جاء بصحيفة «الأهرام» يوم الأربعاء الماضى أن الرئيس السيسى فى لقائه مع الصحفيين والإعلاميين المصريين المشاركين فى تغطية زيارته للصين، دعا إلى التوحد والاصطفاف لمواجهة التحديات ومحو آثار 30 عاماً من الخراب شهدته مصر. لايختلف اثنان من المهمومين بحاضر هذا الوطن ومستقبله على صحة كلام الرئيس وصدقه، فما أوصلنا إليه حكم مبارك لايمكن إلا أن يُوصف بالخراب، على الرغم مما يحاوله رجال أعمال عصره الفاسد بما يمتلكون من آلات إعلامية جبارة لإظهار عكس ذلك أو التقليل منه وإيهام الشعب المصرى بأنه كان وطنياً ومخلصاً، ويستزيدون من الاستهبال والتدليس بمقارنته بسنة حكم الإخوان، الذين اكتسبوا قوتهم وشعبيتهم أصلاً فى عهده البائس.. كذلك فإن دعوته للاصطفاف التى تعنى مشاركة جميع طوائف الشعب فى تحمل المسؤولية الكبيرة أياً كان موقعه فى السلم الاجتماعى وأياً كانت معتقداته، باستثناء المجرمين الفسدة الذين لايرون إلا مصالحهم الخاصة أو المخربين من أصحاب الفكر المنحرف المتطرف، هو شرط أساسى لبداية النهضة المنشودة.. عندما قرأت كلمات الرئيس السيسى هذه قفز إلى ذهنى على الفور ماحملته الأنباء قبلها بيومين من أن النائب العام قرر إسقاط عقوبة السجن 7 سنوات الصادرة ضد رجل الأعمال الهارب ممدوح إسماعيل مالك العبارة «السلام 98» التى راح ضحية غرقها 1032 شخصا، بعد تلقى طلب من محاميه بإسقاط الحكم عنه وذلك لمضى المدة القانونية للطعن عليه! إننى أوجه كلامى هذا إلى الرئيس السيسى شخصياً، وأسأله بحق مافى قلبه من إيمان بالله وبالعدل: هل ترضيه هذه النهاية لمأساة هذه العبارة المشؤومة؟ لم يؤجج نار الكراهية فى صدرى والبغض لعصر هذا المبارك شىء أكثر من هذا الحادث الذى شاءت الظروف أن أعرف الكثير عن تفاصيله المُخزية.. لقد وقع الحادث فى أوائل الفترة الرئاسية الأخيرة من حكم مبارك التى تعاظم فيها دور ابنه ورجال الأعمال الذين ارتبطوا بالسلطه،
والتى شهدت أيضاً إرهاصات الثوره الشعبيه العظيمه بظهور حركة «كفايه» وانتشار الإحتجاجات الشعبيه، فكان هذا الحادث هو قمة المأساة التى تُجسد حالة الخراب التى أوصلنا إليها هذا النظام.. إذ كشف بوضوح عن أن مؤسسات الدولة جميعها وبلا استثناء قد طالتها يد التخريب بدءاً من مؤسسة الرئاسة والحكومة مروراً بالمؤسسه التشريعية وانتهاءً بمؤسسة العدالة.. طال الخراب مؤسسات الدولة جميعا إلى الدرجة التى أصبح فيها عذاب أكثر من ألف مصرى فى عرض البحر فى جو قارس البرودة لساعات ثم تقديمهم وجبة شهية لأسماك القرش بالبحر الأحمر شيئاً عادياً لايستحق أن يُعاقب عليه أحد أو يتحمل مسؤوليته أحد، فخرج صاحب العبارة معززاً مُكرماً ليعيش بالخارج، وتُقيد القضية جنحة بسيطة.. تتستر مؤسسة (أو خرابة) الرئاسة لأن أحد أركانها شريك لصاحب العبارة وصديق له، وأن أحداً لايريد أن يزعج الرئيس أثناء نومه لأنه كان على موعد فى الصباح لمتابعة تدريب فريق الكرة.. وتسترت المؤسسة التشريعية ولعبت دورها بامتياز فى امتصاص الغضب الشعبى حينئذٍ واكتفى رئيس (خرابة) مجلس الشعب بالعبارات الرنانة وتشكيل اللجان، وأتذكر حتى الآن قسمه بأنه لن يغمض له جفن حتى يعرف المتسبب فى هذه الكارثة ويأخذ العقاب الذى يستحقه، وعندما وصله تقرير اللجنة التى تشكلت لتقصى الحقائق واضحاً صريحاً فى تحديد المسؤولية، حفظه فى درج مكتبه حتى أطاحت به ثورة الشعب العظيمة فى 25 يناير.. وتسترت النيابة والقضاء بعد أن انفتحت أبواب وأبواق الإعلام المشبوه لمحامى الهارب الباحثين عن الثروات لتؤثر على حراس العدالة، فتقرر خرابة أخرى أن القضية هى جنحة بسيطة، وتُعاد المحاكمة لينتهى الأمر بحكم مخفف، أسقطه النائب العام هذه الأيام بالقانون! إننى أدعو الرئيس السيسى ليجمع مستشارين قانونيين شرفاء ويسألهم النصيحة فيما يمكن عمله لتدارك الأمر وإحقاق الحق وفرض العدل فى هذه القضية التى يجب أن يُفتح ملفها كاملاً من جديد، والتى لايصلح معها الكلام الفارغ والمُغرض مثل عفا الله عما سلف ودعونا ننظر للمستقبل وننسى الماضى.. وصدقنى سيادة الرئيس فإن الشعور بالعدل هو الأساس الذى يمكن أن يقنع الناس بالاصطفاف بجانبك وخلفك للعمل لإزالة آثار الخراب وبناء دولة جديدة فتية على أسس من الحق والعدل واحترام آدمية الإنسان المصرى وحقوقه.