كشف الإعلامي يسري فودة، تفاصيل تنشر للمرة الأولى عن توقيفه، واعتقاله لمدة 3 أيام من قبل المحابرات السورية.
وروي فودة في كتابة الجديد، الصادر عن دار الشروق للنشر، «في طريق الأذى.. من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش»، أنه وفي طريق عودة من العراق بعد دخولها بشكل غير شرعي من الحدود السورية- العراقية في عام 2006، في إطار تحقيقه الإستقصائي «العبور إلى المجهول»، والذي يكشف فيه عن طريقة انضمام «المجاهدين» للمقاومة العراقية في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق: «انحدرنا بالسيارة كي يلتحق بالطريق الرئيسي في اتجاه منزله مزقت أضواؤها الباهتة على مرمى أبصارنا الآن تلابيب الظلام الدامس فكشف عما بدا ثلاثة أشباح ترتدي ملابس مدنية، أحدهم يحمل بندقية آلية يقف على أهبة الاستعداد إلى جانب سيارة شرطة».
فندق المخابرات
ويضيف «فودة» بعد أن قادوه هو ورفيق رحلته «عدي» ودليل الرحلة «أبوليث» إلى نقطة حدودية صغيرة، وبعد أن تمكنوا من التعرف على شخصيبته، قامت السلطات السورية في المنطقة الحدودية مع العراق بإجراء اتصالاتهم بالسلطات في العاصمة السورية دمشق: «اصطحبونا إلى فندق بمدينة القامشلي الحدودية كي نغتسل ونستريح قبل أن ننتقل في الصباح إلى دمشق»
ويصف فودة طريقة دخولهم للفندق، بأنها كانت غير طبيعية: «لم ندخل الفندق كما يدخل الضيوف الفنادق عن طريق إجراءات التسجيل المعتادة Check In وإنما قادنا الرجل مباشرة عبرسلم إلى الطابق الثاني، وطلب أحد العاملين في هذا الفندق الصغير المتواضع من عدي وأبوليث أن يتواجها معه إلى غرفتيهما بينما اصطحبني العقيد إياد الزين إلى غرفة استقبال صغيرة».
يا لها من عفانة!
ويتذكر«فودة» زيارة سابقة له إلى دمشق برفقة المدير العام لقناة الجزيرة سابقا، محمد جاسم العلي، أثناء إعداده لتحقيق عن حرب أكتوبر 1973: «بعد استكمالنا إجراءات الدخول في بهو الفندق لفتت نظري ظاهرة غريبة كانت بعد ذلك موضوعاً للممازحة مع أبوجاسم عندما كنا نتبادل أرقام الغرف. «غرفتي ٤٠٧، وأنت؟،.. «أنا غرفتي ٣٠٧». أسرعت إلى الباقين فاكتشفت أن أحدهما في غرفة ٢٠٧ والآخر في غرفة ١٠٧. يا لها من صدفة ظريفة! لكن فضولي لم يكن ليستريح بسهولة. لاحقاً، سألت من أثق به فقال لي إن تلك في الغالب غرف خاضعة للمراقبة لأن من الأرخص لهم أن يشدوا أسلاك المراقبة عبر حائط واحد من أعلى إلى أسفل بدل أن يوزعوها على غرف متناثرة. أرخص؟ أرررخص؟ يا للهول! حتى وهم يراقبوننا يستخسرون فينا ثمن المراقبة الذي هو أصلاً من كدنا وعرقنا؟ يا لها من عفانة!».
بعد ساعات طويلة من الانتظار بالفندق، وأكثر من 5 ساعات من التحقيقات على يد ضابطي المخابرات السورية إياد الزين وزاهي الأسعد، قرر الضابطين السوريين، الإنتهاء من إعداد تقريرهما تمهيدا للإنتقال واستكمال التحقيقات في دمشق، مع الإبقاء على الدليل «أبوليث» بمدينة القامشلي.
ويروي «فودة» أنه قرر عدم الرحيل بدون الإطمئنان على دليله العراقي في رحلته الصحفيه، ونتيجة إصراره وبعد إجراءات المحققين السوريين لبعض الاتصالات الهاتفية، تقرر ترحيل «أبوليث» إلى العراق وعدم عودته إلى سوريا مجددا.
محكمة العدل الدولية
رحل «أبوليث» إلى العراق، وانطلق «فودة» برفقة رفيقه «أبوعدي»، وضابط من المخابرات السورية إلى العاصمة دمشق.
أثناء طريقهما من القامشلي إلى دمشق، يمر بهما السائق لمبنى غير معلوم الملامح، يبدو مملا كأفرع الاستخبارات الأمنية السورية، كما يصفه «فودة»: «بوابة صماء تقود إلى فناء أجرد يقود إلى درجات سلم بالية تحوطها في الصعود جدران مرهقة، وعيون في كل زاوية وأسلحة خفيفة ومخبر يسلمك إلى مخبر إلى مخبر إلى أن تجد نفسك على أريكة في مكتب متواضع متصل من داخله من خلال باب مغلق بمكتب أخر»
ويروي الإعلامي الشهير تفاصيل مشادة بينه وأحد المحققين السوريين، بعد دخل عليه ضابط متوسط الرتبة في لباس مدني، فارداً طوله، نافشاً سترته، كما وصفه «فودة»، موضحًا أن الضابط دخل المكتب صارخاً بأعلى صوته، بنبرة عدوانية يلقي بملف على المكتب، قائلا في عصبية: «شو يعني؟!.. هايواللا شو؟!.. ما في استئذان؟ ما في احترام؟ ما في تربايه؟!».
الضابط: شو؟ ما في رد؟
«فودة»: أنا بس مستني حضرتك تخلص كلام. خلصت ؟!
الضابط: ما خلصت.. فيني أحكي من هون للصبح.. اسمع ولااا.. إنت بتعرف شو فينا نعمل فيكو هلا؟.. هاه ؟.. بتعرف واللا لا؟
«فودة» عارف كويس جدا.. وعارف كمان إن أنا كسرت القانون الدولي عمدا وتعديت على سيادة دولتين في ليلة واحدة.
لو سمحت !.. لو سمحت!.. وفر الإهانات الفارغة والصوت العالي.. لوعندك اتهام رسمي تتفضل تعرفني بنفسك وتكتب محضر وإن شاء الله نتقابل في محكمة العدل الدولية
الضابط: شو؟ محكمة شو؟!.
وداعا دمشق
بعد المشادة الكلامية التي حدثت بين «فودة» والضابط السوري، حضر إلى المبنى الغامض ممثل وزارة الإعلام السورية، والذي سماه «فودة» «فراس»: «معالي الوزير رح يستقبلك.. بس بدنا إياك نرتاح شوي بأي فندق تختاره»، هكذا عرض ممثل وزارة الإعلام على فودة، الذي أختار فندق بقي فيه حتى التقى بوزير الإعلام السوري الدكتور محسن بلال صباح اليوم التالي .
«علمت بعد ذلك أن اتصالات جرت على مدى اليومين الأخريين بين دمشق وإدارة قناة الجزيرة»، يشرح فودة كيف انتهت عملية توقيفه لمدة 3 أيام من قبل المخابرات السورية.
وفي لقاء ودي بين الطرفين، التقى «فودة» ووزير الإعلام السوري في مكتب الأخير، قبل مغادرته دمشق، إلى لندن.
تجربة صعبة التكرار
ويصف «فودة»، تجربة اعتقاله، التي خصص لها الفصول الأخيرة من كتابة، بـ«الصعب تكرارها مرة أخرى»، موضحًا: «كانت تلك تجربة على الصعيد الشخصي من الصعب أن أكررها مرة أخرى، وعلى الصعيد المهني فتحت آفاقا لكثير من الدروس التي ستبقى معي ماحسست، وأرجو أن يكون جانب منها على الأقل مصدراً للإلهام، خاصة لهؤلاء من زملائي الذين يبدءون أحلامهم على درب الصحافة الاستقصائية».