x

محمد محمود «تشارلي إبدو»: عن الضباع و«نهر الدم» محمد محمود السبت 10-01-2015 21:05


بعد ساعات من الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقر مجلة «تشارلي إبدو» الباريسية، خرج نايجل فاراج زعيم حزب «استقلال المملكة المتحدة» المعادي للمهاجرين والأسرع صعوداً في الساحة السياسية البريطانية، محذراً من خطورة التساهل مع «الطابور الخامس في مجتمعاتنا».

استغل الرجل الاعتداء الإجرامي لإلقاء مسؤولية الدم على سياسة «تعدد الثقافات» التي تبنتها دول أوروبية سمحت للمهاجرين إليها بالاحتفاظ بثقافاتهم الأم، في محاولة لتسجيل نقاط قبل الانتخابات العامة المقررة في مايو المقبل، والتي ترشح استطلاعات الرأي حزبه لتحقيق مفاجأة كبرى فيها، أقلها لعب دور «صانع الملك» في صياغة أي ائتلاف حاكم.

لكن فاراج لم يكن وحده من استغل الهجوم لمكاسب انتخابية، ففي اليونان التي تشهد انتخابات مبكرة خلال أقل من أسبوعين، لام رئيس الوزراء اليونانيأنطونيس ساماراس الهجرة على جريمة باريس، وعينه على أصوات ناخبي حزب النازيين الجدد «الفجر الجديد» الذي حقق مفاجأة في الانتخابات الماضية بحصده 9% من الأصوات.

وفي فرنسا نفسها، كان اليمين المتطرف أكثر مباشرة في الإفصاح عن هدف صيده في ماء الهجوم العكر، فوضع الأب الروحي لحزب «الجبهة الوطنية» جان ماري لوبان لابنته مارين التي خلفته على رأس الحزب، صورةمصحوبة بتحريف لعبارة شهيرة من ملصق دعائي بريطاني انتشر خلال الحرب العالمية الثانية: «كن هادئاً، وانتخب لوبان»!

وبما أن أوروبا تشهد انتخابات عامة في ثماني دول رئيسية هذا العام، يتوقع أن يتكرر استغلال دعايات الأحزاب المعادية للمهاجرين اعتداء باريس الذي لا يستبعد استنساخه في مدن أوروبية أخرى مع العودة المرتقبة لجهاديين أوروبيين شاركوا في القتال مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق.

وفي حين أن هذه اللعبة الدعائية ليست جديدة على الحياة السياسية الأوروبية، خصوصاً منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 وتوابعها في القارة، إلا أن نتائجها هذه المرة قد تكون مختلفة.

فاليمين الأوروبي المعادي للمهاجرين، خصوصاً القادمين من دول ذات غالبية مسلمة، نجح في كسب جمهور معتبر من خارج دوائر تأثيره المعتادة. وليس أدل على ذلك من مظاهرات حركة «بيجيدا» (أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب) التي جمعت آلاف المتظاهرين في ألمانيا عشية هجوم باريس، بعدما كانت مظاهرات الحركات المماثلة لا تجمع سوى بضع مئات على الأكثر. كما أظهر استطلاع للرأي أنها تتمتع بدعم ثلث الألمان.

ورغم أن حشد «بيجيدا» والاستطلاع يوضحان أن توسع العداء للمهاجرين سابق على الهجوم الإرهابي على «تشارلي إبدو»، فإن الاعتداء الجديد أسال لعاب اليمين المتطرف المتأهب كضباع ترتقب الجيف على ضفاف «نهر الدم» الذي بشر به السياسي البريطاني أينوخ باول في خطبة شهيرة ضد المهاجرين في 1968 كلفته مستقبله السياسي.

ربما تتفاوت المكاسب الانتخابية للأحزاب المعادية للمهاجرين بين بلد أوروبي وآخر، تبعاً لحجم مشكلة الهجرة وما تسمح به الأنظمة الانتخابية في هذه البلدان. لكن المؤكد أن شعبيتها المتزايدة دفعت أجندتها إلى مركز النقاش العام، ومكنتها من جر الأحزاب الرئيسية للعب بقواعدها.

صحيح أن أصواتاً في الأحزاب التقليدية تقاوم هذا التوجه مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي انتقدت مظاهرات «بيجيدا» وغالبية القادة الأوروبيين الذين كرروا خطاب المناسبات المعتاد المميز بين الإسلام والإرهاب في أعقاب الهجوم الأخير، إلا أن الحسابات الانتخابية والتوازنات داخل أحزابهم ستفرض مواقف مغايرة.

على سبيل المثال، رفض رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، قبل أيام، استبعاد فكرة تشكيل ائتلاف حاكم بعد الانتخابات مع حزب «استقلال المملكة المتحدة» المعادي للمهاجرين.

كما أن هيئة تنظيم الإعلام شبه الحكومية «أوفكوم» Ofcom اضطرت إلى منح الحزب اليميني الصاعد صفة «حزب أساسي»، بكل ما يعنيه ذلك من إشراكه في المناظرات الانتخابية ومنحه مساحات من التغطية والظهور تماثل تلك الممنوحة للأحزاب الثلاثة الكبرى (المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار).

وحتى حزب «العمال» البريطاني المعروف بدفاعه التاريخي عن حقوق المهاجرين اضطر إلى تشديد سياساته إزاء الهجرة، بناء على نصيحة قياديين بارزين فيه اعتبروا موقفه «المتراخي» من المهاجرين سبباً في نزيف انتخابي، كما كشفتمجلة «نيو ستيتسمان» البريطانية.

أضف إلى هذا أن أوروبا تبدو أكثر استعداداً، على المستوى الاقتصادي، للتخلي عن المهاجرين من خارجها، بعدما تولت بلدان شرق القارة المنضمة إلى الاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي توفير عمالة رخيصة تتشارك الأصول العرقية نفسها والخلفية الثقافية المسيحية-اليهودية Judeo-Christian.

لم تعد الأحزاب المعادية للمهاجرين، بيمينها ويسارها، قوى هامشية يستهان بها، بعدما انتقلت رويداً رويداً من أطراف الحياة السياسية في أوروبا إلى مركزها، متغذية على الإحباطات الاقتصادية التي لم تجد لها مكسر عصا أفضل من المهاجرين. ويبدو أن هجوم «تشارلي إبدو» سيسرع عملية انغلاق أوروبا على نفسها بضخه مزيداً من الدماء في شرايين هذه الأحزاب في طول القارة وعرضها، إيذاناً بقرب انتهاء موسم الهجرة إلى الشمال.

تويتر: @mohamedhani

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية