x

المماليك الجدد

السبت 17-01-2015 23:41 | كتب: اخبار |
شكاوى المواطنين شكاوى المواطنين تصوير : آخرون

في عام 1805 توّلى «محمد على باشا» حكم مصر بناء على رغبة شعبية وتفويض من وجهاء البلاد آنذاك.. وآل على نفسه من اليوم الأول أن يؤسس لدولة حديثة قوامها العلم والمعرفة. وجد المؤسس الجديد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما إما الدولة وإما المماليك.. فقد كان المماليك آنذاك قوة لا يستهان بها.. كانوا مجموعات منظمة ولكل (جماعة) كبيرٌ.. يدينون له بالولاء، فلم يعرف المماليك يوماً الولاء لوطن، ولم يعرفوا أبداً الانتماء لدولة!!.. ولأن مؤسس الأسرة العلوية كان له حلم بتأسيس دولة حديثة فلم يتردد في القضاء على القوة المناوئة له في الحكم قضاء مُبرما، وحدثت مذبحة القلعة الشهيرة، وتفرغ بعدها لوضع أُسس دولة قوامها الانتماء للأرض وللوطن.. صحيح أن محمد على قد استطاع أن يقضى على المماليك كأفراد، ولكنه وللأسف لم يستطع أن يقضى على الفكرة!.. فلا يزال الفكر المملوكى يُعشش في نفوس وعقول كثير من المصريين.. الدولة كائن اعتبارى يتكون من المؤسسات والأفراد والجماعات والأحزاب والنقابات والهيئات، تجمعهم أرض واحدة ويظلهم علمٌ ينطوون تحت لوائه.. المماليك لا يعرفون ولا يعترفون بكل ما سبق، لأنهم لا يعرفون إلا الولاء لمن يُطعمهم ويُمولهم، أما من يدينون بدين الوطن فهم الذين يدافعون ويضحون من أجله، وهذا هو الفرق بين الوطنى والمملوكى!.. إن الحرب التي تخوضها الدولة الآن ضد المماليك الجدد ليست بالأمر المُستغرب، فالميراث المملوكى لدى المصريين له باع طويل في نفوسهم تمكن منهم وتملّكهم، وهذا ما يفسر سر تمسك البعض بما بقى من المشروع القديم للمماليك.. إنهم المماليك الجدد!!.. ربما يظنون أنه قد يعيد للأوطان الأمجاد الغابرة، ويتوه عنهم أن الأمجاد لا يمكن أن يصنعها مملوك.. فالمجد لا يصنعه إلا المالك الحُر المُستقل المُنزه عن أي هوى.. لا تزال الإشكالية التي واجهها محمد على قائمة حتى الآن، وها هي تُطل علينا بوجهها الحديث.. إشكالية الصراع بين فكرة ترسيخ دولة حديثة مؤسسة على الأساليب العلمية والمنهجية في اتخاذ القرار، وبين فكر مجموعة من الناس لا يريدون إلا السلطة، وما تضفيه عليهم من حماية وأمان، إنه الصراع بين فكرة المؤسسة وفكرة الجماعة.. الصراع لا يزال قائما وعلى أشده، وواجب علينا أن نشد من أزر الدولة.. الدولة النظامية، دولة المؤسسات وليست دولة الأفراد أو الجماعات، والتى من المؤكد أنها سوف تتحول سريعاً إلى دولة ميليشيات، وتلك- لعمرى- كارثة عظمى!!.. لا ينبغى على الدولة أن تتراجع عن المواجهة أياً كانت التضحيات! فمهما كانت التضحيات كبيرة فمن المؤكد أنها أقل بكثير من خسارة وطن عزّ على السنين أن تنال منه، وإن الخسارة لأهون كثيراً من الخسران!!

محمد عبدالفتاح السرورى

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية