لم أصدق الصورة التى بثتها وكالة «أسوشيتد برس» يوم الثلاثاء الماضى للرئيس التركى رجب طيب أدروجان يستقبل الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى قصر الرئاسة فى أنقرة، تصورت أنها صورة ملفقة ولكن المدهش أنها صورة حقيقية لحرس الشرف «الجمهورى» الجديد فى تركيا والمكون من 16 رجلاً يرتدون الأزياء العسكرية للولايات أو المحافظات الـ16 التى كانت فى زمن الإمبراطورية العثمانية.
كم كان الصحفى التركى المعارض على حق عندما وصف الصورة بأنها «سيرك عثمانى»، وسبقنى فى التعليق على الصورة بأنها من عالم فليللينى الذى يقوم على اعتبار الحياة سيركاً كبيرا. إنها صورة تلخص شخصية أردوجان، ففى كل سيرك هناك مهرج، وهو هنا المهرج بامتياز.
يعيش أردوجان فى الماضى العثمانى، كما تعيش إيران فى ظل حكم «الجمهورية» الإسلامية، وكأن الفتنة الكبرى وقعت بالأمس، والصراع على الخلافة فى ذروته، ولاحظ أن كلمة «الجمهورية» بين قوسين عن عمد، فالجمهورية نتاج الثورة الفرنسية، ولا علاقة لها بالإسلام السياسى من قريب أو بعيد، وجوهرها رفض الدولة الدينية، أى الحكم باسم أى دين.
وتأكيداً على الحياة فى الماضى، قام أردوجان ببناء قصر «جمهورى» جديد تكلف نحو مليار دولار أمريكى من ألف حجرة مثل القصور العثمانية، وهو القصر الذى يقف الحرس، السيرك، على سلالم مدخله، وقد كنت ربما الصحفى الوحيد الذى سخر من التمثيلية الرديئة التى قام بها أردوجان فى دافوس عندما غادر إحدى الندوات، احتجاجاً على منح رئيس إسرائيل بيريز مدة أطول من مدته فى الحديث بينما اعتبره كثر بطلاً قومياً، وبعد أيام تبين أنه تحدث مع بيريز بعد ذلك واعتذر له!
نعم، لقد تضاعف دخل الفرد فى تركيا فى ظل حكم حزب أردوجان، ولكن هذا بفضل دعم الغرب للإسلام السياسى ليعيش المسلمون فى عصور وسطى جديدة، وفى أحسن الأحوال لتصور أن هذا ما يريده المسلمون، وهى النظرية التى أسقطها الشعب المصرى فى 30 يونيو، ومن السذاجة تصور أن الاستثمارات التى تدفقت على تركيا أردوجان تنفصل عن عضوية تركيا فى حلف الناتو، والعلاقة الوثيقة التى تربطها مع إسرائيل إلى درجة التدريبات العسكرية المشتركة.
وآخر أخبار السيرك العثمانى أن ميزانية وزارة الشؤون الدينية حوالى مليارى دولار، وهى تعادل مجموع ميزانيات سبع وزارات أخرى منها البحث العلمى والاقتصاد والتنمية، وبينما تحتاج وزارة الصحة إلى تعيين 100 ألف طبيب، يعمل فى وزارة الشؤون الدينية 122 ألف إمام، ويستخدم وزيرها سيارة ثمنها 400 ألف دولار، وفى الأسبوع الماضى تم التحقيق مع نائب فى الحزب الحاكم لأنه وظف مئات من أقارب وزراء فى الحكومة، فقال فى التحقيق إن هذا ما نص عليه القرآن الكريم فى سورة النحل، وعندما اعترض مفتى البلاد على هذا الاستخدام للدين، أحيل إلى التحقيق!