x

أنور الهواري التقريبُ بين الشيعة والسَُنة أنور الهواري الأربعاء 14-01-2015 21:14


خيرُ تقريب بين الشيعة والسنة هو أن يبقى الشيعةُ شيعةً، وأن يبقى السنةُ سُنَةً، مع إيمان هؤلاء وأولئك بحق كل فريق فى الاجتهاد- فى إطار قواعد الاجتهاد لدى كل فريق- دون أن يصل الخلافُ فى الرأى إلى القطيعة، ثم الاقتتال.

نشأ الخلافُ الجوهرى- ولايزالُ- بين الفريقين، حول قضية الإمامة أو الخلافة بعد وفاة رسول الله [ص]، هل هى من الأمور التى تُفوَّضُ إلى الأمة، وتُترك إلى جمهور الناس، ليكون لهم حق اختيار الحاكم، ومن ثم يكون لهم حق عزله، ويكون لهم حق محاسبته، ويكون لهم حق تحديد صلاحياته؟!

هذا ما ذهب إليه فقهُ أهل السنة. بينما ذهب الشيعةُ- كما يقول- ابنُ خلدون فى الفصل السابع والعشرين من الكتاب الأول من الباب الثالث من «المقدمة»، تحت عنوان: «فى مذاهب الشيعة فى حُكم الإمامة» يقولُ:

«ومذهبهم جميعاً مُتفقين عليه أن الإمامة لبست من المصالح العامة التى تُفوّضُ إلى نظر الأمة، ولا يتعين القائمُ بها بتعيينهم [أى لا يتعين فى منصب الإمامة باختيار الناس]، بل هى رُكنُ الدين، وقاعدةُ الإسلام، ولا يجوز لنبى إغفالُه أو تفويضُه إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوماً من الكبائر والصغائر».

على هذا الأساس- وعلى خلاف أهل السنة- يعتقد الشيعةُ كما يقول ابن خلدون: «أن عليَّاً- رضى الله عنه- هو الذى عيّنه صلواتُ الله وسلامُه عليه، بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم، لا يعرفُها جهابذةُ السنة، ولا نَقلةُ الشريعة، بل أكثرها موضوعٌ أو مطعونٌ فى طريقه، أو بعيدٌ عن تأويلاتهم الفاسدة». انتهى الاقتباس من ابن خلدون.

هذا الكلامُ من ابن خلدون هو أوجز وأحكمُ تعبيراً من أهل السنة- قديماً وحديثاً- فى تقديرهم للشيعة، فهو يرفض موقفهم، مع اعتبارهم من أهل الإسلام والإيمان، دون إشارة من قريب أو من بعيد تكفّرهم أو تقدح فى دينهم، بما فى ذلك الغلاة منهم.

فى كتابه «الشيعةُ فى الميزان» يدافع «محمد جواد مغنية»- وهو من رموز الاعتدال فى الفقه الشيعى- عن عقائد الشيعة فى عمومها، وعن عقائدهم فى مسائل الإمامة والخلافة على وجه الخصوص، فيقول:

«إن الشيعة لا يقرون ولا يعترفون بشىء مما قيل عن عقيدتهم، إذا لم تتفق مع ما جاء فى الكتب المعتبرة عندهم، سواء كان القائلُ مستشرقاً أو عربياً، سنياً أو شيعياً، متقدماً أو متأخراً» هذا فى دفاعه عن عقائد الشيعة فى عمومها.

وفى دفاعه عن عقائدهم فى مسائل الإمامة والخلافة- عند الشيعة- يقول:

«إن التشيع فى حقيقته وجوهره يتلخص بهذه الكلمة، وهى الإيمان بأن الإمام المنصوص عليه يتولى الحكم، ويحكم بإرادة الله، لا بإرادة الناس، وقد أنكر السُّنةُ عليهم ذلك، وبالغوا فى الإنكار، حتى قال بعضُ المؤلفين: إن هذه العقيدة نزعة فارسية استقاها الشيعةُ من الفُرس. ونُجيبُ بأنها إسلاميةٌ بحتٌ، لا شائبة فيها لغير الإسلام، وقد أُخذت من كتاب الله وسنة نبيه». انتهى الاقتباس من محمد جواد مغنية فى دفاعه عن عقائد الشيعة.

تأسيساً على ما سبق، أفهمُ دعوة التقريب التى أطلقها فضيلةُ الإمام الأكبر شيخُ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وهو يستقبلُ حيدر السيد حيدر العبادى، رئيس وزراء العراق، وللأزهر وعلمائه تراثٌ مشكورٌ فى التقريب بين المذاهب الإسلامية، سوف نتناولها فى مقالات لاحقة بإذن الله.. أفهم هذه الدعوة وهذا اللقاء فى إطار سياسى- ليس دينياً ولا عقائدياً ولا فقهياً- لسبب بسيط، هو أن جوهر الصراع الشيعى- السنى فى الشرق الأوسط هو الآن لا يدور حول اجتهادات دينية من أى نوع، لكن يدور حول النفوذ والسيطرة والغلبة السياسية للشيعة على حساب السنة. هذا الصراع وصل إلى مستويات غير مسبوقة مع غزو الأمريكان للعراق 2003م، برضا من إيران، وبتعاون من مراجع الشيعة فى العراق، وبتأييد من قوى عراقية شيعية، منها العلمانى ومنها المتدين. الغزو الأمريكى للعراق كسر آخر نقاط التوازن بين الشيعة والسنة فى العالم العربى، وفتح الأبواب- على أوسع ما يكون- أمام حقبة من الهيمنة الشيعية فى المشرق العربى كله، وصلت إلى درجة أنها تحاصر الإسلام السنى فى معاقله من كل جانب. هذا الحصار الشيعى- مع عوامل أخرى- دفع فى اتجاه تطرف سنى غير مسبوق عبّر عن نفسه فى ظهور العديد من التنظيمات السنية المتطرفة والمسلحة، والتى تهدد أمن الإقليم بأكمله، وعلى سبيل المثال، فإن «داعش» فى أول ظهورها اكتسبت بعض التعاطف، على أساس أنها قوة سُنية، جاءت لتقف فى وجه التطرف الشيعى الذى كان يعبر عنه رئيس الوزراء العراقى السابق نورى المالكى.

أتفهم أن يكون دور الأزهر رسالة رمزية تعبر عن اعتدال السياسة المصرية، وتعبر عن نوايا مصر الحسنة تجاه العراق الشقيق، وتعبر عن وجود سُنى معتدل لا يترك ساحة العراق للطرفين الشيعى والسنى، وهذا يكفى الأزهر ويزيد، وفضيلةُ الإمام الأكبر مؤهلُ بموقعه وبعلمه وباعتداله وبثقافته لأن يكون له- وللأزهر ولمصر- دور كبير فى لجم نزوات التطرف التى تكاد تعصف بالإقليم.

لكن تبقى مُعضلةُ التشيع الكبرى فى ارتباطه العضوى- فى هذه اللحظة- بالمطامح والمطامع الفارسية فى الإقليم، هذا الطموح القومى الفارسى يطيرُ على أجنحة التشيع الثورى، فى العراق، وفى سوريا، وفى لبنان، وفى غزة، وفى اليمن، وفى السودان. هذا المشروع القومى الفارسى يكاد يحاصر الإسلام السنى- فى الجزيرة العربية والخليج- من كل الجهات، فى لحظات ليست هى الأفضل للملكة العربية السعودية، التى بات عليها أن تتحمل أكبر مقدار من الضغوط باعتبارها المعقل السنى الأكبر فى المشرق العربى [الجزيرة والخليج والهلال الخصيب]، خاصة بعد سقوط سنة العراق من معادلة القوة لصالح الشيعة فيها، خاصة مع ظهور مشروع سنى آخر يحظى بالدعم الأمريكى، ويلتحفُ بالمجد العثمانى القديم ليخدم مطامح قومية تركية، لا تخفى غرائزها التائقة للسيطرة والهيمنة.

خلاصةُ الكلام: مسألة الشيعة والسنة ليست باباً من أبواب الاجتهاد أو الخلاف أو التعصب المذهبى أو الطائفى.. بل هى مسألة سياسية- بالدرجة الأولى- أى هى صراع قوميات ومصالح ومطامح ومطامع للنفوذ والسيطرة فى هذا الإقليم العجيب...!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية