خلال الأيام الماضية، شهدت العلاقات المصرية- الأمريكية تطورات مفاجئة عكست تحسناً لافتاً في العلاقات التي تعاني فتوراً واضحاً منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
بدأت إشارات التقارب بقرار الكونجرس رفع القيود المفروضة على إقرار المساعدات العسكرية للقاهرة، ثم وصول السفير الأمريكي الجديد ستيفن بيكروفت إلى القاهرة بعد سبعة شهور من إدارة العلاقات على مستوى القائم بالأعمال، وتوّجت باتصال هاتفي بين الرئيسين المصري والأمريكي، تلاه وصول مروحيات «أباتشي» التي كان تأخر تسليمها، أحد أبرز عناوين الخلاف.
يكمن مفتاح فهم الانفتاح الأخير في لقاء سريع في مطار القاهرة جمع في 30 نوفمبر الماضي الرئيس عبدالفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني، ولم يحظ بتغطية واسعة. ناقش الرجلان خلال اللقاء الذي جاء قبل خمسة أيام فقط من استقبال العاهل الأردني في البيت الأبيض، تولي عمّان دور الوسيط بين القاهرة وواشنطن.
حمّل السيسي ضيفه طلبات لنقلها إلى واشنطن، أبرزها الإسراع بتوريد الأسلحة المطلوبة للمواجهة في سيناء، لا سيما مروحيات «أباتشي»، وطلب «التعاون» في ليبيا باعتبارها مسألة لصيقة الصلة بالأمن القومي المصري. وأعرب في المقابل عن استعداد لتوسيع التعاون في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»، سواء في ساحة «المواجهة الفكرية» عبر الأزهر أو بالمساهمة في تدريب الجيش العراقي.
تجاوبت واشنطن مع جهود الوسيط الأردني، مدفوعة برغبتها في ترتيب صفوف حلفائها لإنجاح التحالف الدولي ضد «داعش»، وتجنيد الثقل الديني المتصوّر للأزهر. وشجعها في ذلك على الأرجح تراجع قدرات المعارضة الإسلامية للنظام بقيادة «الإخوان»، وهو التراجع الذي كشفه فشل حشد «انتفاضة الهوية» التي سبقت زيارة العاهل الأردني بأيام.
لكن الإدارة الأمريكية التي ردت بمطالب معتادة أضافت إليها، بحسب مصادر تابعت الوساطة، طلباً لافتاً هو إبعاد عناصر رأت أنها «تلعب أدواراً سلبية» counterproductive تعرقل استعادة العلاقات. وسافر السيسي إلى عمّان قبل 10 أيام في زيارة سريعة لشكر الوسيط ووضع اللمسات النهائية على ترتيبات التقارب الأخير.
وربما يفسر الطلب الأمريكي الجديد التغيير المفاجئ لرئيس المخابرات العامة اللواء فريد التهامي الذي وصفه دبلوماسيون غربيون ذات مرة بأنه «الأكثر تشدداً» في الدائرة المحيطة بالسيسي، بعد يومين من الاتصال مع أوباما وعودة السفير الأمريكي إلى القاهرة. وتبدو محاولات تبرير إقالة التهامي بدعوى «مرضه الشديد» واهية، خصوصاً أن الرجل زار الرياض في 8 ديسمبر عشية القمة الخليجية.
وفي الإطار نفسه، يمكن فهم بوادر انفراج بدا عصياً في العلاقات المصرية- القطرية، آخرها استقبال مبعوث أمير قطر في القاهرة السبت الماضي. ورغم أن هذا الانفراج سيبقى شكلياً على الأرجح بسبب عدم نضوج ظروف المصالحة بين القاهرة والدوحة واستمرار تضارب مصالح أساسية في ساحات المواجهة المختلفة بينهما، إلا أن التحرك باتجاه تلطيف العلاقات، ولو كان محكوماً بالفشل، يرجح تعرض الطرفين لضغوط كبيرة.
غير أن التقارب المصري- الأمريكي لم يخلُ من إشارات توتر تشبه تلك التي طبعت العلاقات خلال آخر 8 سنوات في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، حين كانت مطالبات «الإصلاح» تتصدر البيانات الأمريكية، بهدف حفظ مسافة من النظام المصري تسمح بالمناورة إذا تعرضت شرعيته لتهديد، فيما يستمر التعاون الأمني والمخابراتي على أشده.
وانعكس هذا التوتر بوضوح في صياغة بياني البيت الأبيض والاتحادية عن الاتصال الرئاسي الأخير، فأبرز الأول إبداء باراك أوباما «القلق» إزاء المحاكمات الجماعية ووضع المجتمع المدني وسجن صحفيين وناشطين، فيما تجاهل الثاني هذا الجانب تماماً وركز على «أهمية العلاقات الاستراتيجية» والاتفاق على التعاون الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
على أن هذا الخلاف سيبقى لفظياً على الأغلب، على غرار سنوات مبارك الأخيرة، ما يعني مراوغة لتقديم أقل «تنازلات» ممكنة داخلياً في ملفات الحقوق والحريات والإصلاح السياسي، في مقابل انخراط كامل في الركب الأمريكي إقليمياً، وربما دولياً، لزيادة تأكيد الأهمية الاستراتيجية.
إنها بوادر عودة «الصيغة المباركية» في العلاقات مع واشنطن، بكل ما تعنيه من استقواء في الداخل ومرونة في الخارج.
تويتر: @mohamedhani