x

أسامة خليل عودة الجماهير والقرار المرتعش أسامة خليل الأربعاء 24-12-2014 21:10


أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا.. هكذا جاء قرار وزارة الداخلية بعودة الجماهير للمدرجات متأخرا جداً، وهو أمر قد نتفهمه فى ظل الظروف الأمنية الصعبة التى مرت بها البلاد منذ ثورة ٣٠ يونيو، والأزمة النفسية المستعصية بين جماعات ألتراس الأندية الشعبية والشرطة، والاحتقان بين جماهيرى الأهلى والمصرى، بعد مذبحة ستاد بورسعيد، والخلط لدى بعض الشباب بين تشجيع الكرة والعمل السياسى، بين المدرجات كمكان للتجمع من أجل الفرجة والتشجيع، وبين كونها مكانا للتعبير عن الغضب، والتنفيث عن المشاكل والأزمات، أو التعبير عن الأفكار السياسية.

من هنا أتفهم سبب تأخر عودة الجماهير، لكننى لا أفهم على أى أساس جاءت العودة، ولماذا فى هذا التوقيت؟، خاصة أننى سمعت وزير الداخلية فى أكثر من مناسبة يؤكد أن عودة الجماهير قد تأتى بعد انتخابات مجلس الشعب، باعتبارها آخر استحقاقات خارطة الطريق، التى اتفق عليها القطاع الأكبر من الشعب بعد ٣٠ يونيو، وهى بالفعل تحتاج إلى تركيز ومجهود أمنى ضخم حتى تمر بسلام، لكن جاء الإعلان عن عودة الجماهير فى الدور الثانى، أى قبل الانتخابات، ليطرح السؤال نفسه: لماذا تغير التوقيت الذى سبق وأعلنته الداخلية، وتمسكت به، ولم تستجب لتوسلات مسؤولى الأندية واتحاد الكرة، ولم تسفر اجتماعاتها ومكالماتها شبه اليومية معهم طوال ٦ أشهر عن تغير فى موقفها، الذى كنت أعتقد أنه موقف أمنى، التقدير الأساسى فيه لوزارة الداخلية ورجال المباحث والأمن الوطنى. أما وقد تم تغير الموعد دون أى مستجدات، أو ظروف وملابسات تستدعى تغييره، فهذا ما يدفعنى للقلق لسببين:

الأول: التقديرات السابقة فى تحديد موعد عودة الجماهير لم تكن مبنية على أسانيد قوية، والثانى: وهو الأهم والأخطر، أن هذا التغير المفاجئ فى تعامل وزارة الداخلية مع القضية (التى تحمل وزرها من حكومات سابقة)، جاء بناء على تعليمات الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث إن تصريحاته وإيحاءاته بضرورة استيعاب شباب الألتراس المتغير الوحيد الذى ظهر على الساحة فى الفترة الأخيرة، وهو كلام لو صح، وأظنه صحيحا، يعيدنا للخلف مرة أخرى، فالحكومة والوزارات لا تتحرك إلا بأمر الرئيس، والمشكلة تظل مستعصية ومستفحلة حتى يشير إليها الرئيس بإصبعه فتحل قبل أن يخفضه مجددا، وهى طريقة تعقد المشاكل أكثر من أن تضع حلولا، خاصة أن قرار عودة الجماهير جاء مترددا، وعلى غير أسس قوية ومتينة وقواعد تضبط التعامل مع الجماهير، وهنا أضع بعض النقاط المهمة، حتى لا تفشل التجربة، ونعود للنقطة «صفر» مرة أخرى.

أولاً: اعتبار أن الأمن أو وزارة الداخلية الطرف الوحيد أو الحاكم فى المشكلة أمر خاطئ، فهناك الأندية، وجماعات الألتراس، واتحاد الكرة، وحتى الآن لم يحدث حوار مباشر بين جميع هذه الأطراف، وإن كانت هناك لقاءات غير رسمية بين بعض الأندية وجماهيرها، ونوايا طيبة من وزير الداخلية للجلوس مع شباب الألتراس والتفاهم معهم، من طريق إدارة ملف حقوق الإنسان داخل الوزارة، لكنها لم تثمر عن تفاهمات مباشرة وواضحة، الأمر الذى يقودنا إلى التدخل لوضع ضوابط حاكمة أولها إبعاد الأمن عن تنظيم دخول الجماهير وتفتيشها، لمنع أى احتكاكات أو مشاحنات مفتعلة، أو غير مفتعلة، لإثارة الفتنة والوقيعة بين الجماهير ورجال الشرطة، وأن تكلف الأندية شركات أمن خاصة، أو تنشئ شركة أمن للملاعب، وهذا الأمر يحقق فائدة إضافية ومهمة، هى تحمل النادى المسؤولية كاملة فى تنظيم المباراة، فإذا تم تسريب شماريخ أو غيرها من الأدوات المستخدمة فى الشغب، تتحمل شركة الأمن المسؤولية وليس خزينة النادى كما حدث مع فريق الأهلى فى الكونفيدرالية، حيث وقع عليه الاتحاد الأفريقى غرامة قدرها ١٦٥ ألف دولار، بسبب إطلاق الشماريخ، فالمنطق يقول إن من سمح بدخول الشماريخ هو من يتحمل مسؤوليتها، وبالتالى تعود هذه الغرامة على الداخلية، وهو أمر أيضا غير منطقى، فالدولة تتحمل ملايين الجنيهات لتأمين المباريات، ولا تتقاضى مليماً من الأندية، فكيف نحاسبها على خطأ تسريب بعض رجالها، بقصد أو بدون، للشماريخ، لكن إذا كانت هناك شركة أمن تتقاضى أموالا نظير عملها، فإنها ستدقق فى التفتيش حتى لا تتحمل الغرامات، وما أقوله ليس اختراعاً بل نظام معمول به فى دول أكثر منا استقراراً ورُقيا، لكن الإصرار على عدم تنفيذه يشير إلى أن هناك من يريد أن يبقى الشرطة فى مواجهة الجماهير، وربما يكون هذا الطرف من داخل الشرطة نفسها.

ثانياً: قرار تحديد عدد الجماهير من خمس إلى عشرة آلاف متفرج، حسب الاستاد والمباراة وموقعها من المنافسة، أراه قرارا نظريا، وفشل تطبيقه على أرض الواقع فى نهائى الكونفيدرالية الإفريقية، التى توج بها الأهلى كأول ناد مصرى يحصل عليها، حيث حدد الأمن العدد بـ٢٥ ألف متفرج، بينما لم تستطع الشرطة رغم حشدها الضخم أن تقف أمام الزحف الجماهيرى، ليدخل ما يزيد على ٥٥ ألف متفرج المباراة.

ثالثاً: ما زال دور الأندية غائبا، ورغم أن إدارة الأهلى اجتهدت، وحاولت إجراء حوار غير مباشر مع جماهير الألتراس، فإنه لم يسفر عن نتائج ملموسة، وبقيت فكرة الحوار قائمة، كأسلوب أول للتعامل معها بدلاً من الاتجاه الذى طرحته إدارة الزمالك بالمواجهة الأمنية، من ثم فعلى الأندية جميعاً أن تفتح مسالك للحوار، والأهم من ذلك توجيه خطاب إلى الجماهير، وتحفيزها على الحضور، لأنه فى وجودها يتم تحجيم أى أعمال شغب.

■ ■ ■

لم يستفزنى التعليق «الهابط» من أحد مقدمى البرامج على مقالى، الأسبوع الماضى، والذى انتقدت فيه إدارة الزمالك على هبوطها بمستوى طموح الجماهير إلى إقامة احتفال ضخم لتسيير أتوبيس الفريق الأول، فى نفس الأسبوع الذى احتفلت فيه إدارة الأهلى وجماهيرها ولاعبيها بالفوز بالكونفيدرالية، لكن استفزنى أن الإعلام الأسود، الذى يقوم على تغذية التعصب والابتذال فى الحوار، لم يسقط بعد ثورتين، فكيف نطلب من الجماهير أن ترتقى بسلوكها وبعض إعلامها ما زال سفيها؟، والأمر الثانى إيهام الرأى العام بأن أى انتقاد للزمالك ينطلق من تصفية خلاف شخصى مع رئيسه، وهو كلام لا يصح أن يصدر عن زميل وصديق وصحفى، تواجد مع مقدم البرنامج، فخلافنا نحن جماعة الصحفيين مع رئيس الزمالك ليس على ميراث أو قطعة أرض، بل على مبادئ وقيم وأخلاقيات أهدرت، وسلوك معيب يمارس، وتصرفات لا رياضية ترتكب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية