x

جيهان فوزي «شارلى إبدو» .. معاناة الاسلام فى متطرفيه جيهان فوزي الجمعة 09-01-2015 22:19


«شارلى ابدو» الصحيفة الفرنسية الاسبوعية الساخرة التي سطع بريقها وتألق اسمها، لم تكن لتحصل على هذه الشهرة المدوية دون الهجوم الارهابى الذي تعرضت له الاربعاء الماضى، وراح ضحيته 12 شخصا من بينهم أربعة من أبرز رسامى الكاريكاتير في الصحيفة، استيقظت على هذه الكارثة وهى أكثر اصرارا وعزيمة بالاستمرار على نفس النهج الذي تسير عليه في تحليل الأحداث السياسية والدينية , فقررت الصحيفة أن تصدر الأربعاء المقبل مليون نسخة بشكل استثنائى بدلا من ستين ألف فقط بمساندة ودعم من قنوات وصحف فرنسية على رأسها صحيفة «لوموند» الشهيرة , فضلا عن دعم وتعاطف اعلامى على مستوى العالم.. فماذا حصد الاسلام ؟! هل انتصر الارهاب لتعاليمه ونشر قيمه ؟!

صحيح أن الصحيفة عرفت بمعاداتها للاسلام أكثر من الأديان بشكل عام، واستئثارها الاساءة والهجوم على الدين الاسلامى والاستهزاء بالرسول الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، بشكل استفز العالم الاسلامى والعربى، وفى عام 2011 نشرت الصحيفة عددا خاصا تحت عنوان «شريعة إبدو» أثارت موجة احتجاجات لاعلانها أن رسول الاسلام هو رئيس تحريرها , فتعرض مقرها للهجوم بقنبلة حارقة , ثم تعرض موقعها للقرصنة , وتجددت موجة الاحتجاجات عام 2012 عندما نشرت الصحيفة سلسلة من الرسوم الساخرة من الرسول «ص» ضمن مقال عن الديانات السماوية الثلاثة , حينها رفضت الحكومة الفرنسية اتخاذ أي اجراء ضدها معتبرة ذلك يندرج تحت إطار حرية التعبير .

لم تكتف الصحيفة بذلك فقد واصلت هجومها واستفزازها للمسلمين ففى عام 2013 نشرت كتاب مصور بعنوان «سيرة محمد» وصورة الغلاف للنبى وهو يقود جملا في الصحراء، وأصر ناشر الصحيفة «ستيفان شاربونييه» على أن الكتاب الجديد عمل تربوى!! معترفا أن الفكرة راودته عام 2006 عندما نشرت صحيفة دينماركية رسوما مسيئة للرسول واعادت صحيفته نشرها .

كل ذلك ربما يكون مستفزا لمشاعر المسلمين، فتعمد الاساءة من وجهة نظرهم واضح وضوح الشمس، بينما في الثقافة الغربية فإن هذه الاساءة ما هي إلا تسليط للضوء على ثقافات من وجهة نظرهم لا تحمل سوى التطرف والعنف والقتل، والحرية في التعبير إحدى دعائم وأسس الديمقراطية في بلدانهم , إذن لا غضاضة لديهم في أن يعبروا عن رأيهم في الموضوعات الاجتماعية مثلها مثل الدينية مهما كانت حساسيتها من منظورهم الخاص , فكانت حريتهم سياط ملتهبة على أجساد المسلمين الذين لم يرق لهم الأمر , وانطلقت سهام الانتقام من كل صوب وحدب بالاحتجاجات والمظاهرات تارة , وبالاعمال العدائية تارة أخرى.

ما يراه الغرب حرية تعبير عن الرأى بلا قيود أو معوقات ( بدليل رفض الحكومة الفرنسية في وقت سابق اتخاذ اجراءات قانونية رادعة ضد الصحيفة )، يراه العرب والمسلمين تجاوز وتطاول لابد له من تأديب وردع، لكن ماهى الوسيلة الناجعة لتحقيق ذلك دون أن يتكرس لدى الغرب ويزداد يقينهم بأن الاسلام دين عنف وسفك دماء؟؟ هل يكون القتل بدم بارد كما حدث في الهجوم على فريق العمل في الصحيفة ؟!! أم تكون الحجة بالحجة ونتعلم ثقافة الاختلاف؟ خصوصا وأن «داعش» مثال حى على تشويه الاسلام ومشاهد ذبح الرهائن المتكرر بدم بارد وانتشارها في فيديوهات على اليوتيوب في أنحاء العالم خير دليل لديهم على ذلك .

هل هذا العمل الارهابى المقيت أعاد للرسول حقه ؟! أم زاد من اشتعال جذوة الحقد لدى متطرفيهم أيضا ليردوا الصاع صاعين! فمن سيمنعهم من قمع وقتل عشرات الالاف من المسلمين الذين يعيشون في بلادهم ويتمتعون بحقوق ربما لم يحصلوا عليها في بلادهم الأصلية ؟! وقد بدأت حرب الانتقام سريعا بالهجوم على المساجد في فرنسا، واطلاق النار على من فيها وتفخيخ مطعم بالقرب من إحداها، فهل هذه هي رسالة الاسلام للعالم ؟!

جميعنا يعرف أن الاسلام دين تسامح ومحبة لا دين قتل وعنف وكراهية، لكن هناك من القائمين عليه والمتطرفين المفلسين فكريا وعقائديا يتخذون من التطرف والتشدد غطاءا لضعفهم وافلاسهم وفشل أهدافهم، مثلهم مثل الكثيرين من الدعاة الذين ينصبون أنفسهم علماء فقه وشريعة ويفتون فتاوى ما أنزل اله بها من سلطان، تخرج في محصلتها مسيئة ومهينة للاسلام ذاته وتشوه معناه الحقيقى , أكثر بكثير من رسوم الكاريكاتير التي أثارت غضب المسلمين .

لماذا لا نملك مفردات الحوار الناضح وندحض الحجة بالحجة، الحوار البناء هو قوة الحق، بينما القتل والترويع فهما وقود يؤجج العنف وشهوة الانتقام وأضعف أنواع الحجج وأكثرها ابتعادا ونفورا عن روح الدين ووسطيته التي حضنا عليها رسولنا الكريم، ولو كان نبينا محمدا حاضرا لانزوى وتوارى خجلا من أفعال هؤلاء لأنهم يسيئون ويضرون بالاسلام وبه أكثر من منفعته ونشر تعاليمه , لأنهم ينشرون الكراهية ويعمقون الاحقاد , رغم أن الدين الاسلامى الصحيح يقودنا إلى الحق والعدل بقيم التسامح والتحاور والاقناع .

لقد حذر التقرير الذي نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية من تنامى ظاهرة كراهية الاسلام في القارة الاوروبية، بعد هجوم «شارلى إبدو» وتوقعوا حدوث هجمات على المساجد كرد فعل مناوئ، وقال التقرير أن حرية التعبير والفكر هي التي سمحت ل 30 مليون مسلم أن يحيا في المجتمعات الغربية ويحقق النجاح في عمله وحياته، ويمارس في نفس الوقت دينه دون أي مضايقة أو تدخل من الدولة , واستشهد التقرير من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم , ما يثبت احترام الاسلام لحرية التعبير والرأى المخالف , وتعارضه مما يرتكب من أفعال ارهابية باسم الدفاع عن الدين والاسلام.. أليس معيبا أن يفهم الغرب الاسلام وحياة الرسول أكثر ممن هم على دينه ويحملون رايته!! .

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية