x

سيرة الثائر جمال عبد الناصر في ميلاده الـ97

الخميس 15-01-2015 01:27 | كتب: ماهر حسن |
جمال عبد الناصر جمال عبد الناصر تصوير : آخرون

45 عامًا على رحيل الزعيم جمال عبدالناصر إلا أن سيرته تظل تتجدد كلما واجهت مصر تحديا جديدا.

ويظل عهد عبدالناصر مرحلة مفصلية في تاريخ مصر حيث يقاس عهد كل زعيم ليس من خلال نجاحه في إنجاز واحد أو أكثر وإنما من خلال منظومة عامة حققت نقلة في تاريخ مصر أم لم تحقق.

ففي عهد ناصر شهدنا اهتماما حقيقيا بالفقراء وتحققت نقلة تصنيعية بيع معظمها فيما عرف بمرحلة الخصخصة، وشهدنا نهضة ثقافية وفنية وكان لمصر شخصيتها تأثيرها وأهميتها من خلال قوتها الناعمة وتأثيرها السياسي في محيطها العربي والإفريقي وكانت ندا للغرب، وشهد التعليم طفرة أيضا.
اليوم يكون قد مر 97 عامًا على ميلاد عبدالناصر، الذي كان عمره عمره ٣٤ عاما، حين قاد ثورة ٢٣ يوليو 1952، ليحكم مصر بعدها ١٨ عاما، وتوفى وله من العمر ٥٢ عاما.

كما كان عبدالناصر رمزًا للتحرر الوطنى في دول العالم الثالث وملهما وداعما لأكثر من ثورة عربية.
وعبدالناصر ولد في ١٥ يناير ١٩١٨، في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية، وأبوه هو عبدالناصر حسين المولود في ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر، وكان يعمل في مصلحة البريد بالإسكندرية، والتحق بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة بين ١٩٢٣ و١٩٢٤.

في ١٩٢٥ التحق بمدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبة في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي ١٩٢٦ علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع، ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه، حسب وصفه.

وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية، وفي 1929 التحق بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي ١٩٣٠ لمدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية، بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك .

وفى تلك المدرسة تشكل وجدانه القومي، ففي ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣، فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور ليشارك في أول مظاهرة في حياته وجرح فيها بسبب ضرب البوليس للمتظاهرين بالعصي.

المدهش أنه بوازع وطني شارك في المظاهرة دون معرفة السبب ثم عرف أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة للاحتجاج على سياسة الحكومة.

وكانت تلك الفترة بالإسكندرية مرحلة تحول في حياة الطالب جمال من متظاهر إلى ثائر تأثر بحالة الغليان التي كانت تعانى منها مصر.
وقد ضاق المسؤولون بالمدرسة بنشاطه ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرةK وفيها التحق في ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.

وانكب يقرأ عن الشخصيات المؤثرة في التاريخ والصانعة له فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن «روسو» و«فولتير»، وكتب مقالة بعنوان «فولتير رجل الحرية» نشرها بمجلة المدرسة.

كما قرأ عن «نابليون» و«الإسكندر» و«يوليوس قيصر»، و«غاندى»، وقرأ رواية البؤساء لـ«فيكتور هيوجو»، وقصة مدينتين لـ«شارلز ديكنز»، كما كان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح، التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني حتى أنه في ١٩٣٥ وفي حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب وهو طالب دور «يوليوس قيصر» في مسرحية «شكسبير».

وشهد عام ١٩٣٥ نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال، ويرسل عبدالناصر خطابا في ٤ سبتمبر ١٩٣٥ يقول: «لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم».

ويتساءل: «أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعب بوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلب الاستقلال والحرية؟».

وبعد ذلك بشهرين وفور صدور تصريح صمويل هور، وزير الخارجية البريطانية، في ٩ نوفمبر ١٩٣5، معلناً رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبدالناصر في ١٣ نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس.

وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. ( جريدة الجهاد ١٩٣٥).

وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في ١٢ ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.
كان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبدالناصر في هذه الفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجع ناظر المدرسة في قراره.
وبدأت السياسة تستولي على اهتمامه وتفكيره ووقته، وأخذ يتنقل بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئاً.

كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أياً منها: «فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية».

واتسعت دائرة اهتمامه لتشمل الهم العربي فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجاً على وعد «بلفور» الذي منحت به بريطانيا لليهود وطناً في فلسطين.

ولما أتم دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، حيث أيقن أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني وتقدم إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه لا يملك واسطة.

جمال عبد الناصر

ولما رفضته الكلية الحربية، تقدم في أكتوبر ١٩٣٦ لكلية الحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦.
واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري، الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية في مارس ١٩٣٧.

ووضع أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو أن «يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً»، وفعلاً أصبح «رئيس فريق»، وأسندت إليه منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبدالحكيم عامر.
وتخرج من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً، أي في يوليه ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كافي من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.

جمال عبد الناصر

وقد انكب على كتب مكتبة الكلية الحربية مهتما بالشخصيات التاريخية وسير عظماء التاريخ مثل بونابرت والإسكندر وجاليباردى وبسمارك ومصطفى كمال أتاتورك وتشرشل، والكتب التي تعالج شؤون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي على البحر المتوسط والتاريخ العسكري.
وفور تخرجه التحق بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وهناك وقف على أوضاع الفلاحين وبؤسهم، والتقى بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.

وفى ١٩٣٩ طلب نقله إلى السودان، وخدم في الخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل عبدالحكيم عامر، وفى مايو ١٩٤٠ رقى إلى رتبة الملازم أول وهناك أيضا أصيب ورفاقه بخيبة أمل فقد كان معظم الضباط «عديمي الكفاءة وفاسدين»، وكتب لصديقه حسن النشار في ١٩٤١ من جبل الأولياء بالسودان: «على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي إني دُغرى لا أعرف التملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسح بالأذيال».

وفى نهاية عام ١٩٤١ بينما كان روميل يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبدالناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين ويقول عن هذه الفترة: «رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخاً تاماً، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين أشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة».

ورقى إلى رتبة اليوزباشى نقيب في ٩ سبتمبر ١٩٤٢، وفى ٧ فبراير ١٩٤٣ عين مدرساً بالكلية الحربية، وأخذ يعد العدة للالتحاق بمدرسة أركان حرب وفى ٢٩ يونيه ١٩٤٤ تزوج عبدالناصر من تحية محمد كاظم، ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبدالحميد وعبدالحكيم.

جمال عبد الناصر

ولعبت تحية دوراً هاماً في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة هدى ومنى عندما كان في حرب فلسطين، كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في ١٩٥١، ١٩٥٢.
،شهد عام ١٩٤٥ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، وتوفرت الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم، عقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر ١٩٤٧، وعقد الضباط الأحرار اجتماعاً واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية.

واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين، وفى اليوم التالي ذهب جمال عبدالناصر إلى مفتى فلسطين الذي كان لاجئاً يقيم في مصر الجديدة فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها. وقد أجابه المفتى بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية.

وبعد بضعة أيام رفض العرض فتقدم بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسمياً بالاشتراك في الحرب، فسافر جمال إلى فلسطين في ١٦ مايو ١٩٤٨، بعد أن كان قد رقى إلى رتبة صاغ (رائد) في أوائل عام ١٩٤٨.
وكان لتجربة حرب فلسطين آثاراً كبيرة عليه فلم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة.

وتلقى الأوامر بأن يقود قوة من كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان التي كان الإسرائيليون يهاجمونها، ونشرت تحركاتهم كاملة في صحف القاهرة، ثم كان حصار الفالوجا الذي عاش معاركه، وظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيراً من ناحية العدد حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة في ٢٤ فبراير ١٩٤٩.
وقد جرح جمال عبدالناصر مرتين أثناء حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى، ونظراً للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة فإنه منح نيشان «النجمة العسكرية» في عام ١٩٤٩.

وبعد رجوعه إلى القاهرة أصبح واثقاً أن المعركة الحقيقية هي في مصر، وقد كان في نيته القيام بالثورة في ١٩٥٥، لكن الحوادث أملت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير وكان بعد عودته من فلسطين، حيث عين جمال عبدالناصر مدرساً في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في ١٢ مايو ١٩٤٨.

وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبدالناصر، وتضم كمال الدين حسين وعبدالحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبداللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد.
وفى ٨ مايو ١٩٥١ رقى جمال عبدالناصر إلى رتبة البكباشى (مقدم) وفى نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سراً في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية ١٩٥٢، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.

الرئيس الراحل جمال عبد الناصر

وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام ١٩٥٢ اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد.

وبالفعل بدأوا باللواء حسين سرى عامر، أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر، إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها عبدالناصر.

ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار التي كانت تطبع وتوزع سراً. والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلاً من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات.

كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين. وفى تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفدثم حدث حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢ بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجاً على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قتل فيها ٤٦ شرطياً وجرح ٧٢.

ولقد أشعلت الحرائق في القاهرة ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت ١٢ ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر ٢٢ مليون جنيهاً.ثم كانت انتخابات نادي الضباط والتي شهدت مواجهة بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش.

وكان الملك رشح اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرئاسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصياً، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، وكل هذه الأحداث المتتابعة عجلت بثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ والتي كللت بالنجاح وكانت ثورة بيضاء .
وبعد نجاح الثورة قدم الضباط محمد نجيب على أنه قائد الثورة، إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبدالناصر حتى ٢٥ أغسطس ١٩٥٢، عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبدالناصر.

وعقب نجاح الثورة بثلاثة أيام – أي في ٢٦ يوليو – أجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد.
وفى اليوم التالي أعيد انتخاب جمال عبدالناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.
وفى ١٨ يونيه ١٩٥٣ صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ ٧ سبتمبر ١٩٥٢، أما جمال عبدالناصر فقد تولى أول منصب عام كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية.

وفى الشهر التالي ترك جمال عبدالناصر منصب وزير الداخلية – الذي تولاه زكريا محيى الدين – واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء، وفى فبراير ١٩٥٤ استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبدالناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء ثم قبل مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في ٢٧ فبراير ١٩٥٤.

ثم بدأت بعد ذلك أحداث الشغب التي دبرتها جماعة الإخوان المسلمين التي أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً مسبقاً بحلها في ١٤ يناير ١٩٥٤، (قرار المجلس بحل جماعة الإخوان المسلمين) وفى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبدالناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبدالناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤.

وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم، وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبدالناصر .

وفى ٢٤ يونيو ١٩٥٦ انتخب جمال عبدالناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ ـ أول دستور للثورة وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبدالناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١ وظل جمال عبدالناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة حتى رحل في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.

الرئيس الراحل جمال عبد الناصر

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية