تعانى تماثيل رموز السياسة والأدب والفكر فى المحافظات من الإهمال الشديد، حتى إنها أصبحت مهددة بالانهيار بعد أن حاصرها الباعة الجائلون واستولوا على الميادين المقامة بها، مما تسبب فى تشوهها.
فى الإسكندرية تعانى المجموعة النحتية التى يتوجها تمثال الزعيم سعد زغلول، الموجود بميدان محطة الرمل، من مظاهر الإهمال التى تتمثل فى عدم تنظيفه بشكل علمى متخصص، علاوة على انتشار القمامة ومخلفات الأشجار المحيطة وانتشار الباعة الجائلين.
الأثرى محمد على نجم، مدير عام التوثيق الأثرى السابق لمنطقة الوجه البحرى، قال إن تمثال سعد زغلول يعد من أهم التماثيل الموجودة فى ميادين وشوارع مصر لأهمية الشخصية والميدان والمدينة، لكن للأسف يحاصره الإهمال الذى طال معظم التحف والتماثيل الموجودة فى الميادين، مثل تمثال الكاتب فى منطقة الشلالات ومحمد على ونوبار باشا.
وأضاف «نجم» أن المجموعة النحتية تعانى من سوء وعدم احترافية عملية التنظيف والصيانة، حيث تكتفى المحافظة باستخدام سيارات الإطفاء، عبر تسليط المياه القوية عليه مما يساهم فى إزالة طبقة الأكسدة الملاصقة للتمثال، وبتكرار هذه العملية تزول الطبقة المحيطة بالتمثال ويصبح كتلة صماء لا لون ولا طعم لها، مشدداً على ضرورة أن تتم عملية الصيانة من خلال خبراء متخصصين فى ترميم المعادن الأثرية نظراً لكون التمثال تحيط به طبقة أكسدة معدنية للحفاظ عليه.
وطالب بنقل تبعية التمثال من محافظة الإسكندرية إلى وزارة الآثار، وذلك وفقاً لقرار من وزير الآثار مباشرة، حتى تتم صيانته وتنظيفه بشكل علمى صحيح. مشيراً إلى أنه فى حال الموافقة على ضم التمثال للآثار سيتم ضمه لقطاع الآثار الإسلامية والقبطية التى تتولى تنظيفه وصيانته، بدلاً من اكتفاء المحافظة بتنظيفه من خلال «باشبورى» سيارات الإطفاء لإزالة مخلفات الطيور والأتربة من عليه فقط.
وفى الشرقية، تحول الميدان المقام به تمثال الزعيم أحمد عرابى بمدينة الزقازيق ومتحفه بقرية هرية رزنة، إلى مرتع للباعة الجائلين الذين استولوا عليهما، وتحولت المنطقة بالقرب من التمثال إلى موقف للسيارات.
قال وجيه عبدالكريم، من أهالى المدينة إن ميدان الزعيم أحمد عرابى كان مزارا سياحيا، حيث كان يظهر تمثال الزعيم أحمد عرابى واقفا بسيفه وسط حديقة كانت تسر الناظرين إليها، لكن الباعة الجائلين استمروا فى الزحف على الحديقة خاصة بعد ثورة 25 يناير، مستغلين حالة الانفلات الأمنى. وعندما علمنا أن الميدان سيتم تطويره وتجميله استبشرنا خيرا بعد إزالة الحديقة. ولكن للأسف تحول إلى حارات لمرور السيارات وسويقات للباعة الجائلين من تجار الملابس والفاكهة وغرز الشاى. بل وصار محلا لربط الدواب التى تجر عربات الكارو لتنتشر فيه فضلات الحيوانات التى صارت تنافس القمامة على احتلال المساحة الأكبر بجوار تمثال الزعيم عرابى. أصبح ميدان الزعيم عرابى فى حاجة إلى منقذ.
وقال أحد أهالى قرية هرية رزنة، إن وزارة السياحة أصدرت قراراً بإغلاق مبنى متحف عرابى، مدعية أن جدرانه متصدعة ومهددة بالانهيار رغم مخالفة ذلك للحقيقة حيث إن سور المتحف الخارجى الذى يبعد عن المتحف نحو 4 أمتار هو المتصدع، ليتم إخلاؤه ويتحول محيطه إلى مقلب للقمامة ومأوى للحيوانات الضالة.
وفى المنوفية، تحولت حديقة الخالدين، التى تم افتتاحها عام 2012 بمدينة شبين الكوم لتكريم رموز المحافظة إلى مكان مفتوح للتماثيل المحطمة، حيث تنتشر بها أكياس القمامة بعد إغلاقها بالأقفال وتقطيع سور الأسلاك المحيط بها.
ورصدت «المصرى اليوم» وجود تماثيل ملقاة على الأرض ومحطمة، عدد منها تم رفعه من أماكنه المخصصة ووضعه فوق أحد الأكشاك الخشبية، بالإضافة إلى رفع جدارية 25 يناير وتمزيق جدارية شهداء المحافظة.
ورفض المحافظ الدكتور أحمد شيرين فوزى التعليق على ما وصلت إليه الحديقة من إهمال، وأرجأ التعليق إلى ما بعد زيارته للحديقة.
وطالب مسؤول بمديرية الثقافة بالمحافظة بنقل تبعية حديقة الخالدين إلى المديرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بها وإعادة ترميمها وافتتاحها مرة أخرى، مقترحًا إضافة مكتبة وملتقى ثقافيين لشباب المحافظة لتصبح الحديقة مزاراً سياحياً.
وفى البحيرة، كان هناك تمثالان فى ميدانين أحدهما لتوفيق الحكيم بجوار سينما النصر الصيفى، والآخر للإمام محمد عبده، وتمت إزالة الأول من مكانه عام 2006 بحجة وضعه فى مكان آخر لتطوير الميدان، إلا أنه اختفى ولا يعرف أحد شيئاً عنه، وبقى تمثال الإمام محمد عبده فى ميدان المحطة بدمنهور فى حالة يرثى لها.
وانتقد شاعر العامية سعيد عبدالمقصود، إهمال تمثال الإمام محمد عبده، مشيراً إلى أن التراب يغطيه وأصبحت قاعدته مكاناً لوضع الملصقات الإعلانية وكتابة التعليقات السياسية والطائفية باستخدام الإسبراى.
وفى أسوان، تسببت الأتربة فى تشويه تمثال عملاق الأدب العربى الأديب الراحل عباس محمود العقاد، المقام بجوار مقبرته والحديقة التى تحمل اسمه.
قال عدد من أهالى مدينة أسوان إنه منذ وضع التمثال فى موقعه الحالى قبل 3 سنوات، لم يشهد أى اهتمام حتى غطته الأتربة، ليختفى تحتها تماماً لونه البرونزى بعد أن تراكمت عليه الأتربة واختفت معها ملامح التمثال. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث تحولت الحديقة والنافورة القريبة من التمثال إلى مأوى للخيول التى تركها أصحابها ترعى بجوار التمثال.
وأضاف أحد الأثاريين بالمحافظة، طلب عدم ذكر اسمه، أن التمثال استغرق إنشاؤه 4 سنوات وتم وضعه فى موقعه الحالى فى يوليو 2011 على قاعدة جرانيتية فى موقع متميز بالمدخل الجنوبى لمدينة أسوان، ما بين المقابر الفاطمية والمتحف النوبى، ويتصدر التمثال ميدان العقاد بارتفاع 6 أمتار ووزن 7 أطنان وتم تصنيعه من النحاس الأحمر بنسبة 80% مع طلاء الطبقة الخارجية للتمثال بمواد النيكل والبرونز والبلوتينيوم، وأزاح عنه الستار وزير الثقافة الأسبق ومحافظ أسوان الأسبق مصطفى السيد فى احتفالية كبيرة أقيمت بجوار التمثال، الذى صممه الفنان عبده سليم وقام بنحته الفنان عبدالعزيز صعب.
وانتقد عدد من الأهالى إهمال أعمدة الإنارة المحيطة بالتمثال، مؤكدين أنها لا تعمل بسبب تلف اللمبات وضعف إضاءة عدد منها.
وفى المنيا، كشف تعرض تمثال لرأس عميد الأدب العربى وآخر لرأس نفرتيتى لمحاولات التشويه على يد مجهولين، العام الماضى- عن إهمال المسؤولين بالمحافظة فى الحفاظ على التماثيل وحمايتها من العبث. وطالب عدد من المثقفين أعضاء نادى الأدب بالمنيا، بالحفاظ على التراث من خلال تأمين وتشديد الحراسة على التماثيل، كما طالبوا بتشييد تماثيل جديدة لرموز وعلماء المحافظة، وعدم الاكتفاء بإطلاق أسمائهم على الشوارع والميادين، مؤكدين أن ما يحدث من تعدٍ على التماثيل يؤكد وجود قصور فكرى وتنفيذى لدى المسؤولين فى الدولة.