x

أنور الهواري الأزهرُ والتشيع من شلتوت إلى الطيب أنور الهواري الجمعة 16-01-2015 21:27


الإمامُ الأكبر فضيلة الشيخ محمود شلتوت، ولد فى 1893م، وتوفى فى 1963م، وتولى مشيخة الأزهر 1958م، ونال عضوية هيئة كبار العلماء بالإجماع 1941م.

الإمامُ الأكبر فضيلة الدكتور أحمد الطيب، ولد فى 1946م، وتولى مشيخة الأزهر فى 2010م، وبين التاريخين تولى عمادة بعض الكليات، وترأس جامعة الأزهر، وشغل ولاية الإفتاء.

الزميلة العزيزة الأستاذة رانيا بدوى، سألت الدكتور الطيب هذا السؤال: «حذرتَ من خطر إيران على المنطقة بشأن نشر التشيع، فهل يرى الأزهر أن الشيعة أشد ضراوةً على الإسلام من داعش؟!».

الإمامُ الأكبر أجابها بهذا الجواب: «لا، لم نقل ذلك إطلاقاً، الشيعةُ إخوتُنا فى الإسلام، وهناك فتوى واضحة وشهيرة لشيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت، بشأن التقريب والوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة».

وأضاف الإمامُ الأكبر: «ونحنُ نعترض على أمور محددة: مثل سب أم المؤمنين عائشة- رضى الله عنها- وصحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذه الممارسات الرديئة لا تجد مواجهة على المستوى المطلوب حتى الآن».

وذكر الإمامُ الأكبر: «محاولات بعض القوى أو الجهات نشر المذهب الشيعى بين أهل السنة، بالإغراءات والأموال واستغلال حاجة الفقراء وعوزهم، وتقديم فرص تعليم وتوظيف وتوفير تدريب متخصص لبعض الشخصيات، لتشكل بؤرا للتشيع فى مصر وبعض البلدان العربية».

الزميلة العزيزة عادت وسألت فضيلة الإمام الأكبر هذا السؤال الأوضح: «وهل تخشى من تشيع مصر؟!».

وردّ الإمام الأكبر بهذا الجواب الواقعى: «أنا مؤمن أن هذا غير ممكن، وقد ينجح ذلك- فى أقصى تقدير- مع عدد قليل وغير مؤثر فعلياً».

ثم أضاف الإمامُ الأكبرُ: «وما أخشاه أن تكون محاولات نشر التشيع، فى أجواء الاحتقان والتوتر الحالية، سبباً فى تفجر صدامات وشقاقات تؤثر سلباً فى الاستقرار والتجانس، الذى يتسم به شعبُ مصر، فمثل هذه التحركات سوف تستفز تحركات أخرى، قد تتخذ طابع التطرف، ما قد يؤدى إلى الانزلاق إلى طريق غير مأمون».

ويصلُ الإمامُ الأكبر إلى بيت القصيد حين يقول: «إن محاولات زرع التشيع فى مصر هى- فى حقيقتها- محاولات خبيثة القصد، ولا أعتقد أن الدوافع وراءها هى حرية التمذهب كما يقولون، بل تظل من خلفها دوافع سياسية».

ثم عادت الزميلة وسألت الإمام الأكبر: «هل ترى أن صراعات داعش، والحوثيين فى اليمن، والأكراد والشيعة فى العراق، هى صراعٌ سنى- شيعى أم هى صراعٌ سياسى؟».

وقد أجاب الإمامُ الأكبر: «الصراعاتُ- فى المنطقة- يغلب عليها الطابع السياسى، ويتم استغلال الدين- فيها- كسلاح. وإضفاء الطابع الدينى على الصراعات السياسية يزيدها عنفاً وضراوة، ويصبح مشكلةً فى حد ذاته، حتى فى حالة قرار الأطراف السياسية بالتهدئة، لأن الصراع الدينى- حينئذ- تكون له مفاعيله الخاصة العصيّة على الاحتواء».

ويضيف الإمام الأكبر: «إن إطلاق التطرف الدينى- فى الحقيقة- هو سلاحٌ يعرف السياسيون كيف يستخدمونه، لكنهم لا يعرفون كيف يوقفونه».

نكتفى- اليوم- بهذا القدر من إضاءات شيخ الأزهر، وهى ذات عمق فلسفى هادئ الإيقاع، وبسيط العبارة، وواضح الإشارة، ومُصيب للهدف دون عنت ولا تقعر، يمكن لأن شيخ الأزهر ذو خلفية فلسفية، ويمكن لأنه زاهدٌ فى منصبه. وبصراحة أسجل له هدفين من أروع الأهداف: الهدف الأول، أن البعد الدينى- فى أى صراع- تكون له سياقاته الخاصة فى التطور والاستمرار. والهدف الثانى: أن أهل السياسة يمكنهم اللعب بورقة الدين فى السياسة، لكن يصعب عليهم التحكم فى نتائجها.

بعد عام واحد من ميلاد الإمام الأكبر الدكتور الطيب فى 1946م، تأسست فى القاهرة 1947م، «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية»، فى لحظة تاريخية يمكن توصيفها فيما يلى:

أولاً: نهضت فيه الحركات الوطنية- فى العالم الإسلامى وفى المشرق كله- للتحرر من الاستعمار الأوروبى. كانت فكرةُ التوحيد تأتى فى هذا الإطار الوطنى والقومى.

ثانياً: لم تكن بلادنا قد ابتليت بطاعون الحركات الإسلامية، وحتى ذاك الوقت كانت كل من جماعة الإخوان والجمعية الشرعية تعملان غير بعيد من هذا السياق الوطنى، لم تكن جماعة الإخوان قد بدأت تكشف عن جوهرها العنيف الذى عبر عنه «النظام الخاص»، أى الجناح العسكرى بها، وما انزلق إليه من موجة اغتيالات.

ثالثاً: لم تكن إسرائيل قد تأسست فى قلب العالم العربى الذى كُتب عليه أن يعيش تحت تهديد وتفوق عسكرى ونووى صهيونى لا يتورع عن أى جريمة فى سبيل الأمن والبقاء.

رابعاً: لم تكن نظرية ولاية الفقيه التى جاءت مع الثورة الإيرانية قد ظهرت، وكلتاهما- النظرية والثورة- خلقت واقعاً جديداً، ليس فى السياسة فقط، بل فى الخريطتين القومية؛ حيث التفوق الفارسى، والمذهبية؛ حيث الطموح الشيعى.

خامساً: لم تكن حقائق الوجود السنى- فى الإقليم- بمثل هذا الارتباك والتدهور، الذى تراجعت به قوى الاعتدال السنى، لتفسح الطريق لقوى التطرف الذى بلغ ذروته مع القاعدة، ثم النصرة، ثم داعش.

من شلتوت ودار التقريب بين المذاهب قبل أكثر من ستين عاماً، إلى الطيب ومحاولات التقريب فى قلب حقبة زمنية عاصفة، قصةُ أمة تحتاج إلى قراءة من جديد.

الحديثُ مستأنفٌ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية