■ اعتدلت فاتن فى جلستها وأدعى أنى أفهم لغة الانتباه عند سيدة الشاشات فقلت لها: كنت أول من أطلق صيحة (انقسمنا) بعد الثورة، هل تعتقدين أن جرح الانقسام التأم أو تغير؟
رحت أصغى لها ونحن نرشف فناجين الشاى الأخضر الكبيرة.
قالت فاتن، كانت هناك عمليات غسيل مخ لشباب وكبار معرفوش مصلحتهم فين، وأقدر أقول اتلخبطوا بين الصح والغلط، من هنا حدث الانقسام وهو أكبر خطأ تقع فيه المجتمعات، بتسألنى هل الجرح التأم، بأعتقد قل كتير، إنما فى حاجات بتيجى من بره بفلوس كتير أوى وتغرى شباب عاطل مش فاهم ولا أعتقد أنها فلوس من جوه مصر، قلت لفاتن: طول حياتك تقولين (أنا لا أمشى فى مظاهرة) ولكنى أتظاهر بفنى، قالت: كل إنسان لابد أن يتكلم بلغته وأدواته، يعنى الكاتب بما يكتبه ويؤثر فى الناس، أنا أقوى فى صنعتى كممثلة، أقدر أقول أكتر من كونى «ماشية فى الشارع»، قلت: هل يتحول الفنان إلى ناشط سياسى؟ قالت: الممثل المهتم بالسياسة ممكن، قاطعتها: على حساب الفن؟ قالت: عن طريق فنه يتكلم فى السياسة، المهم الصدق.
■ قلت لفاتن وأنا أختار كلماتى، لم أستطع أن أنطق بعبارة (هل اعتزلت؟) قلت لها (ألا تشتاقين لعمل فنى جديد؟) قالت: مش قادرة، قلت: هل هو قرارك؟ قالت: أنا أخذت القرار صحيا، الواحد - يا مفيد - لازم يكون عاقل وفاهم (ماقدرش أدخل فيلم أو مسلسل جديد ومكملش وأخرب بيت اللى باشتغل معاهم)، سألتها إن كانت قد تابعت شيئاً من مسلسلات رمضان، قالت: تابعت سجن النسا، الرواية اتمثلت حلو أوى أوى من كل نجومها، نيللى كريم كانت شاطرة، وأنا أعتقد أن سر نجاح سجن النسا يرجع للكاتبة والمخرجة، المخرجة كاملة أبوذكرى (عملت كاميرا بتتكلم) قلت: هل الدراما فى تقديرك فى اتجاه سليم؟ قالت: تفاجئنا أعمال فنية تثبت أن الدراما تسترد عافيتها، وهناك مخرجون شبان نجحوا (مش عايزة أظلم حد، عدد المسلسلات يعمل ثلاثة مواسم رمضانية، يا ريت يتوزع العدد الكبير على باقى شهور السنة)، سألتها: هل أنت مستاءة من لغة المسلسلات، قالت: بعضها (وأزعل من أداء البعض) وقالت: أنا أعرف ولاد البلد وكنت باشوفهم وأنا صغيرة همه (مش بالفجاجة دى)، لكن مفيش أجدع من الست المصرية.
■ شربنا فناجين من الشاى الأخضر (تفضل فاتن بالنعناع الأخضر)، أمرتنى ألا أقترب من الجاتوهات ونصحتنى بتذوق حاجة مالحة خفيف، قلت لفاتن حمامة: البعض يرفض المرأة فى منصب المحافظ، قالت: مهمة صعبة (عايزة حد بوليسى)، إنما فيه مليون حاجة تقدر تعملها. سألتها: هل توقعت مصافحة الرئيس السيسى لك؟ قالت: ماكنتش شايفة كويس، إنما اللى حولى قالوا (الريس بيتكلم عنك) كل اللى فاكراه فى اللحظة دى إنى قلت مش معقول مش معقول، ولقيت نفسى باقوم علشان أقابله (لقيته فاجأنى وجه).
قلت: هل رؤية الفن فى عيون الدولة اتحسنت؟ قالت: فعلا و(أيام السادات كانت كل الاحترام والحب، والمشاعر دى رجعت تانى).
■ قلت لفاتن حمامة: افتقدت أحمد رجب؟ قالت: كنت أفتح الجرنال على نص كلمة علشان ابتسم. (مانا خايفة أبص على الأخبار التقيلة، أتعكس)، قلت: هل تقرئين كل الصحف؟ قالت: أجيب وقت منين، غالباً ألقى نظرة على المانشيتات وبعدين حروف المطبعة صغرت أوى، ولو فيه مقالة مهمة ولازم أقراها، أجيب نور عالى وأتعب فى القراية، قلت: هناك على الفيس بوك آلية لتكبير الحروف الصغيرة، قالت: لا يربطنى بالتكنولوجيا أى رابطة ومستريحة جداً، قلت: هل تتابعين التوك شو؟ قالت ضاحكة: أكون نمت بدرى، أنا أصحو من نومى الخامسة صباحاً، وأحياناً السابعة (بالكتير أوى)، يعنى مليش فى السهر، قلت: هل تستخدمين الموبايل كثيراً؟ قالت: أفضل الاتصالات على التليفون الأرضى، قلت فضولا: كيف يمر وقتك؟ قالت: البيوت مسؤولية، قلت: هناك من يخدمون بيتك، قالت: أنا ست تهمنى كل صغيرة وكبيرة فى البيت، قلت: هل لك صداقات؟ قالت: محدودة، قلت: وأسفارك، قالت: قليلة، قلت: هل قمت بزيارة القناة الجديدة؟ قالت: أتمنى ولكن صعب، سألتها: كيف ترين السيسى؟ قالت: نبيه جداً وفاهم وله أعداء كتير، قلت: مم تخافين عليه؟ قالت: فى وقت من الأوقات كنت خايفة يحصل غرور، إنما اللى شايفاه إنه (بيستمع وعنده ذكاء ربنا يخليه لنا) قلت: ما أهم أوجاع مصر؟ قالت: آه كتر الخلفة ودى أكبر حاجة جايبانا ورا لو شفت فى التعداد كل دقيقة كام عيل، وبعدين كله عايز يتعلم وعايز ياكل ويشرب، لازم الناس يكون عندها وعى، دول أحياناً ميسجلوش الأولاد المواليد من باب الجهل وبالتالى انت بتضلل الأرقام.
■ خشيت على فاتن حمامة من الإرهاق، فأتى لها (وليد) مساعدها فى البيت، بشىء يشبه الفطائر المحشوة بالجبنة، تناولت واحدة وبدأت تمضغها والتقطت واحدة أخرى وأعطتها لى قائلة (دى مش مسكرة)، ثم قالت ضاحكة (انت بخلت بالجبنة) يا وليد!
قلت لها: كيف تستقبلين انقطاع الكهرباء؟ قالت: ببدائل؟ قلت: مولد كهربائى؟ قالت: لأ بمولد كهربائى اختراع الصين كشافات ومراوح بالشحن! وقالت فاتن: خد بالك إن المولد بيشتغل بالبنزين وبعد شوية مش حنلاقى البنزين.
قلت لها هل فى ذهنك معيار لنائب مجلس الشعب القادم، قالت: أن يكون محباً لمصر وعلى درجة كبيرة من الإخلاص وطاهر اليدين وفاهم قضايا البلد: الممكن والمتاح والمحال.
قلت لفاتن حمامة: ما مدى متابعتك للسياسة؟ قالت أتابعها كمواطنة مصرية مولودة فى المنصورة وأتابعها كفنانة. قلت: أسالك كمتابعة، ما الذى يصحح سمعة رجال الأعمال فى مصر؟ قالت: عيبنا نعمم الأشياء، «ناخد الوحش بالكويس» فيه رجال أعمال «شغلوا ناس وفتحوا بيوت» لازم نراعى ده وهناك مصانع ناجحة وراها رجال أعمال «فاهمين إدارة» ومن الظلم أن تتوقف لو كان فيه أخطاء «نحاسبه عليها مش ندبحه» ونعطيه فرصة يقوم من جديد وتشتغل «لأن مخه كمبيوتر». تشجيع الناس الشغيلة ضرورة. ولما يتقال كلام و(أغلبه كذب ما لم يحقق فيه) ما نجريش وراه، قصدى أقول لا تدينوا كل رجال الأعمال، فيهم من خدم البلد وفيهم مخربون، لكن مصر محتاجة لكل كفاءة وكل طاقة وما نصدقش كل كلمة لأن فيه كمية شر «بتفسد البلد».
طلبت فاتن فنجان قهوة. فسألتها: كم فنجان قهوة فى اليوم؟ قالت: فنجان واحد فى اليوم. قلت لها: بتشعرى بالجوع؟ قالت مؤكدة بطفولة: آه. قلت: إفطارك محدود؟ قالت: أكثر من محدود يكاد لا يذكر، والعشاء مبكر جداً، والغداء هو الوجبة الوحيدة «اللى الشهية مفتوحة لها» قلت: شهيتك للسفر؟ قالت: هى شهية للتغيير والروتين المعتاد. قلت وهى ترشف فنجان قهوتها: هل سجلت قصة حياتك؟ قالت: لأ. قلت: ومش ناوية؟ قالت: إطلاقاً. قلت لها «كان هناك مشروع للتصوير وكنت متحمسة له ويحكى للناس خبراتك»، قالت فاتن «كان فعل ماضى ما نسيبه فى حاله» وقالت فاتن دون أن أوجه لها سؤالاً: ثم إن حياتى دى بتاعتى أنا!
■ قلت لفاتن أولادك فى مسلسل وجه القمر نيللى كريم وغادة عادل؟
- قالت: المفاجأة مكنتش متوقعة لغادة، بس نجحت و«بقيت هايلة فيها رقة وطبيعية». قلت: ونيللى كريم؟ نيللى بداياتها كانت مبشرة وناجحة، قلت: كيف تم اختيارهم؟ قالت فاتن: فريق المسلسل اختارهم «نيلى وغادة وأحمد الفيشاوى» وأنا وافقت عليهم. قلت لفاتن: هل تضايقت من عنوان مسلسل إمبراطورية مين؟ قالت: ما اتضايقتش إنما ليه كان ممكن اسم تانى إنما «ميم ومين» يحصل لبس! قلت هل تفتقدين فى الإخراج السينمائى طاقة بحجم حسين كمال؟ قالت: كان مميزا فى لونه.
■ سألت فاتن حمامة: ماذا يثير أعصابك؟ قالت بسرعة ودون أن تفكر: الغباء. قلت: هل الغبى مسؤول عن غبائه أم هى صفة شخصية؟ قالت: غالباً يكون «جهل وتصميم على الرأى» قلت: أليس من الممكن أن يكون الجاهل ذكيا؟ قالت بحسم: مش شرط. قلت لها: ممكن الجاهل «يبقى لئيم»؟ قالت: ربما. قلت لها: كيف تقاومين الغباء؟ قالت: بازعق لأنى لا أتحمل الغباء.
■ قلت لفاتن حمامة: هل ينصف التاريخ بعض من لم ينصفهم الحاضر قاطعتنى برقة وقالت (بل ظلمهم الحاضر). ثم استطردت تقول بجدية شديدة: هل ننسى اللى افتتح قناة السويس الحاكم المصرى الخديو إسماعيل «اللى عمل أكتر الحاجات المتحضرة اللى فيها مصر، لم ينصفه التاريخ». واقدر أقول إن «اللى عمله لمصر، ينصفه». طلعت روايات تتهم الخديو بالسفه. احنا بنعرف - يا مفيد- قدر الناس بعدين! قلت لها: صداقاتك قليلة؟ قالت: بالعكس كتيرة أوى لكن قول للزمان ارجع يا زمان. لاحظ إن الصداقات دى «بتهدى» بحكم السن، الواحد لما بيوصل للسن الكبير، بتقل حركته وخروجه، لكن عارف إحنا محظوظين، قاطعتها: محظوظين؟! قالت: نعم، عندنا تليفزيونات تأتى بالعالم كله إليك فى البيت ومع ذلك التليفزيون «بعدنا عن بعض» زى اللى ما يشلش دماغه عن الكمبيوتر.. ثم صمتت فاتن ثوانى وقالت: «بتوع زمان كان تسليتهم الوحيدة الكوتشينة».
انتهزت فرصة صمتها ومدت يدها لفنجان الشاى الأخضر لتأخذ رشفة، فأهديتها كتابى لأنها من بين من كتبت عنهم من «أصدقاء العمر»، وقلت إننا لم نختلف سوى مرة واحدة حين قلت عن فيلمها «يوم حلو ويوم مر» أنه يوم مر ويوم أمَّر! يومها قالت لى: ظلمت الفيلم بعبارتك القصيرة، قلت لها: إن حجم القتامة كبير. قالت بهدوء: القتامة هنا مش فنطزية، إنما لها هدف فى الموضوع، قلت: الفن اختيار يا مدام فاتن، فقالت: «لكن الحياة ليست اختيارا» تضغطك أحيانا ثم تسعدك لحظات، وكأن الدنيا بتكافئك. يعنى القتامة والمعاناة هى الأيام المرَّة فى حياتنا. ثم أنت تقدر تعيش يوم حلو إزاى إذا ما جربتش يوم مر. أنت لا تستطيع أن تميز اللون الأبيض إلا باللون الأسود.
■ فرت فاتن صفحات الكتاب وتوقفت عند صورة تجمعنى بها فى احتفال صغير أنيق بعيد ميلادها الجوزائى داخل الأستديو أثناء تصوير مسلسل تليفزيونى. ثم جاءت إلى آخر صفحات الكتاب (نصيبى من الحياة) وقرأت آخر سطر بصوتها: الاستغناء هو القوة. وهزت رأسها وهى تهمس: صحيح!
فاتنيات
1- «أحب زمن الروقان»
2- «الذكاء نعمة من الخالق»
3- «لم أعرف الشعور بالخطر إلا عندما حكم الإخوان. كنت بادبر للخروج من بلدى».
4- «شباب الفن الجدد فيهم مواهب تذهلك».
5- «برد الشتا يحتمل عن حر الصيف».
6- «عارف إن عبدالوهاب من ظرفاء العصر..؟»
7- «الأستاذ جميل راتب، أخبار صحته إيه؟».
8- «أحيانا نفسى أقفل التليفزيون بسبب مشاهد القسوة المبالغ فيها».
9- «إحنا عاوزين نفرح شوية».
10- «أنا بحترم الست البسيطة اللى راحت البنك وشقيت واتطحنت وعاوزة تشارك بتحويشة العمر».
11- «باتمنى نفوق من الدوشة اللى إحنا فيها».
12- «فيه أحيانا كلمة تجرح».
13- «على طول لابسة نضارة نظر. ما أقدرش أستغنى عنها».
14- «جملة (أنا آسف) بقت قليلة فى المجتمع».
15- «انتهى زمن قهوة الجيران. النهارده كل واحد فى حاله».