x

وحيد عبد المجيد أزمة إعلام «الإخوان» بعد غلق «الجزيرة مصر» وحيد عبد المجيد الخميس 08-01-2015 21:21


ترك غلق قناة «الجزيرة مباشر مصر» فراغًا لم تستطع قنوات أخرى أن تملأه، رغم أنها تنطق كلها بلسان جماعة «الإخوان» وتعبر عن توجهاتها، فهناك أربع قنوات تليفزيونية على الأقل تتبنى مواقف «الإخوان»، ولكنها تبدو باهتة وراكدة.

كان هذا بعض ما جرى النقاش حوله فى ندوة مهمة عن إعلام جماعة «الإخوان»، نظمها المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية مؤخرًا، أعدها د. صبحى عسيلة وقدَّم لها د. قدرى سعيد وأدارها كاتب السطور وتحدث فيها د. محمد شومان والأساتذة حسين عبدالغنى وممدوح الشيخ وأحمد بان.

ورغم أن تفوق وسيلة إعلامية غير مملوكة لجماعة «الإخوان» على وسائل تملكها هى وأصدقاؤها فى التعبير عن توجهاتها- ينطوى على مفارقة مثيرة للتأمل، فهذا ليس جديدًا فى تاريخها. فقد اعتمد «الإخوان» تاريخيًا على إعلام الغير حين كان مفتوحًا أمامهم، أكثر مما عولوا على إعلام يملكونه ويديرونه. فهم لم يحاولوا على سبيل المثال تأسيس قناة تليفزيونية فضائية فى عهد حسنى مبارك، رغم أنه كان فى إمكانهم إنشاؤها فى بلاد عدة تسمح قوانينها بذلك، فضلًا عن توفر القدرة المالية اللازمة لها. واعتمدوا بدلًا من ذلك على التعبير عن مواقفهم عبر قنوات خاصة عدة فى مصر وأخرى عربية.

ولذلك لم يُختبروا فى هذا المجال إلا فى الفترة الأخيرة، حيث ظهر ضعف أدائهم فيه كما فى مجال الإعلام المطبوع سواء قبل ثورة 25 يناير أو بعدها، فبعد أداء ضعيف اختلطت فيه الصحافة بالأيديولوجيا الدينية الزاعقة فى مجلة «الدعوة» التى أُعيد إصدارها عام 1976 وأُغلقت ضمن إجراءات سبتمبر 1981 المقيدة للحريات، لجأ «الإخوان» إلى تأجير بعض الصحف التى كان أحد الأحزاب قد حصل على تراخيص إصدارها، كما أصدروا صحيفة «الحرية والعدالة» بعد ثورة يناير، وأطلقوا عليها الاسم نفسه الذى حمله حزبهم الذى أسسوه فى إبريل 2012 أملًا فى أن يساعد ذلك فى ترويجها. ولكنها كانت، مثلها فى ذلك مثل سابقاتها قبل الثورة، ضعيفة فى محتواها كما فى تصميمها وإخراجها.

وكذلك كان حال الصحف والمجلات التى أصدرتها جماعة «الإخوان» قبل ثورة يوليو 1952، حين كانت مسجلة وفق قانون الجمعيات، فقد أصدر «الإخوان» عدة مجلات أسبوعية وشهرية وصحيفة يومية خلال تلك المرحلة، ولم يحقق أى منها نجاحًا. كانت البداية بمجلة «الإخوان المسلمون» الثقافية الدينية التى ظهرت عقب إنشاء الجماعة وتوقفت عام 1938، ثم أُعيد إصدارها عام 1942 كمجلة سياسية، كما صدرت مجلة «النذير» 1938 وانتهت صلتها بالجماعة بعد عامين، عندما خرج صاحب امتيازها (محمود أبو زيد المحامى) ضمن الانشقاق الذى أدى إلى تأسيس «جماعة شباب محمد». أما مجلة «الدعوة» التى صدرت فى بداية 1951 فكانت هى الأفضل نسبيًا فى تاريخ إعلام «الإخوان» بفضل كتابات عدد من الكتاّب مثل محمد الغزالى ود. عبد العزيز كامل وأحمد حسن الباقورى والسيد سابق ود. محمد فتحى عثمان والبهى الخولى وغيرهم. وهى نفسها الصحيفة التى أُعيد إصدارها عقب عودة الجماعة إلى الحياة العامة والسياسية عام 1976، ولكن كان أداؤها أضعف من الإصدار السابق.

وليس غريبًا أن تخفق جماعة كبيرة مثل «الإخوان» فى مجال الإعلام رغم أنها نجحت فى الانتشار وحصلت على شعبية كبيرة فى العقدين السابقين على ثورة 1952 قبل أن تصطدم بقيادتها، كما فى العقدين السابقين على ثورة 2011 قبل أن تصطدم بالجميع دفعة واحدة. فالإعلام ينطوى بطابعه على قدر من الإبداع الذى تفتقده الجماعة نتيجة انغلاقها، وإخضاع أعضائها لنظام صارم يحول دون تنمية القدرات الإبداعية، وعدم تحمل قيادتها أى قدر من الاختلاف أو التفكير المستقل.

وقد أقر أحد قادتها ضمنيًا بذلك، وهو أحمد عادل كمال فى كتابه (النقط فوق الحروف)، عندما تطرق إلى أخطاء جريدة «الإخوان المسلمون» اليومية فى الأربعينيات، مشيرًا إلى اضطرارها للاستعانة ببعض الصحفيين من خارج الجماعة لعدم وجود عدد كاف لديها، وإلى أن هؤلاء الذين استعانت بهم (لم يكونوا خبراء صحافة على المستوى المناسب) وفقاً لتعبيره بما يعنيه من أنها لم تستطع حتى اختيار صحفيين محترفين.

فكانت هناك دائمًا مشكلة ضعف المستوى وقلة الاحتراف، إلى جانب أزمة الالتزام بالمهنية والتى لا تقتصر على «الإخوان» بطبيعة الحال.

ولذلك كان استخدام إعلام الآخرين حين يُتاح أفضل بالنسبة لهم، ومازال، ليس فقط فى مصر فيما يبدو. فقد تكررت شكاوى حركة النهضة فى تونس خلال العام الماضى، سواء قبل الانتخابات الأخيرة أو بعدها، من انحياز الإعلام ضدها رغم أن حق إصدار الصحف وتأسيس قنوات تليفزيونية متاح للجميع هناك، ولكنها كانت تعتمد على إعلام غيرها قبل أن يُغلق كثير منه أمام أعضائها عقب احتدام الأزمة التى ترتبت على سياسات الحكومة التى سيطرت عليها.

فلا يجتمع النجاح الإعلامى والفقر الإبداعى معًا، ولذلك ارتبطت التجربة الإعلامية الناجحة الوحيدة فى تاريخ «الإخوان» بالحذر من سطوة الجماعة، وهى تجربة مجلة «الكشكول الجديدة» التى اختلف مؤسساها (محمود عساف وأمين إسماعيل) مع قيادة هذه الجماعة حول خطها وسياستها التحريرية فاستقالا وأصدراها بعد أن صارا مستقلين متحررين من القيود الثقيلة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية