x

«الكرة المعولمة».. استعمار جديد من الشمال للجنوب

الأحد 11-07-2010 00:00 |
تصوير : other

مع اقتراب مونديال 2010 من لحظة النهاية وفيما تجلت ظاهرة الكرة المعولمة بوضوح وجلاء فى هذا العرس الكروى العالمى بجنوب أفريقيا يتردد السؤال بقوة: «هل تكون الكرة المعولمة نعمة على الشمال والقارة الأوروبية العجوز ونقمة على الجنوب والقارة السمراء»؟.

وبعد خروج منتخب أورجواى من المربع الذهبى فى مباراته مع الطاحونة البرتقالية الهولندية التى انتهت بهزيمته بثلاثة أهداف مقابل هدفين بات هذا المونديال أوروبيا خالصا فيما ينتظر كأس العالم المنتخب الأوروبى الذى سيتوج باللقب.

غير أن الكرة الأوروبية كما يؤكد العديد من المعلقين لا يمكن وصفها بأنها كرة أوروبية خالصة، بعد أن تحولت إلى نموذج للكرة المعولمة واستقطبت فرق القارة العجوز العديد من اللاعبين الموهوبين سواء فى أفريقيا أو أمريكا اللاتينية وبقية أنحاء ما يعرف بعالم الجنوب.

ومن ثم فإن السؤال المثير للتأمل: «هل تعد إنجازات أوروبا فى مونديال 2010 هى إنجازات أوروبية خالصة أم أنها إلى حد كبير نتاج جهد وإبداع لاعبين قادمين من عالم الجنوب تحولوا فى بعض المنتخبات الأوروبية إلى القوة الضاربة والعمود الفقرى كما هو الحال فى منتخب ألمانيا الذى يكاد هؤلاء اللاعبون يشكلون قوامه كله»؟

وبعيدا عن آراء قد تحمل قدراً من الغلو مثل وصف هذه الظاهرة بأنها «الاستعمار الكروى الجديد من عالم الشمال لعالم الجنوب» يبدو أن هؤلاء اللاعبين الأفارقة والقادمين من الجنوب عموما للعب فى صفوف منتخبات الشمال والفرق الأوروبية قد منحوا كرة القدم فى القارة العجوز بعض المذاق الحريف الذى يخفف من حدة الحسابات الباردة والتخطيط الأقرب للمعادلات الحسابية والرياضية والعقلانية المفرطة، التى تتسم بها الكرة الأوروبية على النقيض من مدرسة الكرة الأمريكية اللاتينية ذات الشعبية الكبيرة بين عشاق اللعبة الجميلة.

ويتفق العديد من النقاد والمعلقين الكرويين على أن مسعود أوزال التركى الأصل هو من أفضل لاعبى منتخب ألمانيا المعولم فى مونديال 2010، فيما يذهب بعضهم إلى أنه الأفضل على الإطلاق بين فريق الماكينات الذى يضم نجوما فى وزن ميروسلاف كلوزة البولندى الأصل وزميله لوكاس بودولسكى فضلا عن اللاعب التونسى الأصل سامى خضيرة.

وكما يتبدى فى تصريحات يواكيم لوف المدير الفنى لمنتخب الماكينات الألمانية فإن هناك تمسكا بمسألة العقلانية والحسابات الباردة والواقعية جنبا إلى جنب مع تهجين كرة القدم الألمانية بالمؤثرات الأكثر إيجابية فى الكرة بعالم الجنوب، ويتوافق مع توجهات مدرسة كرة القدم الأوروبية ومن بينها الكرة الهجومية السريعة.

وفى المقابل فإن هذا الحضور الكبير للاعبى عالم الجنوب فى كرة القدم الأوروبية يؤكد حسب العديد من النقاد أن الكرة الأفريقية على سبيل المثال لايجوز أن يكون سقفها فى العرس الكروى العالمى هو الوصول لدور الثمانية فحسب.

ورأى نقاد أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوجان كان على صواب عندما اعتبر أن بلاده هى صانعة الإنجازات الحقيقية لألمانيا فى مونديال 2010 بفضل إبداعات لاعبين من أصول تركية يتقدمهم مسعود أوزال.

ومن بين المحترفين فى فريق بروسيا دورتموند الألمانى نجم منتخب الفراعنة محمد زيدان فيما يشير نقاد إلى أن الحقيقة المتمثلة فى استحواذ ألمانيا على عدد كبير من أفضل النجوم القادمين من عالم الجنوب أحد أسباب القوة الواثقة للكرة الألمانية فى مونديال 2010 خاصة بعد أن نجحت الماكينات الألمانية فى «فرم» راقصى التانجو الأرجنتينيين برباعية نظيفة فى دور الثمانية.

وواقع الحال أن وجود المئات من اللاعبين الموهوبين من عالم الجنوب، خاصة القارة السمراء بفرق كروية أوروبية يثير سؤالاً كبيراً يتجاوز المستطيل الأخضر وحتى عالم الرياضة الرحب: «ماالذى يخسره بلد ما عندما ترحل منه شريحة من أبنائه الموهوبين للخارج»؟.. فيما تحول هذا السؤال إلى معضلة باتت موضع جدل واهتمام من مراكز أبحاث ودوريات عالمية مرموقة تسعى للبحث عن إجابة موضوعية ضمن مايعرف بدراسات العولمة.

ويقول ديفيش كابور الباحث بمركز دراسات العولمة فى الولايات المتحدة إن القارة الأوروبية العجوز تتعامل مع القارة الأفريقية السمراء بمنطق «فلتعطينا أفضل وأنبغ أبنائك ودعينا نحن نتكفل بهم ونوفر لهم أفضل الفرص لإظهار مواهبهم واستثمار هذه المواهب والاستفادة منها».

ونوه زميله الباحث جون مكهيل بأن عالم الرياضة ربما يكون أكثر مجالات الأنشطة الإنسانية وضوحا فيما يتعلق بظاهرة «الحراك العالمى المستمر لأصحاب المواهب والمبدعين فى الأرض».. فكلما استعرت حدة التنافس فى الألعاب الرياضية وكلما ازداد سيل أوراق البنكنوت المقترن بهذا التنافس تفتحت شهية الدول وفرق الأندية أكثر وأكثر لالتقاط الموهوبين بأى ثمن.

وتطرق كابور للحقيقة المتمثلة فى وجود شبكة هائلة من الوكلاء والسماسرة للاستفادة من الثروة البشرية الكروية الأفريقية المبدعة وذات الأسعار الرخيصة بالمقارنة مع أصحاب الأقدام المبدعة فى الشمال الغنى غير أن هؤلاء الوكلاء والسماسرة يدافعون عن أنفسهم بوصفهم «من مكتشفى المواهب»، وللإنصاف فهم يتمتعون بالفعل «بحساسية مدهشة» فى هذا المجال.

وتلتقط أعين بعض هؤلاء الكشافين صبية أفارقة موهوبين فى عالم الساحرة المستديرة ولم يتجاوز عمر الصبى منهم الـ15 عاما ثم تبدأ رحلة الهجرة لأوروبا على أن يكون للوكيل أو السمسار نسبة محددة فى العقد المبرم للصبى مع النادى الأوروبى.

وتلاحظ دوريات وأدبيات معنية بدراسات وقضايا العولمة أن هناك نظرة فى العديد من الدول النامية أو عالم الجنوب بأن تصدير اللاعبين الموهوبين إلى فرق الكرة الأوروبية يتيح لهؤلاء اللاعبين فرصة عرض الإبداع الكروى الأفريقى أمام العالم الذى يتابع باهتمام كل مجريات المنافسات الكروية الأوروبية.

وهكذا فإن أصحاب هذا الرأى لم يترددوا فى القول بأن اللاعبين الأفارقة الذين رحلوا لأندية أوروبا لم يجدوا فقط المناخ المواتى والمرحب بالمواهب وإنما فروا أيضا من واقع اقتصادى عصيب وأوضاع قاسية فى بلادهم وكلها عوامل كفيلة بتدمير الموهبة أو إهدارها.

ومن هنا فإن الرؤية الأوروبية الغالبة لظاهرة الكرة الأفريقية المعولمة تتمسك بأن أفريقيا استفادت من الظاهرة بل إن التقدم الكبير فى مستويات منتخبات القارة السمراء يرجع فى أحد أسبابه- حسب هذه الرؤية- للعدد الكبير من اللاعبين الأفارقة فى أندية أوروبية والذين ينضمون لمنتخباتهم الوطنية أثناء المنافسات القارية والعالمية.

ولأن الموهوبين والمبدعين شريحة محدودة بالضرورة وبحكم التعريف فى أى مجتمع فإن هناك فى المقابل من يرى أن ما يحدث للاعبى كرة القدم الموهوبين فى عالم الجنوب والذين هاجروا للغرب أو الشمال الثرى ليس بعيدا بالمرة عن تراث من الاستغلال الغربى للجنوب، فى كل المجالات حتى جاء الوقت الذى تتعرض فيه دول الجنوب خاصة القارة السمراء للحرمان من الشريحة الأغلى فى رأسمالها الإنسانى باستخدام آليات العولمة الجبارة والقادرة.

ثم إن أصحاب هذا الرأى يؤكدون أن «استمرار نزوح اللاعبين الأفارقة الموهوبين وهجرتهم من بلادهم للشمال الغنى يعرقل تطور الكرة فى القارة السمراء، وقد يؤدى لتجفيف منابع الإبداع الكروى الأفريقى».

وفى كل الأحوال يبدو أن «الكرة المعولمة» باتت أحد المعطيات الراسخة للمشهد الكروى العالمى كما تجلى فى مونديال 2010، فيما تدعو هذه الحقيقة عالم الجنوب للاستفادة من إيجابيات العولمة وتقليل سلبياتها قدر الإمكان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية