فقدت السينما المصرية، أمس الأول، المخرج نادر جلال، الذى يعتبر من أعمدة هذه السينما فى الربع الأخير من القرن العشرين، فالسينما فى أى بلد مثل عمارة، وسواء كانت هذه العمارة كبيرة أو متوسطة أو صغيرة تكون لها أعمدة أساس يصنعها المخرجون الذين يتفاعلون مع جمهور السينما الكبير، ولذلك فأفلامهم كثيرة العدد، مثل نادر جلال الذى أخرج 51 فيلماً روائياً طويلاً فى 30 سنة من 1971 إلى 2001.
لم يكن من الممكن أن يكون نادر جلال إلا سينمائياً، فهو ابن اثنين من الرواد، وهما المخرج أحمد جلال «1897-1947»، والمونتيرة والممثلة والمنتجة مارى كوينى «1909-2003»، وقد ولد عام 1941، ومثل وهو طفل فى أفلام والده منذ أن كان عمره سنة واحدة، مثل «رباب» عام 1942، و«أميرة الأحلام» عام 1945، كما مثل فى أول أفلام يوسف شاهين «ابن النيل» عام 1951، وفى غرفة المونتاج فى استوديو جلال، الذى أنشأه والده وعملت فيه والدته، عرف السينما فى صباه وشبابه المبكر منذ عام 1956.
وعندما حصل نادر على الثانوية العامة التحق بكلية التجارة جامعة القاهرة، ولكن ومع افتتاح المعهد العالى للسينما عام 1959 وجد فيه ضالته، فالتحق بقسم الإخراج من دون أن يترك كلية التجارة، وتخرج فى الكلية عام 1963، ثم فى المعهد عام 1964 ضمن الدفعة الأولى.
وطوال نحو عشر سنوات عمل مخرجنا الموهوب مساعداً للإخراج فى نحو عشرين فيلماً مع صلاح أبوسيف ويوسف شاهين وحسن الصيفى وتوفيق صالح وعباس كامل، ولذلك كان يجمع بين العلم والموهبة وخبرة الممارسة العملية عندما أخرج أول أفلامه «غداً يعود الحب» عام 1971، وبعد أن عرض آخر أفلامه «جحيم تحت الأرض» عام 2001، شهد عام 2003 عرض أول أفلامه ابنه المخرج أحمد نادر جلال «عايز حقى»، وهكذا عبر الأب والابن والحفيد عن تجسيد حى للشعار الذى رفعه سمير سيف، مدير المهرجان القومى، «من جيل إلى جيل نتواصل».
وليس معنى التوجه إلى جمهور السينما الكبير أن أفلام هذه الفئة من المخرجين أعمدة الصناعة ليست لها قيمة فنية، كما يتصور البعض، أو لمجرد أن أفلامهم كثيرة العدد، وهناك العديد من الأفلام الجيدة والممتعة لفقيدنا لا يتسع المجال لذكرها كلها، مثل «أبوربيع» 1973، و«أرزاق يا دنيا» 1982، و«خمسة باب» 1983، و«سلام يا صاحبى» 1986، و«بطل من ورق» 1988، و«الإرهابى» 1994، رحم الله سبحانه وتعالى المخرج الكبير بقدر ما أعطى، والعزاء لابنه أحمد وكل صنَّاع ونقاد وجمهور السينما فى مصر.