x

عزت القمحاوي فرصة وحيدة وحصرية لإنقاذ الصحافة القومية عزت القمحاوي الإثنين 05-01-2015 22:00


من سرّه سوء مآل المؤسسات الصحفية القومية فعليه أن يتأمل الأزمة الأخيرة بين الأعضاء المنتخبين فى مجالس إدارتها وبين المجلس الأعلى للصحافة، على خلفية تلكؤ المجلس شهرين كاملين عن إعلان التشكيل الجديد لمجالس الإدارة.

هذا التأخير يذكّرنا بتأخير اختيار رؤساء التحرير لعدة أشهر، وفى المرتين لم ولن تعكس الاختيارات تغييرًا يبرر التلكؤ الذى يزيد الأداء المرتبك ارتباكًا. بين التغييرين لم يقدم المجلس ملحوظة تحريرية أو إدارية أو مالية لمؤسسة من هذه المؤسسات. علمًا بأن هذا المجلس يختلف عن كل المجالس السابقة، إذ جاء راكبًا موجة ثورية، كان من المفترض أن ينعكس أثرها فى عمله، وبالتالى فى المؤسسات، سياسيًا بأخذ خطوة من السلطة، واقتصاديًا بوقف إهدار الموارد المادية والبشرية.

لكن شيئًا لم يحدث وبقيت المؤسسات فى وضع مريض طالت إقامته بغرفة الإنعاش، يستنزف طاقة أسرته وطاقة المستشفى، ويستشعر الجميع ثقل حياته، فهو بالنسبة للعاملين فيه ورطة عمر، وبالنسبة للسلطة هو مجرد ملف عمالى.

والمرض ليس وليد اليوم، لكنه خطأ فى الجينات وُلدت به المؤسسات القومية، فقد جاء تأميم الصحافة تلبية لرغبة فى السيطرة على أدوات التعبير ليس إلا، بعكس الإصلاح الزراعى الذى عبّر عن رؤية اجتماعية تنحاز للفقراء، وبعكس التصنيع وتأميم المؤسسات الصناعية والتجارية الذى كان وليد رؤية اقتصادية تستهدف إنشاء رأسمالية الدولة المركزية.

وفى غياب الاهتمام الاقتصادى للمالك لم تأخذ الصحافة من شكل القطاع العام سوى الترهل وقلة المسؤولية، بينما ظلت كل مؤسسة مرتبطة بتراثها الإدارى السابق على التأميم، فظل العديد منها أقرب إلى الدكاكين رغم ضخامتها، بما يعنيه ذلك من فردية القيادة، وغياب الوصف الدقيق للوظائف الذى يحدد مسؤوليات وامتيازات كل وظيفة. وكانت المصلحة متبادلة بين حاكم الدولة وحاكم المؤسسة الصحفية، فقد كان إلزام حاكم المؤسسة بتوجه سياسى يتطلب نظامًا إداريًا فضفاضًا يسمح له بأن يعطى ويمنع ويعاقب ويكافئ ويحدد حجم العقاب والمكافأة فى كل مرة على هواه. وقد تسببت هذه الفوضى فى إضافة الإهدار البشرى إلى الإهدار المادى، حيث أصبح من السهل على رئيس التحرير استبعاد الكفاءات بزعم معاداتها للنظام.

وقد تمكنت الصحافة القومية من العيش رغم أمراضها، عندما كانت وحيدة فى الساحة، لكن مولد الإعلام الخاص كسر احتكارها سوق التوزيع والإعلانات، بينما كان التغيير الأهم قد طرأ على شكل النظام السياسى للدولة الذى أصبح نوعًا من التلفيق بين اشتراكية فى الدستور ورأسمالية فى الواقع.

تعايشت فى ظل الواقع الملفق مصالح السلطة مع مصالح رجال الأعمال. ووقف الإعلام الجديد فى خدمة هذه الصيغة، وأثبت كفاءة فى التنفيذ تفوق كفاءة الإعلام الرسمى، الذى خسر اهتمام السلطة بالإضافة إلى خسرانه التاريخى لثقة القراء.

وحتى هذه اللحظة عجزت الصحافة القومية عن البرهنة على أهمية وجودها، وللمفارقة الساخرة فقد جاء البرهان من الإعلام الخاص، خصوصًا المرئى الذى أثبت، بأدائه المعيب، الحاجة إلى إعلام يمثل مصالح مختلف فئات المجتمع.

والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو تخلى الدولة عن ملكيتها للمؤسسات القومية، وتحويل كل مؤسسة إلى كيان اقتصادى مستقل (ليكن شركات مساهمة تحدد فيها حدود قصوى لملكية الأسرة الواحدة) بمجالس إدارة منتخبة بكاملها، تُحاسب أمام جمعية عمومية حقيقية. وبغير ذلك ستظل هذه المؤسسات ثقبًا أسود يبتلع الدعم والإعانات الحكومية، وفى النهاية تموت غريبة مثلما وُلدت غريبة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية