x

عبد الرحيم كمال الغابة تبرر الفريسة عبد الرحيم كمال الأربعاء 14-01-2015 21:08


حينما تكون الغابة بعد كل سنوات الحضارة تلك هى المحصلة التى وصل إليها كوكب الأرض، العالم الذى أصبح قرية صغيرة يجلس فيها عمدة ظالم، وإن استبدل المنضرة ببيت أبيض واستبدل العصا بحاملات للطائرات وإلى جواره شيخ البلد ذو الكرش الواسع يهرش فى شيبته ويفشل فى التنكر حتى لو سمّى نفسه الاتحاد الأوروبى بينما شيخ الخفر يقف قريبا من الكنبة، عين على كنبة العمدة وعين أخرى على الخفر وتشتته الدائم يمنعه من توصيف وتعريف نفسه التعريف الصحيح، لكنه فى النهاية جزء من القرية الصغيرة مهما كان اسمه (أستراليا) أو( بريطانيا ) أو حتى (روسيا) عند الغضب، بينما توسط المنضرة لص معروف ومجرم عريق وقاتل محترف وأحد المنحرفين الأشرار معزوم فى المنضرة ويجالس العمدة ويأكل على مائدته ويتلقى الترحيب البالغ وهو يضع ساقا على ساق فى وجه القرية، بأكملها وقد نسى أنه لص وتسمى باسم جديد هو إسرائيل.

لم يتغير شىء، العالم كما هو منذ أن كان غابة حتى تقزم وصار قرية صغيرة تحمل نفس سمات الغابة، ولما كان لكل غابة فريسة وكانت الفريسة دائما هى التى تعطى للغابة صفتها وطبيعتها الخالدة وكان هناك فى مجلس العمدة فرائس عديدة تختلف عنواينها كل ليلة عند السمر والطعام، ويتشدق اللص القاتل ويتفاخر بقدرته على قمع الفريسة التى يسميها العرب بفلسطين ويضحك شيخ البلد المنافق ويتبعه شيخ الخفر والخفراء بالضحك الصفيق المتواصل وهم يرددون الأعداد التى استطاع أن يقتلها المجرم فى ليلة واحدة، وحينما يتعبون من الضحك والعد يرسل العمدة بالخفر ليعتلوا مئذنة الجامع الكبير ويرددوا فوقه أن اللص مظلوم والمسروق المقتول هو المتوحش الهمجى سيئ الخلق الذى يهدد البلاد والعباد، بينما العوام من أهل القرية مشغولون بالمنادين فوق المآذن مبهورين بتنغيم أصواتهم وملابسهم البراقة، ومهما اختلف العامة فى توصيفهم ومهما اختلفت أسماؤهم عبر العصور فى القرية فسيعرفون فى نسخة القرية الحديثة باسم الإعلام، الإعلام الذى يتحكم فى تمويله اللص القاتل بالأموال التى يسرقها كل ليلة من الفريسة ورغم أن القرية بها بعض العوام الأغنياء لكنهم مشغولون دوما بالحفاظ على بيوتهم المرفهة والبنزينة التى نصبوها على أطراف القرية تمد القرية بالوقود تحت حماية الغفر، وحتى يضمن العمدة العجيب أمان قريته يسلط البلطجية يوميا على بيوت القرية يتحرشون بالناس فى الشوارع ويهددون بتدمير البنزينة، ويمنحهم العمدة جلابيب فضفاضة ولحى مستعارة ليظن الناس أنهم بلطجية متدينون يريدون الحرق والتدمير بهدف الإيمان فيرتعب الأغنياء على بنزينتهم ويرتعب الفقراء على فقرائهم ويرتعب المتدينون الحقيقيون على دينهم أيضا ويضحك العمدة ويحتضن اللص القاتل ويتبعهم فى الضحك شيخ البلد المنافق وشيخ الخفر والخفر بالتتابع.

وحينما يظن أحد البلطجية أنه قوى فى ذاته وعليه أن يتحرر من سطوة أسياده وأنه أحق منهم بالتمتع بطعام المنضرة ويمد عينه ويده وقدمه إلى أحد من المنضرة فيضربه حتى يقول لكل القرية أنا هنا، تقوم القرية ولا تقعد ويزمجر العمدة فيدفع الأغنياء إتاوات أكبر ويصعد الخفراء إلى المئذنة يعلنون اعتذار وأسف أهل القرية جميعا عما حدث، ويبكى اللص من التأثر فقد جرحت مشاعره الرقيقة ويصرخ شيخ البلد منددا بوقاحة أهل القرية أجمعين ناكرى الجميل سيئى الخلق أعداء الحرية القتلة اللصوص، وتصدر الأوامر للخفر باقتحام بيوت كثيرة، بيوت يسكنها البلطجية الذين صنعوهم وبيوت أخرى يسكنها ناس عاديون ويتم التنكيل بهم فى ساحة القرية أمام الجميع، ويقرر العمدة أن يخرج فى وقت معلوم ذات ظهيرة وهو يتأبط فى صف طويل ذراع اللص وذراع شيخ البلد، وشيخ البلد يتأبط ذراع شيخ الخفر، والخفراء يتأبط كل واحد منهم ذراع غنى من الأغنياء أصحاب البنزينة وينضم إلى الصف الأول أصحاب المقامات الرفيعة والمهن المشهورة من جزار إلى إرهابى متقاعد إلى إرهابى عامل إلى قاتل محترف أو قواد بالقطعة فى طابور مهيب، ويرفع الجميع أيديهم فى شرف ونبل وهم ينددون بالبلطجية الإرهابيين الذين أفسدوا قريتهم الصغيرة القرية التى عادت بفضل حضارتهم مرة أخرى إلى غابة والغابة تبرر الفريسة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية