هو صاحب «فجر القصة المصرية»، و«خليها على الله»، و«صح النوم»، و«ياليل ياعين»، و«كناسة الدكان»، و«تراب الميري».. هو صاحب العرق التركي الذي صار مصريا خالصا وهو أيضا صاحب «قنديل أم هاشم»، حيث الصراع بين الحضارة والخرافة وهو صاحب «دماء وطين» التي قالت إن «الأعراف فوق المشاعر والمعتقد».. وهو صاحب «عطر الأحباب» الذي يمثل محطة مهمة في فن البورتريه القلمي..
هو القائل :«إذا أردت أن تَسعد فعليك أن تُسعِد غيرك أولاً».. و«عجبتُ للإنسان يوصي غيره بالقناعة.. ولا يقنعُ هو!».. و«عاهات النفوس شيء بشع لأنها المخلوق الوحيد الذي لا يعيش إلا مختنقاً فإذا أتحت له التنفس مات».. و«المرأة يلذ لها ويسعدها بدافع من عاطفة الأمومة أن تبكت زوجها بين الحين والآخر وأن توقفه- وإن كان بطلاً!!! – بين يديها موقف الطفل المذنب الذي يؤنب ويوبخ حتى إذا غضب امتدت له الأيدي المشفقة والأذرع المحبة وقال له القلب أنت قطعة مني فكيف أجفوك؟».. و«اختلاف السعادة التي توهب للبشر في النوع لا في المقدار».. و«شتان بين أن تنام متحسرآ وبين أن تنام في عَرقِ الخجّل»..
إنه يحيى حقى المولود في ٧ يناير عام ١٩٠٥ م بحارة المبيضة بالسيدة زينب ونشأ في هذا الحى ووسط ذلك الزخم الشعبى استلهم رائعته «قنديل أم هاشم».
يقول يحيى حقى في سيرته الذاتية: «في أوائل القرن ١٩ قدم لمصر من مسلمي المورة شاب اسمه إبراهيم حقي وكانت خالته حفيظة خازندارة قصور الخديو إسماعيل، وبواسطتها عين قريبها الوافد في خدمة الحكومة فعمل في دمياط ثم أصبح مديرا في إحدى مصالح مديرية البحيرة».
وقد رزق إبراهيم حقى بثلاثة أبناء هم محمد ومحمود وكامل أما محمد والد يحيى حقى فقد التحق بالأزهر ثم انتقل للدراسة بمدرسة فرنسية وعين موظفا في وزارة الأوقاف وتزوج محمد هذا بابنة السيد حسين وكيل مكتب البريد وأثمر هذا الزواج أبناء هم (إبراهيم وإسماعيل ويحيى وزكريا وموسى وفاطمة وحمزة وصالح ومريم) وكان ترتيب يحيى حقى هو الثالث بين أخوته.
التحق «حقي» بكتاب السيدة ثم مدرسة أم عباس باشا وحصل على الابتدائية عام ١٩١٧م ثم الثانوية من المدرسة الخديوية عام ١٩٢١م ثم ليسانس الحقوق عام ١٩٢٥ وعمل محاميا بين دمنهور الإسكندرية ثم معاونا للإدارة بمنفلوط بأسيوط عام ١٩٢٧م وهناك عرف الصعيد عن قرب ثم نقل أمينا للمحفوظات بقنصلية مصر في جدة عام ١٩٢٩م ثم في اسطنبول من ١٩٣٠ إلى ١٩٣٤م ثم عمل بقنصلية مصر في روما حتى ١٩٣٩م ثم نقل إلى ديوان وزارة الخارجية مديرا لمكتب الوزير وتزوج لأول مرة من ابنة عبداللطيف سعودى المحامي عضو البرلمان عن دائرة الفيوم وأنجبت له نها ورحلت.
وكان قد قضي بالسلك الدبلوماسي نحو خمسة عشر عامًا قضاها خارج مصر، وقد بدأ عمله الدبلوماسي في جدة، ثم انتقل إلى تركيا، ثم إلى روما، وعندما عاد إلى مصر إبان الحرب العالمية الثانية عُين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية لوزارة الخارجية، وظل بها نحو عشر سنين، رُقي خلالها حتى درجة سكرتير أول حيث شغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، وقد ظل يشغله حتى عام 1949.
تحول بعد ذلك إلى السلك السياسي إذ عمل سكرتيرًا أول للسفارة المصرية في باريس، ثم مستشارًا في سفارة مصر بأنقرة من عام 1951 إلى عام 1952، فوزيرًا مفوضًا في ليبيا عام 1953.
وقد أُقِيلَ من العمل الدبلوماسي عام 1954 عندما تزوج من أجنبية، وعاد إلى مصر ليستقر فيها، فعُين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة، ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة 1955 فكان «أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958»، فنقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة أي عام 1959 قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام 1962 رئيسًا لتحرير مجلة «المجلة» التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة 1970.
وقد حظي يحيي حقي بالكثير من أوجه التقدير والتكريم كما نال الكثير من الجوائز من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1969، كما منحته الحكومة الفرنسية وسام فارس من الطبقة الأولى عام 1983، كما نال العديد من الجوائز في أوروبا وفي البلدان العربية، منحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراه الفخرية؛ وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة؛ جائزة الملك فيصل العالمية ـ فرع الأدب العربي ـ لكونه رائدًا من رواد القصة العربية الحديثة عام 1990.
وفي 1991 صدر له كتاب «خليها على الله» مبينًا على غلافه الداخلي أنه «السيرة الذاتية لأديبنا الكبير يحيي حقي، عاشق اللغة العربية تحدثًا وكتابة وقراءة، وأحد أبرز رواد الرواية والقصة القصيرة واللوحة القلمية في الأدب العربي الحديث والمعاصر والحائز على أكبر جائزة عالمية تمنح للعلماء والأدباء وهي جائزة الملك فيصل العالمية، التي نالها تكريمًا وتقديرًا لعطائه الإبداعي وجهوده الأدبية».
واليوم يكون قد مر 22 عاما على رحيل يحيى حقي إذ رحل عن دنيانا في التاسع من ديسمبر 1992 عن سبع وثمانين عامًا تاركا وراءه مجموعة من روائع الأدب والفكر العربي منها (قنديل أم هاشم وصح النوم وأم العواجز وناس في الظل ودماء وطين ورجل وامرأة». وغيرها من مجموعات قصصية وكتب نقدية وأدبية وصحفية.