تحتفل دولة الإمارات العربية المُتحدة طوال شهر ديسمبر 2014 بالعيد الوطنى الثالث والأربعين لميلادها على يد الأب المؤسس، الشيخ زايد بن سُلطان آل نهيان.
ولم يكن ميلاد تلك الدولة العربية الخليجية بالولادة السهلة فى العام 1971. فقد كانت الإمارات، أو كما كانت تسمى فى ذلك الوقت بالمشيخات، بُلداناً صحراوية فقيرة، يعيش سُكانها من البدو على الرعى فى المشيخات الداخلية التى لا تطل على سواحل الخليج العربى ـ الفارسى، أو على صيد الأسماك واللؤلؤ والتجارة فى تلك المشيخات التى تطل على السواحل. وقد ظلت تلك المشيخات مُستعمرات بريطانية لحوالى مائتى سنة، كنقاط ارتكاز لمواصلات الإمبراطورية من العِراق وسوريا ومصر إلى الهند، التى كانت بريطانيا تعتبرها دُرّة التاج البريطانى. ولم يكن فى أراضى هذه المشيخات فى ذلك الوقت من الموارد الطبيعية ما يُغرى باستغلالها أو استيطانها ـ مثلما فعلت فرنسا، مثلاً فى الجزائر وشمال أفريقيا، أو مثلما فعلت بريطانيا، مثلاً فى مصر والسودان، وجنوب وشرق أفريقيا، أو الهند نفسها.
لذلك ظلت تلك المشيخات على تخلفها الاقتصادى والعمرانى والاجتماعى. وكان شيوخها يعتمدون على إعانات مالية إنجليزية سنوية، لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه إسترلينى لكل منها. وحينما اكتشف النفط فى شرق السعودية، ثم فى العِراق والكويت وقطر، فضّلت الاستقلال بنفسها، دون رغبة فى تحمل تكاليف الأخوة الفقراء. وحتى بريطانيا نفسها، بعد أن فقدت كُبرى مستعمراتها شرق السويس، قررت أن تجلو عن أراضى تلك المشيخات، حيث أصبحت تكاليفها أكثر من أى فوائد تجنيها منها.
وهكذا وجدت تلك المشيخات الفقيرة نفسها فى أوائل سبعينيات القرن الماضى، دون سند، لا من بريطانيا، ولا من الأشقاء الأغنياء فى الجزيرة العربية (السعودية والكويت وقطر والبحرين). وهنا فكر شيخ أكبر تلك المشيخات، وهو الشيخ زايد بن سُلطان آل نهيان، شيخ أبو ظبى أن يقترح ويُقنع شيوخ الإمارات الخمس المُجاورة (دُبيّ، والشارقة، وأم القوين، وعجمان) أن يتحدوا معاً فى اتحاد فيدرالى، يحتفظ فيه كبير كل مشيخة باستقلالها الذاتى، وبمنحه سنوية كريمة من مشيخة أبوظبى، فى مُقابل الولاء للكيان الفيدرالى الجديد، الذى سيُطلق عليه، اسم الإمارات العربية المتحدة (United Arab Emirates) والذى سيصبح له علم واحد، وعُملة واحدة هى الدرهم، وقوات مُسلحة واحدة، ونظام تعليمى واحد، ونشيد وطنى واحد.
كما أن الشيخ زايد، وزُملاءه شيوخ الإمارات الخمس الأخرى، توافقوا على صيغة لاقتسام السُلطة وتداولها، وعلى سياسة خليجية، تلتزم فيها الإمارات بميثاق مجلس التعاون الخليجى (الذى يضم السعودية والكويت وقطر والبحرين وعمان) وعلى علاقة استراتيجية خاصة بالجارة والشقيقة الكُبرى، المملكة العربية السعودية، كما بعلاقة استراتيجية بالغة الخصوصية بالشقيقة الأكبر مصر. ولأن هذه الخطوط الاستراتيجية العريضة، أرساها الشيخ زايد وأشقاؤه شيوخ الإمارات الخمس الأخرى منذ السنة الأولى لميلاد الاتحاد، فقد جرى تعميقها فى قلوب وعقول الجيلين التاليين من أبناء الإمارات. وقد سبق لى التنويه بهذا الحُب الإماراتى الذى يلمسه كل مصرى زائر أو مُقيم فى الإمارات، فى مقال بعنوان «ما هو سر كل هذا الكرم الإماراتي» (المصرى اليوم 23/11/2013).
وضمن المؤسسات الحديثة لدولة الإمارات صرح أكاديمى علمى هو جامعة الإمارات، التى كان أول رئيس لها هو الأكاديمى المصرى ـ الأمريكى الدكتور عبدالهادى الكُردى، والذى حرص منذ البداية على مستويات جودة عالمية رفيعة، تتم مراجعتها كل خمس سنوات. وهو ما وضع جامعة الإمارات ضمن الخمس الأوائل عربياً، وضمن الخمسين الأوائل عالمياً.
ولا يقل عن الجامعة تميزاً مركز علمى عتيد، هو مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية، الذى أسّسه الأكاديمى اللامع، والابن الإماراتى البار، الدكتور جمال سند السويدى، أبرز أبناء الجيل الإماراتى الأول الذين تلقوا تعليمهم العالى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وعادوا ليُسهموا فى بناء صروح دولة الاتحاد الوليدة. فأسّس الرجل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
وكما تحتفل الإمارات، هذا الشهر، بعيدها الوطنى الثالث والأربعين، كذلك يحتفل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعيد ميلاده العشرين. وخلال تلك السنوات العشرين نشر المركز ما يربو على الألف كتاب، أى بمعدل خمسين كتاباً فى العام الواحد. كما نظم المركز ما يزيد على أربعمائة مؤتمر وندوة وحلقة نقاشية، أى بمُعدل عشرين نشاطاً أكاديمياً سنوياً. وهو بهذين المُعدلين يُعتبر من أنشط مراكز البحوث العربية، إن لم يكن أنشطها على الإطلاق.
ولأن الرسالة التى حرص عليها د. جمال سند السويدى، هى التميز طبقاً لمعايير الجودة العالمية، فإن دراساته ومنشوراته يتم تحكيمها ومُراجعتها بواسطة لجان عِلمية من أعرق جامعات العالم.
يكاد يكون د. جمال سند السويدى نموذجاً لما يطلبه ويتوقعه من زُملائه وتلاميذه. من ذلك أن دراسته الموسوعية «آفاق العصر الأمريكي»، عن الولايات المتحدة، استغرقت عشر سنوات فى تأليفها ومُراجعتها، وترجمتها إلى لغات أجنبية. وقد تم تدشينها والاحتفاء بها فى القاهرة العام الماضى. كما حاضر الرجل حول موضوع ذلك العمل الموسوعى الفذ، فى كل من مؤسسة الأهرام، ومركز ابن خلدون للدراسات الديمقراطية، وفى فندق جراند حياة.
كما أنجز د. جمال سند السويدى مؤلفاً جديداً عنوانه «السراب»، واختار أن يُدشّنه أيضاً فى القاهرة، ويُحاضر حول الموضوع فى نفس المؤسسات الثلاث التى شهدت تدشين كتابه الأول، وهى مؤسسة الأهرام، وفندق جراند حياة، خلال يومى 14و15 ديسمبر 2014، ومركز ابن خلدون فى 28 يناير 2015.
إن حِرص د. جمال سند السويدى، على تدشين مؤلفاته فى القاهرة، والتواصل مع الأكاديميين والإعلاميين المصريين هو استمرار لسيرة المرحوم الشيخ زايد بن سُلطان آل نهيان، الذى عمّق فيه وفى جيلين آخرين حُب مصر.
وجمال سند السويدى هو من أهم الذين يُردّدون أنه إذا غابت مصر عن المشهد، فلا قائمة للعرب أو العروبة.
كما أنه كان من أول المثقفين العرب الذين حذّروا من الإخوان المسلمين وخطورة صعودهم أو حتى مُشاركتهم فى السُلطة. وهو الرأى الذى اختلفت أنا معه فيه. فقد كانت وجهة نظرى مُغرقة فى المثالية، حيث اعتقدت أنا فى سبعينيات القرن الماضى أن مُجرد مُشاركتهم فى السُلطة فى بُلدانهم، وخاصة مصر، كفيل بأن يجعلهم أكثر وسطية واعتدالاً، فى تفسير الدين، وأقل تشدداً فى أمور الدُنيا. بينما كان جمال سند السويدى يعتقد العكس، وخاصة فى موقف الإخوان من أمور الدُنيا، وأن الإخوان إذا وصلوا إلى السُلطة، فإنهم سيحتكرونها، ولن يُشركوا أو يسمحوا بأن يُشاركهم فيها أحد، وخاصة ممن يعتبرونهم علمانيين أو مدنيين. وهذا فى حديث منشور له فى صحيفة الاتحاد الإماراتية بتاريخ 21/3/2007 ـ أى منذ أكثر من سبع سنوات.
صدق جمال سند السويدى،
وأخطأ سعد الدين إبراهيم..
وعلى الله قصد السبيل،،،،،