أمام خيمتها التى تمتد على مساحة 3 أمتار، جلست «وهيبة» بين قطع أثاث منزلها السابق التى تناثرت حولها لعدم وجود مكان داخل حيز الخيمة. تقوم بغسل بعض أوانى الطعام لتمحو ما تبقى من فتات الأمس، وهى تتابع ابنتها «جنا» التى لم تتجاوز عامها الأول، واضطرت والدتها لفطامها نتيجة «الظروف الصعبة اللى عايشة فيها بقالى 6 شهور، واللى بسببها مقدرتش أجيب لبنتى علبة لبن بـ 60 جنيه عشان تشربها».. هكذا تقول الأم.
تصمت وهيبة إسماعيل وتعود لمتابعة غسل أوانى طعام أسرتها المكونة من 5 أفراد، وهى تشكو حظها الذى أوصلها لهذه الحال، وتتذكر وقائع ما جرى فى يوم 26 يونيو الماضى، حيث فوجئت هى وأسرتها بقيام قوات الأمن بـ«التعدى عليهم وطردهم من المنزل»، بدعوى أنهم لا يملكون أحقية السكن به. تنادى ابنها محمد - 13 سنة - ليحضر لها المزيد من المياه من الحمام الوحيد المتوافر فى مركز شباب الهايكستب.
أسرة «وهيبة» واحدة من 200 أسرة لم يجدوا مأوى لهم بعد إخلاء محافظة القاهرة الشقق التى حصلوا عليها والتى تتبع حى السلام، ولم توفر لهم فى المقابل بديلا عنها حتى الآن، على الرغم من وعد المحافظ جلال السعيد - بحسب ما يقوله الأهالى - لهم قبل نحو 6 أشهر بتوفير مساكن بديلة، الأمر الذى تقضى «وهيبة» يومها على أمل حدوثه.
«بنتى جنا عندها نقص نمو فى الرئة، ومناعتها ضعيفة بسبب فطمها مبكرا، وعلى طول بتتعب بسبب البرد والمطر اللى موجود دلوقتى وكل لما الدنيا بتمطر بجرى بيها على المستشفيات عشان ألحق أساعدها فى التنفس»، تقول وهيبة: «بعد الدنيا ما مطرت إمبارح بنتى تعبت وروحت لفيت بيها على كذا مستشفى ومحدش رضى يقبلنا ولا يساعدنا عشان معناش فلوس، والبنت من ساعتها وهى تعبانة».
«من قبل رمضان وإحنا قاعدين على الحال ده، مستنيين المحافظة توفر لنا بيوت نقعد فيها، ولغاية دلوقتى مفيش حاجة حصلت، ومفيش حد بيسأل فينا، ولما رحنا يوم الأحد الماضى المحافظة عشان نطالب بحقنا، اعتدت علينا قوات الأمن بالضرب والسب»هذا ما قالته «فاطمة» إحدى السيدات المعتدى عليهن - بحسب ما قالت - وتضيف: «أنا بعد ما تم ضربى، جيرانى تدخلوا وانضربوا هم كمان، والضابط قاللى الوقفات دى خلاص انتهى زمانها، ولو جيتوا هنا تانى هتنضربوا بالنار».
تتدخل «هالة» التى تجلس فى الخيمة المجاورة لها فى الحديث وتقول: «الأمن كان بيشد الستات من شعرها، من شعرنا، وبهدلونا جامد، وفيه ستات كبار كانوا معانا واضربوا عشان كانوا بيقولوا عايزين حقنا».
بجوار مدخل مركز شباب الهايكستب، تجلس «هناء ربيع» على أحد جانبى الرصيف المؤدى إلى الخيام التى امتدت على كل مساحة المركز، تقضى «هناء» يومها كما تقول بالتسول على الخيام لتأمين طعامها، لعدم قدرتها على العمل، لأنها معاقة ومطلقة وتعول أربعة من أبنائها، اضطرت بعد امتداد فترة إقامتها فى المركز إلى إرسال اثنين من أبنائها ليعيشا مع أسرتها فى الصعيد، بسبب «عدم توافر مكان فى الخيمة عشان أقدر أخليهم يناموا فيه، والعيشة هنا غير آدمية، ومقدرش أسيب عيالى فيها».
معاناة السيدة وجيرانها، كما تقول، بدأت عقب ثورة يناير مباشرة، حيث كانت إحدى قاطنى «مساكن المحتلة» بمنطقة النهضة التابعة لحى السلام، والتى تم طردهم منها نتيجة قانون الإيجار الجديد ورغبة الملاك فى عدم التجديد لهم خلال أحداث ثورة يناير 2011، كونهم يسكنون الشقق بموجب «عقد استضافة» وليس «إيجار»، وهو عقد يتيح للمالك طرد «المستأجر» فى أى وقت يراه، ليجد أكثر من 200 أسرة أنفسهم دون سكن، وذلك ما دفعهم عقب مشاورات إلى الذهاب إلى الشقق الفارغة بمدينة السلام، التى تتبع محافظة القاهرة، قبل أن يتم طردهم منها بعد ذلك.
وتضيف: «لا توجد سوى حنفية واحدة فى مركز الشباب موجودة فى الحمام، نملأ منها الجرادل والزجاجات للطبخ والطهى والاستحمام فى الخيام، نظرا للزحام الشديد على الحمامات، ومن 6 شهور أطفالنا توقفوا عن الذهاب إلى المدارس».
«الحياة فى مركز شباب الهايكستب غير آدمية بالمرة».. هكذا يقول جميع أهالى المخيمات الذين التقتهم «المصرى اليوم» خلال يوم كامل من التجول بين الخيام، حيث يبدأ الصباح بالزحام بالطوابير أمام حمام واحد فقط للمركز، للرجال والسيدات معا، انسد الصرف الصحى به نظرا لعدم قدرته على استيعاب كل هذا العدد من المواطنين، الأمر الذى دفع حى النزهة لمحاولة بناء حمام مؤقت من الطوب والأسمنت، لكن رفض مديرة مركز شباب الهايكستب ذلك حال دون حدوثه، بالإضافة إلى عدم توافر الطعام والدواء لأغلب الأسر التى يعمل معظم رجالها باليومية.
سماح صلاح، إحدى سكان الخيام بالمركز قالت وهى تجلس فى خيمتها التى تشتمل على سرير واحد وصندوق جمعت ملابسها داخله، واستعملت سطحه لإعداد طعام أسرتها المكونة من 4 أفراد: «أنا أول مرة أنزل انتخابات، انتخبت السيسى، ولو هو مش عارف بحالنا تبقى كارثة». تتوقف «سماح» عن متابعة حديثها وتقوم بدفع أحد أطفالها لكى لا يمد يده للعبث بالقمامة الموجودة بجوار خيمتها، وتضيف: «أنا باشتغل وبخدم فى البيوت، وبروح بيوت مصريين وسوريين، وبحزن لما بشوف بلدى قاسية على كده».
يتدخل أحد أبنائها «سعد» فى الحديث قائلا: «أنا اتكهربت لما جيت اقفل الخيمة ساعة المطر، بسبب وجود أسلاك كهرباء داخل الخيمة، ومن ساعتها والكهرباء معلمة فى إيدى»، ويتوقف «سعد» عن المتابعة ويشير بإصبعيه صوب عدسات الكاميرا لعرض آثار صعق الكهرباء على كلتا يديه، ويضيف بعدها: «أنا بقالى 6 شهور مبروحش المدرسة، وتعبان على طول بسبب المطر، وبسبب الجو الوحش بالليل».
قالت مديرة مركز شباب الهايكستب، سعاد محمد، إنها تنتظر محافظ القاهرة الدكتور جلال السعيد لكى يقوم بإخلاء المركز من سكان الخيام، بعد أن أحضرهم ليقيموا هنا لمدة 3 أيام ويغادروا. وتضيف مديرة المركز: «أنا وجميع أعضاء إدارة المركز وأعضاء المركز متضررون من وجود هؤلاء بهذا الشكل، وبعضهم أصيب بالفعل بحالات جرب تم اكتشافها بعد الكشف على بعضهم، ونحن فى انتظار الحل من حى النزهة لتوفير بديل».
«الناس دى اغتصبت شقق مش بتاعتهم فى حى السلام، والمحافظ خرّجهم من الشقق بعد الثورة، وبعد اعتصامهم أمام ماسبيرو وأمام محافظة القاهرة، قررت المحافظة تحويلهم إلى مركز شباب الهايكستب لحين تمكنهم من إيجاد بديل لهم» هكذا تقول المهندسة ماجدة أحمد، رئيسة حى النزهة، تعليقا على اتهامات الأهالى للحى والمحافظة بعدم توفير بديل لهم حتى الآن. وتضيف رئيسة الحى بعد توجه «المصرى اليوم» لمكتبها لعرض شكاوى ساكنى المخيمات: «الناس دى أهلنا، بس كلامهم مش مضبوط، والمحافظ أمر بتواجدهم فى المركز لحين استطاعتهم توفير سكن لهم، وليس لحين استطاعة المحافظة أو الحى توفير سكن لهم، وأنا عرضت 2000 جنيه على كل أسرة لمغادرة مركز الشباب ولكنهم رفضوا، والمحافظة ستبدأ فى دراسة وضعهم الآن».