x

رامي جلال «فتوات» فضائية وقنوات مرارية رامي جلال الثلاثاء 13-01-2015 21:35


المثقف هو إنسان يعرف شيئاً ما عن معظم الأشياء، بينما المتخصص هو شخص يعرف معظم الأشياء عن شىء ما. ولا تعارض بين أن يكون هناك مثقف ومتخصص فى الوقت ذاته، وهذا مطلوب ومحبب. ولكن المشكلة تحدث حينما يكون المتخصص غير مثقف، فينحصر تفكيره فى منطقة معينة ويرفض البحث عن أى فكرة من مجال آخر.

قابلت متخصصين، أو مدعى تخصص، فى الإعلام والصحافة، يلتبس عليهم الأمر فيما يخص الحياد والموضوعية، فيعيشون وهم الترادف بين المصطلحين، ويدافعون عن الأمر بشكل يشعرك بأنهم فاهمون، بينما الحقيقة أنهم متخصصون ضعيفون وغير مثقفين، فمعاملة الحياد والموضوعية كونهما شيئاً واحداً هى جريمة يعاقب عليها الضمير المهنى، فبين المصطلحين تماسات كثيرة، لكنهما ليسا شيئاً واحداً. الحياد لغوياً هو الوقوف على مسافة متساوية من جميع الأطراف وعدم الميل لأحدهما على حساب الآخر، الكلمة تحمل فى طياتها إمكانية المساواة الكاملة بين الضدين!

وكما علمنا أساتذتنا من الخبراء الإعلاميين الحقيقيين، فإن الحياد وسيلة من خمس وسائل لتحقيق الموضوعية، التى هى الغاية الكبرى للإعلام (الوسائل الأربع الأخرى هى الدقة «نقل الخبر كما جاء من المصدر»- والإنصاف «عدم إلحاق ضرر بأى ممن تشملهم القصة الخبرية»- والتوازن «عكس الوزن النسبى الصحيح لأطراف الخبر»- والعمق «إيراد سياق الخبر وخلفيته»). وكلما حققنا الوسائل الخمس بنسبة أكبر حصلنا على درجة أعلى من الموضوعية (فهى قيمة لا يمكن إدراكها بالكامل).

وكل ما سبق، وسيلة كان أو غاية، لابد أن يتحقق فى التغطية الخبرية، أما إعلام الرأى فلا يلزمه بالضرورة الالتزام بذلك. ولهذا فمن قبيل النكتة مكتملة الأركان أن نُطالب وسائل الإعلام الخاصة- القنوات الفضائية غير المملوكة للدولة مثلاً- بأن تكون حيادية فى إبداء رأيها! وهذا عبث، فلكل شخص أجندته الخاصة ولابد أن ينفذها، ولكن المطلوب منها فقط هو الموضوعية والإعلان عن توجهاتها بوضوح. أما غياب الحياد فهو طبيعى ومطلوب (لأن إبداء الرأى يتطلب بالضرورة الانحياز)، لكن الأزمة تحدث حين تختل الوسائل الخمس السابق ذكرها، فتغيب الموضوعية وتنفجر شرايين مخ المشاهد الفاهم أو قناة مرارة المشاهد الصبور.

غياب الموضوعية يحول الـقنوات إلى «فتوات» تريد خفض «الصوت» وإعلاء «السوط» لفرض الرأى بالقوة، ويكتسى الجميع باللون الأصفر البراق! وذلك كله طبعاً فى غياب كفة الميزان الأخرى وهى الإعلام العام المملوك للشعب.

الحياد والموضوعية ليسا شيئاً واحداً، الأول وسيلة والثانية غاية، الأول عكسه الانحياز، والثانية عكسها الذاتية. أرجو عزيزى القارئ أن تقرأ مقالى بموضوعية، وهى تستلزم الحيادية، بينما الحيادية لا تستلزم الموضوعية. فاهمنى ولا لأ؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية