«كان يسعى لزراعة الأرض بالزيتون.. بينما كان الجنود يسعون للقتل».. هكذا وصف النائب العربى بالكنيست، محمد بركة، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، صديقه الوزير زياد أبوعين، الذى استشهد قبل أيام على أيدى جنود الاحتلال الإسرائيلى، وأكد «بركة» أن «المؤسسة الصهيونية» ترى الفلسطينى هدفًا أيًا كان منصبه، سواء كان رئيسًا أو وزيرًا أو مواطنًا عاديًا، مشددًا على أن هذا النهج يُفسر استهداف المؤسسة لـ«فلسطينيى 48» عبر رفع نسبة الحسم اللازمة للتمثيل فى الكنيست، فى محاولة لمنع الصوت العربى فى الداخل من التمثيل البرلمانى.
«بركة» شرح الأسباب الدولية والإقليمية وأيضًا الداخلية التى تدفع تل أبيب للتصعيد فى القدس المحتلة، مؤكدًا أن إسرائيل تدفع نحو حرب دينية، تضع فيها المقاومة الفلسطينية فى نفس خندق «داعش»، وإلى الحوار.
■ كيف ترى استهداف إسرائيل مسؤولاً فلسطينياً كبيراً وهو الوزير زياد أبوعين وقتله أمام الكاميرات.. هل هى رسالة من المؤسسة الإسرائيلية بأنه لا خطوط حمراء فى تعاملها مع المسؤولين الفلسطينيين؟
- لا شك أنه يشكل تصعيدًا خطيرًا باستهداف مناضل ووزير فى الحكومة الفلسطينية بهذا الشكل الإجرامى، لكن المؤسسة الصهيونية تتعامل مع الفلسطينى كفلسطينى، وتراه هدفًا مهما يكن، ونحن لا ننسى للحظة ما الذى قامت به إسرائيل فى موضوع اغتيال القائد الرمز ياسر عرفات، هذه السياسة العنصرية تعادى الفلسطينى لكونه كذلك سواء كان رئيسًا أو وزيرا أو مواطنا.
ولا شك أن النموذج الذى قدمه زياد أبوعين فريد، لأنه جمع بين موقع المسؤولية السياسية والنضال اليومى فى وجه الجدار والاستيطان والاحتلال، ومن المفارقة أن الصورة المشهورة لزياد أبوعين وجندى إسرائيلى يضغط على رقبته سبقتها صورة أخرى معى تشبهها تمامًا، حيث كان أحد جنود الاحتلال يضغط على رقبتى، والمفارقة أن من كان يقف بجانبى ليؤازرنى فى هذه اللحظة هو زياد أبوعين نفسه.
زياد أبوعين لم يدر نضاله من خلف المكاتب وإنما من الأرض الفلسطينية التى يستهدفها الاحتلال، كان أبوعين يسعى لزراعة الأرض بالزيتون بينما الجنود كانوا يسعون للقتل، والمعادلة واضحة، فى المستقبل لا يمكن أن يكون النصر حليفا للاحتلال وإنما لمن يسعون لبناء الحياة.
■ صادق الكنيست الإسرائيلى مؤخرًا على رفع نسبة الحسم للتمثيل البرلمانى من 2 إلى 3.25%، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام الأحزاب العربية التى تشارك فى انتخابات الكنيست.. هل يكون الكنيست المقبل خاليًا من تمثيل «فلسطينيى 48» أم ستنجحون فى خوض الانتخابات بقائمة واحدة؟
- لا شك أن رفع نسبة الحسم لدخول الكنيست هو إجراء موجه ضد التمثيل العربى، ومحاولة للتعامل مع العرب بوصفهم عربًا وليس بوصفهم مجتمعًا متجانسًا فيه تعددية سياسية وأفكار سياسية مختلفة، اعتقادا من المؤسسة بأنها بذلك قادرة على عزلهم عن القرار العام والشرعية السياسية، لكننا نريد تحويل هذا القانون المعادى للعرب إلى رافعة لتوحيد المجتمع الفلسطينى فى الداخل حول قضاياه الأساسية مع الحفاظ على التعددية، بمعنى الاتفاق على قائمة واحدة تجمع ألوان الطيف السياسى العربى أو قائمتين مرتبطتين باتفاق فائض أصوات مع المحافظة على الخصوصية السياسية والاستقلالية.
نحن الآن فى مرحلة حوار جدى وعميق لتشكيل قائمة واحدة تشمل الجميع، ولكن إذا تعذر فحل القائمتين سيضمن تمثيل العرب، وإذا كان هناك عنصريون فى إسرائيل قد راهنوا على أن نرجح خلافاتنا الداخلية على مواجهتنا للمؤسسة فهم مخطئون.. نحن نرجح مواجهتنا مع المؤسسة العنصرية على أى شىء.
■ تصعيد غير مُبرر تُمارسه إسرائيل ضد المسجد الأقصى فى الفترة الماضية.. لماذا؟
- لهذا الأمر أسباب سياسية إقليمية وأسباب داخلية إسرائيلية، الإقليمى يتلخص فى نقاط: النقطة الأولى هى شعور بنيامين نتنياهو بأن الملف الإيرانى صودر من أجندته، وهو ملف كان يستعمله من أجل التصعيد، ومن أجل التصوير طوال الوقت بأن إسرائيل فى خطر من أجل التملص من أى استحقاق سياسى، واتضح لنتنياهو أن المجتمع الدولى لا يريد أن يعالج هذه القضية على إيقاع الحرب التى يريدها، ليس لأن الغرب أصبح مهتمًا بالسلام، ولكن لأن هناك مصالح يجب أن يراعيها الغرب.
النقطة الثانية هى فشل حرب غزة، التى كانت تهدف لإشعال حريق يُظهر إسرائيل فى نهاية الأمر فى مواجهة ما يسمونه بـ«الإرهاب»، ولكن بعد الجرائم الفظيعة التى ارتكبتها إسرائيل فى قطاع غزة، وبعد صمود الشعب الفلسطينى، صودرت هذه النقطة عمليًا أيضًا من نتنياهو، وظهرت إسرائيل كدولة عدوانية تقوم بحرب تقتل فيها الأبرياء وتهدم البيوت.
أما النقطة الثالثة فهى تصاعد القرارات الدولية المؤيدة للحق الفلسطينى مثل قرار السويد مؤخرًا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك موافقة البرلمان البريطانى والإسبانى والفرنسى على هذا الأمر. والنقطة الرابعة هى مخطط نتنياهو لحرف التوجه العالمى والإقليمى عن قضية حق تقرير المصير لشعب فلسطينى وإشعال حريق حول قضايا أخرى، تُظهر نتنياهو أمام العالم وكأنه يحارب التطرف الإسلامى ويجارى فى ذلك مشاعر الإسلاموفوبيا التى تعم أوساطاً دولية بسبب أفعال إرهابية لحركات الإسلام السياسى ومحاولة وصم النضال الفلسطينى من أجل التحرر وكأنه جزء من هذا التمدد.
وبالنسبة للأسباب المتعلقة بالوضع الداخلى، فهى أن نتنياهو، ورغم تمتع الائتلاف الحاكم الذى يتزعمه بأغلبية، فإن هناك بوادر تذمر فى هذا الائتلاف، وهو يريد أن يحسم زعامته لحزب الليكود، استعدادا لأى انتخابات مبكرة مرتقبة.
إضافة إلى ذلك فإن هناك من حزب الليكود من هم من غلاة المتطرفين المهاويس وهو (نتنياهو) يريد أن يجاريهم، لذلك فهو يستعمل ألفاظا لم يستعملها من قبل رئيس حكومة فى إسرائيل، مثل تهديد فلسطينيى الداخل بسحب جنسيتهم، والقول بأن من لا يعجبه (سياسات إسرائيل) فليذهب إلى الدولة الفلسطينية، أن يقال هذا الكلام من رئيس الحكومة فهذا تجاوز لكل ما عرفناه، بهذه المفاهيم هو يريد أن يشعل حريقاً.
■ التصعيد الإسرائيلى تجاوز المسجد الأقصى، وأصبح يسود مدينة القدس بشكل عام، وهناك تخوفات إسرائيلية من أن يؤدى ذلك إلى انتفاضة فى القدس المحتلة، هل ترجح هذا الاتجاه؟
- هذه مسميات تدفع فيها إسرائيل من أجل التخويف من النضال الفلسطينى، ووضع النضال ضد الاحتلال فى قوالب معينة. حق الشعب الفلسطينى وواجبه أن يعيش انتفاضة مستمرة ما دام الاحتلال باقياً، فحيث يوجد الاحتلال يجب أن يكون هناك رفض له.
أنا لا أهتم بالتسمية، ما يهمنى هو أن إسرائيل تقوم بممارسات عدوانية ضد الشعب الفلسطينى والمقدسات، وفى المقابل يجب أن يكون هناك تصدٍ، هذا هو الأمر الطبيعى. الأمور فى المستقبل مرهونة بحكم نتنياهو، إذا شاء أن يفتح أفقاً آخر لحوار جدى ليس على صيغة مفاوضات تستمر لعدة أشهر، مثل المفاوضات الأخيرة، فسينعكس ذلك على الأرض، لكنى لا أرى أن نتنياهو وإسرائيل يملكون قرارًا يفضى فى النهاية لمفاوضات جدية، ونتنياهو لا يخفى ذلك.
وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان، على سبيل المثال، يتحدث عن سلام إقليمى، بمعنى ألا تكون هناك مفاوضات مع الجانب الفلسطينى فقط، وإنما مفاوضات إقليمية، ويريد ربطها بموضوع محاربة الإرهاب، ويسعى لعزل القضية الفلسطينية وإدخال «فلسطينيى 48» إلى لعبة المفاوضات بمعنى طرحهم فى سوق المزاد من أجل التهجير أو تبادل السكان، وهذا الطرح يصطدم بطرح دول عربية مثل مصر، التى ترى أنه لا سلام إقليمياً دون حل للقضية الفلسطينية، على أساس المبادرة العربية.
■ هل ترى أن الأمور تسير فى طريقها نحو حرب دينية، كما حذر الرئيس الفلسطينى محمود عباس؟
- دون أدنى شك نتنياهو يسعى لذلك، يريد أن يضع النضال الفلسطينى فى خانة «داعش» ومجموعات الإسلام السياسى المتطرف ويريد استغلال الإسلاموفوبيا من أجل وضع القضية الفلسطينية فى هذا السياق، وهناك بعض الأصوات فى الشعب الفلسطينى التى تسير فى هذا الاتجاه، مثل الحركات السياسية المرتبطة بالإخوان المسلمين، والتى تحاول أن تجر فى هذا الاتجاه، حتى وصل الأمر بالبعض إلى إعلان أن القدس عاصمة للخلافة؛ وهذا يشكل ضربة للمشروع الوطنى الفلسطينى.
القضية هى إنهاء الاحتلال وإرساء السيادة الفلسطينية التى تضمن حقوق العبادة. هذه قضية تحرر وتحرير. الأماكن المقدسة وكرامتها الدينية هى فى تحررها من المحتل الإسرائيلى، فالسيادة تضمن العبادة، والعبادة لا تضمن السيادة.
■ هل هناك علاقة، فى رأيك، بين التصعيد الإسرائيلى فى الأقصى، ورغبة نتنياهو، كما قلت، فى إشعال حرب دينية، وبين قرار تل أبيب تجنيد المسيحيين من أبناء «فلسطينيى 48»؟
- هذه أسطورة.. بمعنى أن التجنيد لا يلقى رواجًا بين المسيحيين فى الداخل، وهناك رفض قاطع لذلك، نحن جزء من الشعب الفلسطينى ولا يمكن أن نحارب شعبنا. بعد فرض التجنيد الإجبارى على الدروز منذ عام 1956، تعمل إسرائيل من أجل تمزيق الأقلية العربية فى الداخل، وتحويل هويتها الوطنية إلى مجرد هويات طائفية، وتحويلها إلى فرق متصارعة. والآن يركزون على أبناء شعبنا من المسيحيين، ويحاولون الترويج بأن المسيحيين فى خطر بسبب الحركات الإسلامية المتشددة، وأيضا يحاولون القول إن الإسرائيليين والمسيحيين هم ضحايا هذا المد الإسلامى المتطرف. هذه الأباطيل لا تنطلى على أبناء شعبنا، ونواجهها بتعزيز مفاهيم الوحدة الوطنية من ناحية، ومن ناحية أخرى نطالب الحركات الإسلامية الفاعلة عندنا بأن تتجنب أى خطاب من الممكن أن يخدم مشاريع التفرقة التى تنتهجها الحركة الصهيونية.
■ كيف ترى تصريح وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى إسحاق أهارونوفيتش بتسليح المستوطنين؟
- هذا كلام خطير جدًا، بمعنى أنه يريد أن يجعل إسرائيل كالغرب المتوحش فى أمريكا، كل «كاو بوى» يصبح زعيم مقاطعة، ولكن فى واقع الأمر المجتمع الإسرائيلى كله جيش، المستوطنون كلهم مسلحون، فى كل دول العالم يوجد السلاح مع قوى الأمن، أما فى إسرائيل فمشهد السلاح فى الشوارع طبيعى.
تصريحات وزير الأمن الداخلى هى رفع درجة فى حكم قانون الغاب، فى إسرائيل كل شخص يمسك سلاحه ويطلق النار على عربى، ويقول هذا دفاع عن النفس، حتى إن قوى الأمن الإسرائيلية تُدرب كلابها على أن تُستفز وتهاجم عندما تسمع كلمة الله أكبر.