مرت حوالى 14 سنة منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب في عهد جورج بوش الأبن بعد احداث 11 سبتمبر، أعطت أمريكا لنفسها الحق أن تكون شرطى العالم الذي يبيح لنفسه التجسس والمداهمة والقتل واختراق المجال الدولى للدول بحثاعن الإرهابين المجرمين، لتضرب وبقوة كل بؤرالإرهاب، حاربت في افغانستان وغزت ودمرت العراق والنتيجة دمار بلا انتصار... فهى لا تريد للمعركة أن تنتهي.
بسبب هجمات سبتمبر، صدرت في امريكا قوانين مقيدة للحريات، وسمح بتعذيب المعتقلين تحت رعاية وكالة الاستخبارات الامريكية ،نجحوافى قتل أسامة بن لادن بدلا من اعتقاله ،انفقت الإدارة الأمريكية مليارات الدولارات في حربها على الإرهاب ومثلها لتمديد عمر الإرهاب، فالنظام العالمى الجديد الذي أسسته لايمكنه الاستمرار بدون إرهاب، فهو جزء أصيل فيه كما ذكر المفكر الفرنسى جان بودريارد في كتابه المهم «روح الإرهاب» ،ببساطة القضاء على الإرهاب معناه انهيار النظام العالمى الفاسد .
وجود الإرهاب ضرورى لحكم العالم وايضا لحكم الشعوب على حد قول الصحفى والمؤرخ الأمريكى ويبستر تاربلي: «النخبة الامريكية الحاكمة، ترى الإرهاب الوسيلة الفضلى، بل في الحقيقة الوسيلة الوحيدة لتأمين التماسك الاجتماعى، يجب أن يتوافر لديك صورة عدو لكى يكون لديك مجتمع تحكمه»
حادث «شارلى إيبدو»الإرهابى رغم ضحاياه الأبرياء له جوانب إيجابية، ومظاهرات اليوم الذي دعى إليها الرئيس الفرنسى واحدة من تلك الجوانب، اولاند طالب شعبه بكافه طوائفه المشاركة في التظاهرة التي تنتصر للوحدة الوطنية في مواجهة الإرهاب. صحيح أن الفرنسيين استيقظوا على كابوس الإرهاب، ولكن الآن على الجميع ان ينسى خلافاته ومطالبه ويتذكر أن عدوهم الأكبر هو الإرهاب .
الرئيس اولاند شدد في خطابه على الوحدة الوطنية وتوعد الإرهاب ووعد بتوفير الأمن.
في هذه اللحظات المشحونة بالخوف والارتباك ،يصبح الأمن هو المطلب الأهم والوحيد ،لن يفكر الفرنسيين الآن في أزمتهم الاقتصادية ولارعونة سياسة اولاند الخارجية وحماقاته الداخلية وسيتجاوزون عن مخاوفهم التي كتب عنها ميشال ويلبيك رواية «خضوع»، الجميع يريد الأمن والحماية تحت قيادة سياسية قادرة على بسط نفوذها بقوة وإنجاز، وهى تمثل في تلك اللحظة الأب القوى المسيطر، وبرغم حب الأب لابناءه فهو حب مشروط وله مطالب ويؤسس مبادىء وقوانين، ويتوقف على طاعة ابناءه لهذه المطالب وهو يفضل الأكثر طاعة له والأكثر شبها به والافضل ملائمة لكى يصبح خليفته، المعارضون لايكون لهم قبول في هذه الفترات، ويفضل التماثل .
في لحظات الفزع والخوف، لا أحد يفكر في قوة الحب رغم أنها قادرة على ان تصل بالمجتمعات لبر الأمان، يسيطر على الأذهان والوجدان حب القوة، الجميع يتصور ان القوة قادرة على توفير الأمن،الدولة التي تتعرض لهجمات إرهابية يشغلها وضع استراتيجية أمنية أقوى، وتعديل قوانينها لتسمح بتوسيع الرقابة وتسهيل اعتقال أي شخص يشتبه فيه، رد فعل الدولة السريع هو :كيف يمكن أن أثبت لهذه القوى الإرهابية أننى أقوى منها وأنها لن تنال منى وأن ردى سيكون حاسما وموجعا، ولايشغلها كثيرا ان تضع استراتيجية لنشر الحب والوئام بين افراد المجتمع ليقيه من أي عمل إرهابى في المستقبل.
سنوات مرت على احداث 11 سبتمبر ولم تعلن الحكومة الامريكية انتصارها في الحرب على الإرهاب ولا القضاء على الإرهابين، ما ان يتخلص العالم من تنظيم حتى يظهر آخر اسوأ منه مثل داعش، الذي قال عنه وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا ان القتال ضده سيكون صعبا وقد يستغرق 30عاما، وخفض الجنرال الأمريكى جيمس تيري المدة إلى 3 سنوات ،بينما قال اوباما من على منبر الامم المتحدة ان استراتيجيته الهادفة إلى تدمير «داعش» ستكون مهمة تستمر جيلا كاملا....الغاز لايعرف حلها إلا من شارك فيها، المعلومات كثيرة والمعرفة حكر على كهنة النظام العالمى والموت للأبرياء .
في الحرب على الإرهاب ،العالم لايدرك أنه يسير في بحر من الرمال المتحركة، أي حركة تجعله في وضع اسوأ، ولكن غرور الإنسان يخيل إليه أنه امتلك الحقيقة دون الآخر، كل طرف يتصور انه وحده امتلكها ،لا يحاول أن يكون من أصحاب الحق ويسمح للآخر بالمشاركة في البحث عن قوة الحب ليقهر هذا التسلط والأنانية والجشع الإنسانى بدلا من ان امتلاك حب القوة الذي اعماه عن حقول الموت الممتدة أمامه على مدى البصر ولسنوات قادمة.
مازال الحديث عن الحب متواصلا، الثلاثاء القادم بإذن الله .
مى عزام