x

مراد وهبة خارج النص (21) مراد وهبة الأحد 04-01-2015 21:24


النص هو كتاب موردخاى بار- أون المعنون «بحثاً عن السلام» وخارج النص مؤتمران عن السلام لم يتحدث عنهما بار- أون تفصيلاً، والتفصيل لازم لأن المؤتمرين من صنع فيلسوفين أحدهما إيطالى هو جيورجيو لابيرا والآخر بريطانى من أصل نمساوى هو السير كارل بوبر، وقد التقيتهما. الأول عندما حضر إلى القاهرة فى يناير من عام 1960 وكنت فى حينها مشرفا على «صفحة الأدب» بجريدة وطنى، والثانى عندما كان اسمه مدرجاً فى قائمة الفلاسفة الإنجليز لإجراء حوار معهم فى إبريل 1978 وذلك بتنظيم من المركز الثقافى البريطانى.

ماذا قال لابيرا؟

قال عن مدينة فلورنسا وهى المدينة التى يقيم فيها بأنها البقعة التى يشع منها أنقى ما أنتجه الغرب. وهى بالمناسبة المدينة التى نشأ فيها تيار الرشدية اللاتينية فى القرن الثالث عشر. كان لابيرا مضطهداً على غرار اضطهاد ابن رشد فلجأ إلى أحد الأديرة وأقام فيه. وعندما انتهى الحكم الفاشى فى إيطاليا عين عضوا فى البرلمان، ثم وزيراً فى حكومة دى جاسبيرى، ثم محافظا لفلورنسا وقت أن قابلته.

النغمة السائدة فى حياته هى الحب والإخاء والسلام. وهو يريد لهذه النغمة السيادة فى القرن العشرين. وهو من أجل ذلك يدعو جميع بنى الإنسان إلى الدخول من جديد فى عالم الروح وهو عالم الأديان، عالم الإيمان والحب والسلام العالمى الذى يخلو من التعصب والتنابذ والعداء.

وقد أعلن لابيرا عن هذه المعانى فى أول مؤتمر عقده فى فلورنسا فى عام 1952. وفى أكتوبر من عام 1958 عقد مؤتمراً أطلق عليه اسم «المؤتمر الثقافى للبحر المتوسط» وهو المؤتمر الذى أشار إليه بار- أون فى كتابه، وقد دعا لابيرا إلى حضوره كبار المفكرين الذين يقيمون فى إقليم البحر المتوسط. وكان أمله أن تكون ثقافتهم الروحية مع تباينها شجرة جذورها ممتدة فى الأرض وفروعها تصعد إلى السماء. ثم استطرد قائلا: لم يكن المؤتمر ينشد التماس الحلول لمشكلات منطقة البحر المتوسط بل كان ينشد الكشف عن الوحدة الروحية التى تقوم بين سكان تلك المنطقة. وقد جاء المؤتمر مطابقاً لرغبة حقيقية حية أفضت إلى تأسيس هيئة دائمة لتحقيق السلام أُطلق عليها اسم «المؤتمر الثقافى للبحر المتوسط». ومن الطبيعى أن تكون خطة عمل هذه الهيئة الدائمة مسايرة لاتجاه أعز أمانى هذا العصر وهى المحبة والسلام والإخاء، وما يلازمها من التناغم الفكرى بين الذين على وعى بأن المستقبل لا يُرتجل.

وكان المؤتمر الثقافى للبحر المتوسط ينوى أن يتحول إلى مركز للتفاهم الإنسانى فى هذه الرقعة الطيبة، كما كان ينوى الوقوف ضد طغيان التضخم الآلى الذى يهدد البشرية بالفناء. ولهذا فإنه دعا شعوب البحر المتوسط إلى رفع راية الحكمة. ولم تكن هذه الدعوة محض أمنية لأنها الوظيفة الطبيعية لتلاقى ثلاث حضارات عظمى: يهودية ومسيحية وإسلامية.

والمفارقة هنا أننى دعيت إلى أول مؤتمر لفلاسفة البحر المتوسط فى مدينة ليتشا بإيطاليا فى نوفمبر من عام 1975، أى بعد مؤتمر فلورنسا بسبعة عشر عاماً، وكانت الغاية البحث عن فلسفة متوسطية تتأسس على وعى بتراث فلسفى مشترك يتمثل فى الفلسفة اليونانية وفلسفة العصر الوسيط. ولم أكن فى حينها قد اكتشفت ابن رشد كأعظم ممثل لذلك التراث المشترك. ومن هنا المفارقة الثانية وهى أن ذلك المؤتمر كان الأول والأخير لفلاسفة البحر المتوسط.

والسؤال بعد ذلك:

ماذا عن مؤتمر بوبر للسلام.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية