x

طارق الغزالي حرب سياسة «إطفاء الحرائق» لاتُصلِح الصحة يارئيس الوزراء طارق الغزالي حرب الأحد 04-01-2015 21:26


عرفنا بعد الثورة أسماء متعددة للحكومات المتعاقبة طبقاً للمهام الموكلة إليها، وإن كان يميزها جميعاً أنها حكومات كانت تدرك منذ الوهلة الأولى لتشكيلها أنها حكومات مؤقتة فى فترة انتقالية، وبالتالى فإن تسيير الأعمال كان هو الشىء الأبرز فى طريقة عملها، وربما زاد عليه فى حكومة المهندس محلب أنها حكومة «إطفاء الحرائق»،

مع إطلاق الشعارات الكبيرة من باب الأمانى الطيبة وبث الأمل فى النفوس اليائسة. فى المجال الذى أعمل فيه وأخبره وهو «الصحة» فإننى أعتقد أن الاكتفاء بهذه السياسات فقط دونما الولوج إلى جذور المشاكل، وعدم وجود رؤية واضحة لما نهدف إليه وكيفية الوصول إلى هذه الأهداف وتحديد المدى الزمنى لبلوغها (وهو ماتعنيه كلمة استراتيجية)، لن يُغير من الحالة المُتردية لأحواله ومأساة الممارسة الطبية فى مصر مهما تغير الوزراء فى مصر وتبدلوا (سبعة وزراء صحة منذ الثورة وحتى الآن بمعدل وزير كل ستة شهور).. ومع احترامى وتقديرى لكل من تولى المنصب فى هذه الفترة (وكلهم أصدقاء وشخصيات محترمة) فإن أحداً منهم لم يحاول إغضاب رئيس وزرائها والمسؤول الأول فى النظام، بطرح حقيقة الأوضاع الصحية المتدهورة، وأن يضع أمامهم استراتيجية واضحة مُحددة الأهداف والتوقيتات والتكاليف، لإحداث تغيير جذرى فى المنظومة الصحية، ويطلب منهم المعونة والمساندة الكاملة ودونهما الاستقالة وإبراء الذمة. منذ أكثر من ثلاث سنوات وبعد الثورة بأسابيع، شكل وزير الصحة آنذاك د. أشرف حاتم لجنة فنية محترمة تضم خبراء وتمثل الاتجاهات السياسية المختلفة، شرُفت بأن أكون أحد أعضائها، خرج منها البعض وانضم بعض آخر على مدى السنين، كانت مهمتها إعادة النظر فى قانون جديد للتأمين الصحى انتهى إعداده قُبيل الثورة مباشرة فى وقت تولى د.حاتم الجبلى وزارة الصحة.. وبالفعل قامت اللجنة بإعادة النظر كلية فى القانون الذى كان قد أعد، وبذل كافة أعضائها (الذين كان من بينهم ممثلون لوزارة المالية والعمل والتأمينات الاجتماعية والقانونيون) كل الجهد والتفانى من أجل إعداد قانون للتأمين الصحى الاجتماعى الشامل تغطى مظلته كل المصريين وكل الأمراض والكوارث الصحية، ويجعل الاشتراك فيه إجبارياً وبدون استثناء لأحد.. وبعد أن انتهت اللجنة من إعداد مسودة كاملة له وضعت فيها اقتراحاتها لضمان استدامة التمويل وجودة الخدمة وعدالتها بما يتفق وأحكام الدستور الذى ارتضاه الشعب، عقدت العديد من الاجتماعات لاستطلاع رأى النقابات المختلفة وبدأت حوارات مجتمعية مع كثير من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، بعد هذا كله إذا بنا نعرف من وسائل الإعلام المختلفة عن قرارات مفاجئة غير مدروسة تُتخذ لإرضاء فئات بعينها، يصدرها مسؤولون كبار استجابة لمطالب شعبية فئوية، أو بحثاً عن شعبية بدغدغة عواطف الفقراء والمحتاجين الذين يعانون للحصول على حقهم فى العلاج، والذين يرضون بأقل القليل وهو مجرد الذهاب إلى مكان حكومى يتولى الكشف عليهم بالمجان، بدون التدقيق فى جودة الخدمة أو المعاملة الإنسانية الكريمة. إننا لم نتعلم من تجربة التوسع العشوائى فى نظام العلاج على نفقة الدولة الذى ابتدعه وزير صحة أسبق تعضيداً لنظام رئيسه مبارك، والذى أدى إلى مضاعفات وإساءة استخدام، ساهمت بشكل كبير فى تدهور الخدمات الطبية على جميع المستويات وأثرت على العلاقة السليمة المفترضة بين الطبيب والمريض، وفتحت أبواباً عديدة لفساد لاحدود له.. فعلمنا من وسائل الإعلام عن قرارات جمهورية بضم فئات معينة بالملايين لنظام التأمين الصحى القائم حالياً بدون حسابات علمية للتكلفة المطلوبة، فى الوقت الذى تُقلَص فيه ميزانيته، وتتبارى وسائل الإعلام المختلفة فى انتقاده وتلويث سمعته.. وها نحن نسمع عن قرب تنفيذ المرحلة الأولى لما يُسمى «مشروع التغطية الصحية لغير القادرين» الذى يبدأ بعدة محافظات فى الصعيد ويشمل من يتقاضون معاش الضمان الاجتماعى، ويُمول أساساً من الميزانية المُخصصة للعلاج على نفقة الدولة التى يستفيد منها الآن ملايين من متوسطى الحال الذين لايتقاضون معاش الضمان مما سيؤثر بالسلب عليهم بالتأكيد، وليت رئيس الوزراء يخرج علينا ويشرح الفروق بين «العلاج المجانى» و«العلاج على نفقة الدولة» و«التغطية الصحية لغير القادرين» و«التأمين الصحى»! إن مثل هذه القرارات العشوائية الخارجة عن سياق منظومة متكاملة لاغنى عنها لإحداث تغيير جذرى فى الوضع الصحى المتدهور، لاتعدو إلا أن تكون جزءاً من سياسة «إطفاء الحرائق» التى تتبعها الحكومة الحالية، وهى بلا شك قد تفيد بصورة جزئية ومؤقتة فئات من الشعب، ولكنها لن تكون أبداً الحل الناجع والحاسم لحالة المعاناة والحيرة والقلق التى يعانيها المواطن إذا ما ألم به مرض أو تعرض لحادث، فضلا عن تدنى مستوى أداء الخدمة المُقدمة له.. نسأل الله السلامة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية