x

‏«العظام المقدسة» رواية مثيرة على خطى «شفرة دافنشى» ‏

الخميس 04-02-2010 12:52 | كتب: سها السمان |
تصوير : other

فى أجواء تشبه رواية «دان براون» الشهيرة "شفرة دافنشى" تأتى أحداث رواية «العظام المقدسة» ‏Sacred Bones‏ للكاتب الأمريكى «مايكل بايرنز»، التى صدرت ترجمتها العربية منذ أيام عن دار ‏ميريت للنشر، ونقلها للعربية الزميل الصحفى «إيهاب الزلاقي» وهى الرواية التى تدور أحداثها ‏داخل مدينة القدس وخلف أسوار مدينة الفاتيكان، فى رحلة مذهلة عبر الزمن والحضارات والديانات ‏السماوية الثلاثة، ولا تنسى فى الوقت نفسه أن تلقى الضوء على لقطات الحياة اليومية لأبناء القدس ‏فى تقاطعها الدائم مع الإسرائيليين، فى مزيج مدهش لا يغفل الإثارة والتشويق والحبكة الدرامية ‏العالية.‏

أدهش «مايكل بايرنز» النقاد عندما صدرت رواية العظام المقدسة، لأنها كانت روايته الأولى، ‏ورغم ذلك جاءت محكمة حافلة بكل عناصر التشويق التى يسعى وراءها القارئ المعاصر، كما ‏حملت وراءها مجهودا ضخما فى البحث والتنقيب وراء أحداث تاريخية موغلة فى القدم تعود إلى ‏عصر السيد المسيح مرورا بالحملات الصليبية على القدس وانتهاء بالعالم المعاصر حيث يسود ‏صراع قاسى يمزج بين الدين والسياسة على أرض فلسطين محوره المسجد الأقصى.‏

وبشكل روائي صرف، يتحرك «بايرنز» بحرية بالغة، ليتحدى الكثير من المفاهيم المستقرة لدى ‏اتباع الديانات الثلاث السماوية، ويربط القديم بالحديث، ويعود بأسباب الصراعات الحديثة إلى نقاطها ‏الأولى، عبر مجموعة متنوعة من الشخصيات المختلفة تماما ولكنها تلتقى فى لحظة محورية عندما ‏يقوم مجموعة من المرتزقة بعملية جريئة فى مدينة القدس القديمة لسرقة قطعة أثرية تستقر في غرفة ‏سرية أسفل المسجد الأقصى، وتخلف هذه العملية 13 جنديا إسرائيليا قتلى، وطائرة إسرائيلية مفقودة، ‏وأسئلة لا تنتهى يجب الإجابة السريعة عنها قبل انفجار العنف فى قلب مدينة القدس.‏

يبرع «بايرنز» إضافة إلى التشويق، فى كتابة مجموعة متنوعة من الشخصيات يمنحها جميعا بعدا ‏إنسانيا يتجاور فيه الخير بالشر، ودون كتابة نمطية معتادة، فالراهب الفاتيكانى «دونافان» رجل ‏السلام يأتى من شوارع بلفاست حيث الصراع الدامى بين الكاثوليك والبروتستانت، والأب ‏‏«سانتللى» وزير خارجية الفاتيكان متمرس فى المؤامرات، وعلى الجانب الآخر نجد «رزاق» ‏المفاوض العربي الشريف ورجل المبادئ، و«فاروق» حافظ الوقف الإسلامى والمناضل القديم الذى ‏يحاول تحقيق أهدافه بغض النظر على الوسائل، وهناك الشخصيات الإسرائيلية، وعالمة الجينات ‏الأمريكية، وعالم الآثار الانجليزى، وخبير الانثربولوجى الإيطالى، وهى شخصيات لم تكن تلتقى ‏أبدا فى أرض الواقع ولكن «بايرنز» يجمعها سويا فى مغامرة تتجاوز حدود المألوف.‏

تنتمى الرواية إلى أدب "الأكثر مبيعا" ‏Best Sellers‏ وهى الأعمال الروائية التى تحقق أرقاما ‏بالملايين فى التوزيع، ويقف على رأسها حاليا مجموعة من أبرز الكتاب ربما يكون أشهرهم فى ‏الوقت الحالى «دان براون» و«ستيفن كينج» و«نيلسون دى ميل» والعشرات غيرهم، وهذا النوع ‏من الأدب الذى تفتقده المكتبة العربية بشدة، يعتمد على الإنطلاق من أحداث تاريخية أو واقعية ثم ‏يعيد مزجها بالخيال مع شخصيات الرواية، ولا يمكن إغفال جانب الإثارة والحركة فى هذا النوع من ‏الكتابات التى تتحول فى الأغلب إلى أفلام سينمائية ضخمة تنتجها هوليوود، ومع افتقاد المكتبة ‏العربية هذا النوع من الروايات يصبح البديل الوحيد هو قراءة هذا النوع مترجما، وربما يفسر ذلك ‏حالة النشاط البالغ حاليا فى ترجمة عشرات الروايات من هذه النوعية إلى العربية.‏

لكن المؤسف، أن العديد من الترجمات العربية، ولأسباب تتعلق بالتوزيع وثقافة القارئ العربى، تقوم ‏فى الكثير من الأحيان بخيانة النص الأصلى، والتصرف فيه بشكل يسئ للكاتب والمترجم، ويعود هذا ‏الأمر فى الأغلب إلى حساسية بعض الموضوعات التى تطرحها هذه الروايات، أو تماس الروايات ‏مع بعض "التابوهات" السياسية والدينية، وبطبيعة الحال، وبغض النظر عن أخلاقيات احترام النص ‏الأصلى، تفقد مثل هذه الترجمات النص المترجم الكثير من عناصره، ولكن رواية «العظام المقدسة» ‏تم نقلها للعربية بأمانة تامة رغم الحساسية الشديدة فى موضوعها، الذى يتماس مع الكثير من ‏الاعتقادات الدينية والسياسية على حد السواء.‏

يلعب «بارينز» بأوراقه في الرواية ببراعة، فالأحداث تكشف الأسرار تدريجيا، فى الوقت نفسه، ‏تتصاعد الدراما مما يجعل القارئ متشوقا لمطالعة الصفحات التالية، وتبلغ براعة الكاتب الأمريكى ‏ذروتها مع نثر الكثير من التفاصيل الواقعية الصغيرة طوال الرواية الأمر الذى يمنح الأحداث بعدا ‏آخر، مثل عرض عملية اغتيال «يحي عياش» القائد العسكري فى حماس وهى قصة حقيقة لكنه ‏يربطها بشخصياته المتخيلة فى الرواية، ويرصد عملية إحراق آخر قادة "فرسان المعبد" فى باريس ‏على يد الملك «فيلب الرابع» لكنه أيضا يعرضها ضمن سياق الرواية بحيث لا يمكن فصلها عنه، ‏ونلمح إشارات سريعة لقناة الجزيرة والتليفزيون الفلسطينى، والشاى بالنعناع، والعرض الأمين ‏لمتاحف الفاتيكان وقطعه الأثرية، وطريق الآلام فى القدس، والجدل الذى لا ينتهى حول تفسير ‏الأناجيل.‏

رواية «العظام المقدسة» حققت نجاحا كبيرا عند ظهورها باللغة الإنجليزية للمرة الأولى عام ‏‏2007، الأمر الذى دفع «بايرنز» إلى كتابة جزء ثان منها صدر منذ أسابيع وحمل عنوان "الدم ‏المقدس" ‏Sacred Blood‏ يحقق أيضا نجاحا كبيرا، ويحسب للمؤلف الأمريكى تعامله بواقعية مع ‏الشخصيات العربية الإسلامية فى روايته دون الاعتماد على الصورة النمطية مسبقة أو صورا منقولة ‏من الإعلام الأمريكى، كما يحسب كذلك فكرة الرواية التى يتخذها إطارا لطرح الكثير من الأفكار ‏المعقدة حول الدين والتاريخ والسياسة والتى تنطلق جميعا من هيكل عظمى يعود تاريخه إلى القرن ‏الأول الميلادى وتحمل عظامه علامات صلب واضحة لا تخطئها العين.‏
 

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية