x

جمال طه سوريا.. تغيرات الإقليم وفرص التسوية جمال طه الأحد 14-12-2014 21:39


المسألة السورية لب أزمة الإقليم ومحور تسويتها.. التاريخ يعلمنا.. عندما تسقط دمشق تنكفئ مصر على ذاتها، وتدافع منكمشة داخل حدودها.. وعندما تزدهر تنطلق مصر من خطوط دفاعها المتقدمة حتى الآستانة.. تلك إطلالة لازمة على متغيرات جوهرية، تجرى فى الإقليم، وتتعلق بالساحة السورية.

سوريا شكلت رأس المثلث المصرى السعودى، الذى أسقط حلف بغداد 1955، انتصر فى أكتوبر1973، حرر الكويت 1991، سعى لتعاون استراتيجى بإعلان دمشق 1992.. الشكوك حول دورها فى الإطاحة بحكومة عون، واغتيال الحريرى، وتبنى حزب الله، والانحياز الطائفى لإيران- حولتها إلى عدو لدول الخليج.. فتحريض الشيعة يمس استقرارها، ويهدد وحدتها الوطنية، ما يفسر: دفع قوات درع الجزيرة لاحتواء اضطرابات البحرين «فبراير2011»، احتضان الإعلام المعارض للنظام السورى، منذ اندلاع الثورة «مارس٢٠١١»، تعليق عضويتها بالجامعة العربية «نوفمبر2011»، وتجميد سفاراتها «يناير2012».

الإعلام المعارض بالفضائيات ومواقع التواصل ينطلق من منهج السلفية، ينتقد الشيعة، يدعو للجهاد، ويجمع التبرعات.. تصدره الشيخ عدنان العرعور، مع العريفى، العودة، العجمى، البريك، العواجى.. حجم التجاوب كان مقلقا، المتطوعون السعوديون فى الجماعات الجهادية بسوريا قارب عشرة الآلاف، تدفقت التبرعات على جمعية السلام التابعة للعرعور، وإبان جولاته بالقرى والمدن، فتضخمت حساباته.. نتيجة لاعتبارات أمنية، فرضت الدولة السعودية عقوبة السجن على من يشارك فى «أعمال قتالية» خارجها، والمؤيد والمتعاطف، ومن يتبنى فكر الجماعات «الإرهابية»، أو يدعمها مالياً أو يدعو لفكرها «فبراير 2014»، وأدرجت حزب الله والإخوان وجبهة النصرة وداعش والقاعدة ضمن الجماعات الإرهابيه «مارس 2014»، أجهزة الأمن رصدت تبشير العرعور لمتابعيه بالعمليات الإرهابية قبيل وقوعها، وتواصله مع الفصائل المسلحة، وتمويله لواء «أحفاد الرسول» بالرقة التابع للجيش الحر.. سلطان العطوى، أبوليث التبوكى السعودى، المنشق عن النصرة كشف تمويلات العرعور لمجلس شورى الشرقية التابع للجبهة، وآخرها مليون دولار، تم تجميد حساباته، وحظر عليه جمع التبرعات.

المجموعة الإرهابية التى قُبِضَ عليها «مايو 2014» ضمت عناصر عائدة من سوريا، والهجوم الطائفى على حسينية شيعية بالإحساء نوفمبر، أكدا حتمية المراجعة الشاملة لسياسات الدعوة والإعلام، بدأت بإغلاق مكتب قناة «وصال» التابعة للعرعور بالرياض، وحظر البث من المملكة، وإقالة الخوجة وزير الإعلام والثقافة.. تراجعت حدة النقد للنظام السورى، وتوقف الدعم للجماعات المسلحة.. تغيرات جوهرية ارتبطت باجتياح داعش للعراق، وانعكاس الصراع السورى على أمن المنطقة، إيران بمبادرة ذكية أوفدت أمير عبداللهيان، نائب وزير الخارجية، لجدة «أغسطس»، مؤكداً ما تفرضه أوضاع الإقليم من تراجع أولوية الخلاف حول النظام السورى، وغادر لدمشق سراً، بعدها منحت السعودية تأشيرات دخول لخمسة دبلوماسيين سوريين، لأول مرة منذ ثلاث سنوات، وسط مؤشرات لإعادة افتتاح السفارة بالرياض، سوريا سمحت بدخول الشاحنات السعودية، عبر معبر نصيب الحدودى مع الأردن «نوفمبر»، فى عودة هادئة للعلاقات التجارية، رغم وقفها استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، نتيجة الصعوبات الاقتصادية.

تغير الموقف السعودى تجاه سوريا كان جزءا من تغيرات مماثلة فى الإقليم، الكويت قبلت الطلب السورى بإعادة فتح سفارتها، واجتمع مسؤول دبلوماسى وآخر أمنى مع فيصل المقداد، وكيل الخارجية السورية بدمشق، ومنحت تأشيرات لثلاثة دبلوماسيين، وفد عُمانى التقى وليد المعلم فى دمشق «سبتمبر»، لبحث استئناف السفارات عملها.. تونس افتتحت مكتباً بدمشق لمساعدة رعاياها الذين تورطوا فى«الجهاد» ويرغبون فى العودة، أما قطر، فقد تمت وساطات لاستئناف علاقاتها بسوريا، بمباركة إيرانية، منذ تعرضت علاقاتها بالسعودية للفتور، بعد الإطاحة بإخوان مصر، وذلك لتفكيك محور الرياض الدوحة الداعم الرئيسى للمعارضة السورية، قطر تراجعت حرصاً على علاقاتها بمجلس التعاون، التى اهتزت نتيجة احتضانها الإخوان.

تغير التوجهات نحو النظام السورى امتد لتركيا وبعض الدول الأوروبية، الشروط التركية الثلاثة لتفعيل مشاركتها فى حرب داعش «إقامة منطقة آمنة، حظر الطيران السورى، تدريب وتسليح المعارضة» والتى تستهدف إسقاط الأسد- لم تهتم بها أمريكا ولا الناتو، بعد توسطه فى الأزمة ومباحثاته بأنقرة مع داوود أوغلو.. أكد حيدر العبادى، رئيس الوزراء العراقى، أن تركيا قد طرأ على موقفها من سوريا «تغير استراتيجى وجذرى»، وتخلت عن شروطها.. فرنسا تراجعت عن موقفها الذى يعتبر الأسد جزءاً من المشكلة، وليس الحل، وأنه لا موضع له فى مستقبل سوريا، وذلك بعد تزايد أعداد مواطنيها فى صفوف التنظيمات الإرهابية، وأوفدت ضابط اتصال مخابراتها بالأردن للمخابرات السورية، محاولاً الاستفادة من قدراتها فى المتابعة الميدانية تأميناً للداخل الفرنسى حال عودة المتطوعين، سوريا اشترطت إعادة فتح السفارة الفرنسية المغلقة منذ مارس 2012، ووقف انتقادات أولاند وفابيوس لنظامها، مؤسستا الرئاسة والخارجية رفضتا، ودفعت المخابرات للاعتماد على الجهاز الألمانى كوسيط.. مسؤولو المخابرات فى بلجيكا، إيطاليا، أسبانيا، وبريطانيا، وغيرهم توجهوا لدمشق لفتح قنوات تعاون، حتى المخابرات الأمريكية استأنفت اتصالاتها، وإن اعتمدت فى التنسيق المنتظم على الجهازين «الألمانى والإيطالى» كوسطاء، أما استقبالها الأخير لوفد الائتلاف السورى المعارض بواشنطن، فقد حمل دلالات سلبية، إذ أخضعته للتفتيش الذاتى بالمطارات، وقصرت مقابلته لأوباما على 20 دقيقة لم يُسمح خلالها بتقديم أى مطالب، ورسائلهم الأخيرة للإيرانيين تؤكد أن بقاء الأسد قد صار وراء ظهرهم، أى أنهم تجاوزوا الأمر.

ومن الطبيعى أن تنعكس التغيرات داخل الإقليم وخارجه على جهود تسوية المسألة السورية، وزير الخارجية السعودى سعود الفيصل التقى فابيوس وكيرى فى باريس قبل توجهه لموسكو 21 نوفمبر، فى محاولة أخيرة للاتفاق على صفقة مع الروس لحل الأزمة باقتسام السلطة بين نظام بشار والمعارضة، وتحصينه وأسرته من المساءلة والمحاكمة، وفقاً للنموذج اليمنى، وذلك مقابل التعاون لرفع أسعار البترول بالأسواق العالمية، لم يتفق الجانبان، وأكد استقبال بوتين بعدها مباشرة لوليد المعلم، وزير الخارجية السورى، تمسك روسيا بدعمها النظام، وجاء استقبال موسكو وفد المعارضة السورية، برئاسة معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطنى السابق، ضمن مبادرة لاستئناف المفاوضات، ليؤكد رفض روسيا أى أفكار تتعلق بتنحية الأسد، خاصة بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، روسيا حالياً تركز على دعم مهمة المبعوث الأممى لسوريا «ستيفان دى ميستورا»، وتعكف على تشكيل مجموعة لدعمه قد تضم الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وإيران ومصر تعزيزاً لجهود حل الأزمة، على أن تبدأ بمبادرة تجميد القتال فى حلب التى تحظى بقبول مبدئى من النظام والمعارضة، بعدها يتم عقد اجتماع للمجموعة تحضيرا لجنيف 3 وسط ظروف أفضل للنجاح.

■ ■ ■

زلزال داعش أحدث تغيرات جذرية فى الأوضاع الأمنية بدول المنطقة، وفى العلاقات البينية بالإقليم، وانعكس على مواقف العديد من دول الغرب تجاه أطراف الصراع، وهو ما لخصه مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة المخابرت المركزية الأمريكية CIA فى «أن انتصار الدولة السورية هو الخيار الأفضل بين كافة السيناريوهات المحتملة لحرب الإرهاب الكونية التى تتعرض لها سوريا».

تغيرات الإقليم انعكاس لمدركات داخلية.. سوريا وطن تتجمع عليه كل منظمات الإرهاب العالمية.. تتصارع فيه كافة أجهزة المخابرات الدولية.. تُلتَهَم منه كل يوم رقعة من ترابه.. تتشرد فيه كل لحظة أسرة من أبنائه.. من السخف التساؤل عن مشروعية النظام الذى يتصدى للمأساة أو انتمائه الطائفى.. فلتذهب الأنظمة للجحيم.. ولكن دعونا نتساءل: هل هناك حالياً أى «مواطن» سورى يكره النظام أكثر من كراهيته الإرهاب والإرهابيين؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية