على مدار عام 2003 أجرى الصحفى سعيد شعيب فى جريدة العربى الناصرى عدة حوارات عميقة مع عدة شخصيات، وقد حققت تلك الحوارات نجاحا كبيرا نظرا لطبيعة الأسئلة التى أظهرت جهدا بحثيا من ناحية، ولطبيعة الإجابات التى أدلت بها الشخصيات من ناحية أخرى والتى تميزت بالصدق واعتمدت على منطق واضح.
وساعدت هذه العوامل على إصدار الحوارات فى كتاب صدر عن مكتبة مدبولى عام 2006 بعنوان «مصر رايحة على فين»، وكنت قد كتبت عن هذا الكتاب- بشكل عام- حين صدوره.
كان الحوار مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، القيادى الإخوانى المعروف، والمنتمى لجيل السبعينيات، حوارا لافتا للنظر وداعيا إلى «مصالحة وطنية» وإن كان لم يستخدم ذلك المصطلح بشكل مباشر. ومنذ أن قرأت ذلك الحوار بدأت أتابع مواقف الرجل عن كثب عبر قراءة ما كان ينشره من مقالات (وإن كانت قليلة) وعبر تصريحاته للصحف فى الأزمات، سواء الحقيقية أو المفتعلة.
وقد ظهر فعليا أنه يستخدم منطقا لا ينهل من أى خطاب غوغائى، منطقا نابعا من أرضية إسلامية ومن فهم رصين لمعنى الأيديولوجية التى يعتنقها، والأهم أن منطقه يسمح بالاختلاف، أى أن المنطق يترك مساحات تسمح بظهور آراء أخرى مخالفة، منطق الدكتور أبو الفتوح ليس مغلقا مصمتا، كما أنه ليس متعاليا كالعديد من الخطابات السياسية التى تقدم نفسها بوصفها عنوانا للحقيقة الوحيدة. المفارقة أن الحوار الذى أشير إليه يؤكد فى كلمة على أهمية فكرة «الحوار» ونبذ فكرة العنف، إلا أن الوضع الآن يبدو وكأنه لا يسمح بأى شبهة حوار.
احتلت مسألة الإبداع ومصادرة الأعمال الإبداعية مساحة كبيرة من الحوار بين أبو الفتوح وسعيد شعيب، فقد كان هناك ضجة حول كتاب الشاعر أحمد الشهاوى «الوصايا فى عشق النساء» الذى نشر فى مكتبة الأسرة فى ذلك الوقت.
تبنى الدكتور أبو الفتوح المنطق القائل بعدم نشر أعمال خلافية فى مؤسسات الدولة المدعومة، وفى إجابته عن السؤال المتعلق برأيه فيما قيل عن أن هناك «فسق» و«فجور» فى تلك الأعمال أجاب: «أنا ضد هذا تماما، فلا يجوز وأنا أختلف معك أن أستخدم هذه التعبيرات، فهذا مرفوض وأعتبره إرهابا، ولو كنت موضوعيا ورأيت أن رأيك خطأ أرد بمنتهى الأدب، فاستخدام هذه التعبيرات سفالة وقلة أدب، لا أحد منا يملك مفتاح الجنة سواء كان من الإخوان أو حتى شيخ الأزهر، ولعل من قيل أنه فاسق وفاجر يكون أرضى عند الله سبحانه وتعالى من الذين اتهموه ومنى ومن كثير من الناس، وربما من اتهموه يكونون أشد فسقا والله أعلم، فبأى حق نتهم الناس؟»
وفى نهاية الجزء الخاص بالإبداع لخص الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رأيه فى المسألة برمتها مرة أخرى، فقال: «لا سبيل إلا الحوار وأنا كما قلت ضد المصادرة والمنع وفى نفس الوقت لا يمكننى أن أمنع أحدا من أن يلجأ إلى القضاء ضده إذا قام بعمل إجرائى لنشر فكره الإلحادى، لأن البديل سيكون القتل والعنف وإذا كنت أقول القضاء فذلك دون الاعتداء عليه باللفظ أو الإهانة أو..أو..، لأن هذا كله ليس من أخلاق الإسلام». أما فى السؤال المتعلق بما سمى «الأدب الإسلامى» وإن كان «من يكتب خارج هذا التعريف يصبح كافرا» بكلمات سعيد شعيب، فقد أجاب أبو الفتوح: «هو مثل مصطلح الاقتصاد الإسلامى، بل وصل الأمر إلى أن واحدا كان يبيع أمام مسجد ويقول هذا (عسل إسلامى)..
مسألة صبغ أو إطلاق اسم إسلامى على بعض العلوم كان نتيجة لحالة الطغيان الاستعمارى التى عانى منها العالم الإسلامى، وكان رد فعل فى مواجهة تطرف. وأنا لا أعرف ماذا يعنى الأدب الإسلامى؟! فهل لو كتب الشيخ محمد الغزالى قصة تصبح إسلامية ولو كتب مثلا جوزيف قصة ستكون غير إسلامية؟!»
كانت هذه بعض الآراء التى تبناها الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وللأسف الشديد هو رهن الاعتقال الآن ويتم علاجه فى مستشفى قصر العينى (تحت حراسة مكثفة). لماذا يتم إهدار هذه المساحات المستنيرة ولماذا لا يلتفت إليها، رغم أن الدعوة للحوار قائمة.. قد يأتى اليوم الذى نشهد فيه الحوار بدلا من الاعتقال، والنقاش بدلا من العنف، وسيادة المنطق الهادئ بدلا من الضجيج الغوغائى.