أحب وأحترم الصحفيين الذين تبقى لكل واحد منهم قضيته الخاصة التي أبدا لا يتنازل أو ينشغل عنها.. لا ينساها وسط زحام الحياة وضغوطها وهمومها.. والصديق أشرف محمود واحد من هؤلاء، وقضيته طول الوقت كانت أندية الصعيد.. وقد يعرف الناس أشرف محمود كناقد رياضى له مكانته واحترامه ومعلق كروى هادئ ورصين ورئيس تحرير سابق لمجلة الأهرام العربى، وأحد الداعين طول الوقت والمدافعين عن الثقافة الرياضية.. لكن قضيته الأولى والدائمة وسط كل ذلك تبقى هي كل هذه الأندية الضائعة حقوقها والغائبة دوما عن بال الكثيرين في القاهرة، والتى تم تهميشها معظم الوقت مثلما تم تهميش الصعيد كله وكل ما ينتمى إليه أو يسكن هناك في الجنوب البعيد.. والآن وبعد أكثر من عشر سنوات من الإلحاح والمحاولة والعناد.. اقترب أشرف محمود من تحقيق حلم كبير بتأسيس رابطة لأندية الصعيد.. وبات هناك أكثر من ثمانين ناد صعيدى يريد الانضمام لتلك الرابطة.. وبدأ أبناء هذه الأندية يستعرضون معاناتهم وأهم حقوقهم الضائعة، وعقدوا اجتماعهم الأول في الأقصر، أمس.. وأخشى أن يتعامل الإعلام القاهرى مع كل ذلك بنفس المنهج القديم والدائم ليبقى كل ما هو صعيدى مجرد ديكور سياسى واجتماعى وإعلامى ورياضى أيضا.. وأنا شخصيا على الرغم من عدم انتمائى بالميلاد للصعيد فإننى أستأذن هذه الأندية في أن أكون معها وأحارب معها بمنتهى الصدق والاهتمام والاقتناع، احتراماً لكل ما يعنيه صعيد مصر وما قدمه لكل مصر من عطاء وبناء وإبداع وكبرياء.. لكننى في نفس الوقت أتمنى ألا يكون الهدف الحقيقى هو مجرد تغيير لوائح اتحاد الكرة، لضمان وجود أكثر من ناد صعيدى أو مقعد جديد في مجلس إدارة أي اتحاد رياضى أو بضعة شيكات لهذه الأندية لن تساعدها، مهما كانت قيمتها، في تغيير أي واقع جارح ومؤلم.. فالصعيد رياضيا يحتاج لتغيير الفكر والرؤية.. وقبل أي خطوة رياضية، لابد من دراسة اجتماعية واقتصادية وعلمية للصعيد كله.. دراسة تحدد بكل دقة كيف يمكن تغيير الواقع ليتحول الصعيد رياضيا إلى منجم ذهب وميداليات وبطولات وانتصارات بدلاً من أن يبقى عبئاً أحياناً وكماً مهملاً معظم الوقت.. فأبناء الصعيد حين جاءتهم الفرصة كشفوا عن طاقاتهم ومواهبهم وأصبحوا من أهم وأعظم الكتاب والشعراء والصحفيين والإعلاميين.. وحين نمنحهم نفس الفرصة رياضيا سنرى ونسعد بكل ما سيقدرون عليه.. كما أن الأمر ليس مجرد بحث عن بطولات وانتصارات.. إنما الأهم هو أن يلعب كل الصغار هناك كحق مشروع إنسانيا ودستوريا.. وإذا كانت وزيرة الداخلية الأمريكية قد قدمت مؤخرا رؤيتها للإعلام الأمريكى بأن مساعدة الصغار للعب، حتى قبل التعليم، هي الضمان الوحيد للانتصار على أي عنف وتطرف.. فالصعيد أيضا يستحق مثل هذه الرؤية.. ووقتها لن تبقى الرياضة في الصعيد مجرد أندية يتغير شكلها أو يتزايد عدد لاعبى الصعيد في أي منتخب أو ناد قاهرى.. وإنما قد تصبح الرياضة هي القاطرة التي تجر وراءها الصعيد كله اجتماعيا وثقافيا وإنشائيا وسياسيا أيضا.