x

جمال طه مصر والإخوان.. وأزمة المخابرات الأمريكية جمال طه الأحد 28-12-2014 21:23


انتصارات المخابرات الأمريكية «CIA» بتفكيك الاتحاد السوفيتى، وإخضاع أوروبا الشرقية، إبان الحرب الباردة، انقلبت لانكسارات.. فشلت فى اختراق «القاعدة»، وادعت تعاونها مع العراق، وفبركت رواية أسلحة الدمار.. هجمات سبتمبر2001 كانت كاشفة، بل فاضحة.. برامج استثنائية للاعتقال، والاحتجاز، واختطاف المشتبه بهم، وتسليمهم لأجهزة أجنبية لاستجوابهم، تعويضاً لقصور مهنى، لا لتعريضهم لتعذيب ثبت فى جوانتانامو وأبوغريب، إنهم سادته.

اللجنة الوطنية للتحقيق أوصت فى تقريرها بتغييرات وإصلاحات واسعة، تم بمقتضاها استحداث وكالة المخابرات الوطنية NI» 2004»، لتتولى التنسيق والتكامل بين الـ16 وكالة مخابرات مدنية وعسكرية، لكنها فشلت رغم تغيير 5 رؤساء وستة نواب خلال 10 سنوات، أزمة CIA كانت أخطر.. قصور مهنى، فشل تنظيمى، وفساد مالى؛ منذ تسلم بورتر جوس رئاستها سبتمبر2004، انشغل بمقاومة الخضوع لـ«NI»، واستقدم عناصر تفتقد للكفاءة، فهربت الكوادر المهنية، عين كيلى فوجو بمنصب الرجل الثالث رغم تورطه فى قضية رشوة، فأجبر على الاستقالة مايو 2006.

بوش أقر بموافقته على استخدام «وسائل مشددة» خلال التحقيقات شريطة تسجيلها، ونائبه تشينى وافق على إخفاء برنامج سرى لمكافحة الإرهاب عن الكونجرس، مايكل هايدن مدير CIA اعترف 2008 بممارسة «الإيهام بالغرق» على ثلاثة إرهابيين؛ خالد شيخ محمد وأبو زبيدة وعبد الرحيم الناشرى، وعندما طلب منه القضاء شرائط الفيديو الخاصة بالتحقيق مع زكريا الموسوى لادعاء تعرضه للتعذيب، تعلل بإعدامها، بحجة إخفاء هوية المحققين!! أوباما بدأ حكمه بتوظيف مُسىء لشؤون الأمن القومى الأمريكى فى الصراع الحزبى، أوقف العمل بالبرامج الاستثنائية، لكنه أمر بالتحقيق فيما تردد عن وقف إدارة بوش تحقيقاً حول مجزرة لسجناء طالبان ارتكبتها قوات عبدالرشيد دوستم المدعوم من واشنطن2001.

استمرار أزمة المخابرات الأمريكية جسدتها فضائح تسريب 100 ألف وثيقة من سجلات الحرب الأفغانية بالجيش الأمريكى، و400 ألف من تقاريره الميدانية خلال حرب العراق، و250 ألف مراسلة سرية بين وزارة الخارجية وبعثاتها بالخارج 2010، نشرها موقع ويكيليكس وصحف عالمية.. فضائح غير مسبوقة لتجاوزات وحروب قذرة، وتدنٍ لدبلوماسية قوة عظمى، فى تعاملها وتفاوضها، وأدواتها للضغط، حتى التعليقات البذيئة على الزعماء.. نموذج فج للعجز عن تأمين المعلومات والاتصالات، وتعبير عن أزمة الاختراق الداخلى للمخابرات الأمريكية.

تسريبات إدوارد سنودن، الخبير بجهاز الأمن القومى «NSA»، وصلت بالأزمة لذروتها، 50000 صفحة من المعلومات والوثائق السرية، ومكالمات وبيانات، أخطرها الميزانية التفصيلية لوكالات المخابرات الـ17، وأشدها حرجًا عمليات التنصت على 122 مسؤولاً سياسياً حول العالم بينهم رؤساء دول وحكومات حليفة.. المخابرات الأمريكية أصبحت موضع «سخرية» بعد حصول سنودن على جائزة سام آدامز 2013، وترشيحه لنوبل للسلام!!

فى ظل انكشاف كهذا، لم يكن مُستغرباً أن يتعرض البيت الأبيض لاختراق الإخوان، الذين وصفهم تشينى بأنهم «أصل كل الجماعات الإرهابية التى نتعامل معها حاليا بما فيها داعش»، المخابرات الأمريكية لم تحرك ساكناً، لأنها كانت تتعاون معهم، حتى إنه بمجرد إبداء مرسى استعداده للتنازل عن مثلث حلايب وشلاتين، ظهرت خرائط مصر بدونه..على الصفحة الرسمية للحرية والعدالة، وقناة الجزيرة، والموقع الرسمى لـ«CIA»!!

فرانك جافنى وجیت ستون الباحثان فى الإسلام السياسى، أثبتا أن محاولات اختراق الإخوان للإدارة الأمريكية بدأت فى عهد كلينتون وجور، وبلغت ذروتها مع أوباما، مایكل باكمان وعدة نواب جمهوريين طالبوا المخابرات بالتحرى عن حجم الاختراق الإخوانى للإدارة الأمريكية وأجهزتها، خاصة سعى مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكى «كير»المرتبط بهم، لزرع متدربين شباب فى مكاتب أعضاء الكونجرس، مستشهدين بالوثائق الواردة بكتاب الناشطين ديفيد جوباتز وباول سبرى (المافيا الإسلامية: العالم التحتى السرى المتآمر لأسلمة الولايات المتحدة).

ركائز الإخوان فى اختراق البيت الأبيض متعددة: عارف على خان، مستشار أوباما للإسلام السياسى، نائب مدير الأمن الداخلى، عضو التنظيم الدولى للإخوان، من مؤسسى المنظمة الإسلامية العالمية، منسق اجتماعات الإدارة الأمريكية بالإخوان.. محمد الإبيارى، مستشار أوباما للأمن الداخلى، صاحب مؤسسة «الحرية والعدالة» التى مولها حزب «الحرية والعدالة»، عضو المجلس الإسلامى، شاهد نفى قضية عمر عبدالرحمن، استقال عقب تغريدة مؤيدة لاجتياح داعش للموصل، وإعلان الخلافة الإسلامية.. رشاد حسين، عضو قانونى بالفريق المعاون لأوباما 2009، عضو المجلس الإسلامى، اختير كمبعوث خاص للمؤتمر الإسلامى 2012.. سّلام المراياتى، مؤسس ومدير تنفيذى للمجلس العام لشؤون المسلمين (MPAC)، يرتبط بالتنظيم الدولى، عمل بجهاز الأمن الوطنى 2002!! محمد ماجد.. مستشار أوباما بوزارة الأمن الداخلى، رئيس المجمع الإسلامى لشمال أمريكا، التحق بمجلس الأمن القومى 2002، عضو مكتب التحقيقات الفيدرالى والمجلس الاستشارى العربى.. هوما عابدين مستشارة كلينتون، والدتها تنتمى للإخوان، ويتعاون شقيقها مع القرضاوى، توسطت لدخول طارق رمضان حفيد حسن البنا لأمريكا، ترشح زوجها اليهودى «أنتونى وينر» لمنصب حاكم نيويورك وانسحب بعد تعرضه لفضيحة جنسية، هى الثانية بعد التى أخرجته من الكونجرس.. فاليرى جاريت مستشارة أوباما ذات الأصل الإيرانى، كانت وراء المحادثات السرية بين واشنطن وطهران، التى انتهت بمفاوضات (5+1).. داليا مجاهد، مستشارة أوباما للشؤون الإسلامية، رئيسة معهد جالوب، عضو مجموعة أزمة الشرق الأوسط ببروكنجز، ابنة «السيد مجاهد» القيادى الإخوانى، صاغت خطابى أوباما بالقاهرة وإسطنبول، وصاحبة عبارة «الآن يعنى الآن» التى وجهها لمبارك، قادت توجه الرئاسة لدعم العلاقة بالتنظيمات الإسلامية بما فيها حماس، ودفع الإخوان لحكم مصر.

بعد 13 عاماً من هجمات مانهاتن، أعاد الديمقراطيون فتح ملف التعذيب، بتقرير من 6000 صفحة، أعدته لجنة خاصة استغرقت تحقيقاتها 5 سنوات بتكلفة 40 مليون دولار، أقرته لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ التى يسيطر عليها الديمقراطيون ديسمبر2012، رفعت السرية عن ملخصه إبريل 2014، ونشرته فى 525 صفحة ديسمبر الجارى، لم يأت بجديد سوى التذكير بأن أوباما صاحب فضل إلغاء الإجراءات الاستثنائية التى سمحت بذلك الإرث الأسود، الذى تسبب فى حصول بوش على لقب أسوأ رئيس أمريكى، وخسارة الجمهوريين الانتخابات لمرتين متتاليتين.. مناورة انتخابية قذرة، كشفها ميكا زنكو من مركز أبحاث نيويورك التابع لمجلس العلاقات الخارجية، إذا كان 119 معتقلا ممن خضعوا لبرنامج الاستجواب السرى يستحقون كل هذه الشفافية، فلماذا لا نعطى نفس الحق لـ3500 قتيل من ضحايا برنامج «التصفيات المحددة الأهداف» الذى تنفذه طائراتنا بدون طيار فى باكستان والصومال واليمن.

الغريب أن يصف التقرير مصر بـ«الدولة التى استقبلت أكبر عدد من المعتقلين» للإيحاء بمشاركتها فى التعذيب، رغم أن أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق أكد فى 2005 أن ذلك اقتصر على 60- 70 من الإرهابيين المصريين، الذين ارتكبوا جرائم تتصل بالبلاد، خلال حكم كلينتون، ولم يمتد لفترة بوش، بكل ما ارتبط بها من تجاوزات وإجراءات استثنائية.. والأغرب تزامن ذلك مع الإعلان عن اعتقال مهندس أمريكى من أصل مصرى، يعمل بالبحرية، خضع لتحرى روتينى من أحد عناصر FBI، انتحل ساتر رجل مخابرات مصرى، وأقنعه بسرقة تصميمات حاملة طائرات وإرسالها للقاهرة.. مصر ليست لها أى علاقة بالموضوع.. المخابرات الأمريكية لعبت مع نفسها، بسذاجة وانعدام مهنية.. قضية تجسد حُلمها، فى اجتياز أزمتها الداخلية، واللعب مع الكبار.

المخابرات الأمريكية تضم 200 ألف موظف، ومئات الآلاف من العملاء، وصلت ميزانيتها لـ75 مليار دولار، لو أنفقت بمهنية، لشعر بالأمن الناس البسطاء من كيب تاون لمقديشو للشيشان.. ومن كراكاس لبغداد وتورابورا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية