1- اليونان القديم
شاطئ الأدرياتيك (الزمن السحيق)
* تقول الأسطورة إن زيوس كبير آلهة الأوليمب عشق امرأة من بني الإنسان، وتنكر في صورة بشرية ليتزوجها لكنها رفضته، لم تكن تحبه، فاستعان بإحدى الساحرات، التي نجحت في الجمع بينه وبين محبوبته، وكان قد وعدها بتحقيق كل ما تطلبه من أمنيات، انحنت الساحرة إلى الشاطئ ورفعت يدها بحفنة من الرمال، وقالت لزيوس: أريد أن أعيش سنوات بعدد هذه الرمال، فقال لها زيوس ضاحكا: ستعيشين بعددها.
كانت الساحرة من عشاق الحياة، لكن السنوات مرت وصارت كهلة لا تستطيع أن تمشي، ولا تبصر، وتوسلت إلى زيوس أن يعيد إليها قواها، فقال لها بحسم: لقد طلبت العمر ولم تطلبي الصحة، وقد وعدتك بتحقيق ما تطلبين وليس أكثر منه.
مرت سنوات أخرى وزادات معاناة الساحرة من الشيخوخة والوهن، فتوسلت لزيوس أن يميتها، فقال لها: مازال أمامك الكثير من الوقت، وفاء لوعدي بتحقيق أمنيتك.
هكذا أصبحت الساحرة ضحية أمنية غير محسوبة.
قطع على صوت محمد منير يغني:
قبل ما تحلم فوق.. احلم وانت فايق
قبل ما تطلع فوق.. انزل للحقايق»
2- صعيد مصر
مدينة قفط – محافظة قنا (نهاية 2014)
* سناء مصطفى سمراء أربعينية تتحدى جمود الواقع المتزمت، لم تكتف بالحصول على شهادتها الجامعية من كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية والعمل كمدرسة تقليدية في مدرسة ابتدائية، انخرطت في الحياة الثقافية، وكتبت الشعر وقدمت ديوانين «شرفات نور»، و«ما لا يعرفه الشتاء عن شهر يونيو»، وحاولت أن تستخدم لمساتها الإبداعية في تحرير مناهج التعليم من قيود السطحية والتلقين، حصلت من قبل على جائزة المعلمة المثالية على مستوى الإدارة التعليمية في قفط، ومزجت بن قواعد العلم وسحر الإبداع، وقبل أيام وجهت إلى تلاميذ فصلها سؤالا بسيطا خارج المنهج، لكنه في عمق الحياة:
«إيه الرسالة اللى تحب توجهها لربنا؟».
كنا كثيرا ما نلعب هذه اللعبة ونحن صغار، ونكررها بأسئلة متنوعة مثل: «ماذا تطلب لو امتلكت خاتم سليمان؟»، أو «لو كسبت مليون جنيه هتعمل بيها إيه؟»
نشرت بعض الصحف والفضائيات أمثلة من أمنيات التلاميذ، ورسائلهم إلى الله، أحدهم طلب أن تصبح المدرسة يوم الخميس فقط وبقية الأسبوع إجازة، وآخر طلب من الله أن يحشر أستاذ «الماس» مع قوم ثمود وأستاذ الدراسات الاجتماعية مع قوم عاد، ودعا ثالث «يا رب انتقم من اللي عايز يأخذ حصص الألعاب»، وطلب آخر من الله أن يعطى المستر متولي «كرة ممضية من كريستيانو رونالدو، ويعطي الميس سناء موبايل سامسونج جالاكسي نوت فور».
وفي رسالته إلى الله كتب التلميذ الذي أشرت إليه في المقال السابق «يا رب نفسي السماء تمطر بيتزا.. وأن أتزوج من ألمانيا».
حكاية ألمانيا هذه تكررت بشكل مقلق في رسائل التلاميذ إلى الله، أولا لأن التلاميذ في الصف السادس الابتدائي وتتضمن رسائلهم اهتمامات بالزواج من أجنبية والعمل في بلاد أجنبية أيضا، فأحدهم طلب «فرصة عمل في السعودية أو دبي أو الكويت أو ألمانيا»، وآخر تمنى أن يتزوج ثلاث أجنبيات فرنسية وليبية وألمانية طبعا!
هذا الهوس بالسفر والغربة والأجنبيات لمسته بنفسي أثناء زياراتي للأقصر المدينة، ولم أكن أتخيل أنه منتشر في الصعيد بهذه الطريقة، وبالتالي فإن الرسائل تكشف عن عدة دلالات خطيرة بعضها يتعلق برداءة الخط والأخطاء الإملائية المفزعة لتلاميذ في الشهادة الابتدائية، وبعضها يتعلق بغياب الانتماء، صحيح أن هناك تلميذا دعا الله قائلا بالنص: «يارب انتقم من كل عاوز يؤذي مصر، وحمي شعبها»، لكنه بدا متأثرا بشعارات الإعلام ولم يعكس انتماءه في أمنيات من واقع حياته واهتمامات طفولته ومرحلته العمرية.
الملاحظة الأخيرة أن الإعلام الذي تناول رسائل التلاميذ تعامل مع الأمر بسطحية في حدود «الإفيه» والإشارة لطرافة الفكرة وغرابة الإجابات، أو تحليلها بشكل سطحي يركز على الجوع لأن تلميذا طلب أن يأكل، وأن تمطر السماء بيتزا، مع أن قضية الغربة وغياب الانتماء ورداءة المستوى التعليمي تعتبر كابوسا حقيقيا يهدد مستقبل وطن سيكون هؤلاء الأولاد في طليعة مستقبله، خاصة أن مثل هذه المناطق قدمت في ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية أسوأ من ذلك مفكرين ومبدعين مثل طه حسين وأمل دنقل الذي يحمل مركز الثقافة في هذه المدينة اسمه.
3- الاتحاد السوفيتي
موسكو (سبعينيات القرن الماضي)
* في فناء مدرسة ابتدائية تشاجر طفلان، أحدهما بدأ بالاعتداء على زميله، فاستعان الآخر بأصدقائه وضربوا المعتدي بعنف وأصيب في إحدى عينيه إصابة بالغة، سرعان ما صارت الحادثة محورا لاهتمام الصحف وأحاديث الناس في البيوت، خاصة بعد أن اهتمت بها مجلة «ليترتشر» الأدبية الشهيرة، وناقشت المشكلة مع عشرات المختصين وأولياء الأمور، وتوسع النقاش بحيث تجاوز حادثة شجار بين تلميذين، وتحول إلى قضية تربوية استراتيجية تحت عنوان «أي جيل من الأولاد نربي؟»، وقال أحد المختصين إن التعامل مع هذه الحادثة يحدد لنا طريقة تعامل القادة في المستقبل مع قضية الردع النووي، لأن هذا التلميذ الذي يريد البعض إدانته قد يكون مسؤولا فيوم ما عن اتخاذ قرار ضد اعتداء حزب الناتو على البلاد، فهل يرد الصاع صاعين بقوة وعنف؟، أم يجبن ويذهب إلى ناظر العالم ليشكو المعتدي؟!
هكذا كان يفكر السوفييت في الجملة الشائعة التي تقول إن أطفال اليوم هم رجال الغد وهم مستقبل أي أمة، فأي مستقبل ننتظر من جيل مغترب، لا يعرف كيف يتمنى؟، وكيف يحلم؟
4- الخلافة العباسية
بغداد (زمن هارون الرشيد)
* يحكى أن رجلا قصد بلاط الخليفة هارون الرشيد يلتمس مكرمة ما، وعندما وقف أمام الخليفة قال: يا مولاي إن لديّ طلبا صغيرا، قاطعه هارون الرشيد محتدا: هل بذلت كل هذه الجهود ووقفت أمامي لتطلب طلبا صغيرا؟.. إذا كان لديك طلب صغير فاطلبه من رجل صغير، لا تشغلني بالصغائر.
فإذا كانت طلبات جيل المستقبل من الله تتوقف عند فرصة عمل في الغربة أو بيتزا ساخنة، فليبحث عن فرص العمل في شركات توظيف العمالة، وليطلب البيتزا ديليفري.
يا أولادي اذا تمنيتم وطلبتم، ودعوتم الله، فاجعلوا السقف عاليا، اطلبوا الفردوس الأعلى، فلا شيء يكثر على الله، أما عملكم وطعامكم وزواجكم فهي قضايا تناضلون من أجلها هنا في أوطانكم، وتنتزعونها نزاعا كحقوق وليس كأمنيات.
5- مدينة الأحلام
قلبي (كل زمان)
* يارب نفسي السما تمطر حرية