تشرفت العام الماضى بالاشتراك فى اجتماع مع شيخ الأزهر العالم الجليل الدكتور أحمد الطيب وعدد من الكتاب والفنانين حول العلاقة بين الأزهر والأعمال الفنية، وكان رأيى دائماً ولايزال أن من حق الأزهر أن تكون له وجهة نظر فى أى عمل فنى، وكذلك الكنيسة، ولكن من دون أن تكون لهما، أو لأى مؤسسة دينية، سلطة المنع طالما أننا فى دولة مدنية.
وكاتب هذه السطور ضد تجسيد الأنبياء فى السينما أو المسرح أو التمثيليات التليفزيونية لأن التجسيد يصنع صورة ذهنية محددة ومحدودة، بينما الأفضل أن يكون لكل إنسان الصورة التى يتخيلها من واقع ثقافته بحرية تامة، وقد رصدت فى كتابى «تاريخ الرقابة على السينما فى مصر» المناقشات التى جرت فى أواخر عشرينيات القرن الميلادى الماضى عندما حاول وداد عرفى إخراج فيلم عن حياة النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، وكيف انتهت إلى رفض المشروع، ولاحظت أن شركات السينما فى هوليوود والعالم كله احترمت رغبة المسلمين فى عدم تجسيد النبى الذى يؤمنون بنبوته، فلم يتم إنتاج أى فيلم يتجسد فيه فى أى مكان وفى كل تاريخ السينما حتى الآن، ويتردد أن الفيلم الإيرانى «محمد» إخراج ماجيد ماجيدى سيكون الفيلم الأول.
يجرى العمل على إنتاج هذا الفيلم منذ خمس سنوات ويزيد، وقد تم بناء ديكورات كاملة لمدينة مكة وكل الأماكن التى عاش فيها الرسول كما كانت فى حياته، واستغرق التصوير عامين قضاهما مدير التصوير الإيطالى فيتوريو ستورارو فى إيران، وهو من عظماء المصورين فى العالم، إن لم يكن الأعظم، وبالطبع فالفيلم أكبر إنتاج فى تاريخ السينما الإيرانية، وسوف يعرض لأول مرة فى افتتاح مهرجان فجر فى طهران فى فبراير المقبل.
أقول: يتردد أنه يجسد رسول الإسلام لأول مرة، لأن هذا الأمر غير مؤكد حتى الآن، وعندما توليت رئاسة الدورة 36 من مهرجان القاهرة طلبت أن يعرض فى افتتاح المهرجان إذا لم يكن يجسد شخصية الرسول، وكان الرد أن الفيلم لم يزل فى المونتاج، ولن يكون جاهزاً للعرض فى نوفمبر، وذلك من دون نفى أو تأكيد مسألة التجسيد.
إذا كان الفيلم يجسد الرسول فهذا يعنى أنه يأتى فى إطار المزيد من إحياء الصراع بين السنة والشيعة لأسباب سياسية بحتة، وكأن الفتنة الكبرى وقعت منذ أسابيع، وليس من مئات السنين، وإذا كان كذلك فمن حق الأزهر أن يطالب بمنع عرضه فى دور السينما، وأن ينصح بعدم مشاهدته بوسائل العرض الأخرى التى أصبح من المستحيل معها منع أى فيلم كما كان الأمر قبل زمن الفضائيات والثورة التكنولوجية.